جاء افتتاح المتحف المصرى الكبير وحالة الزحام الشديدة على زيارته ليؤكد اننا بحاجة شديدة إلى البحث على الأمن الفكري.. والوعى بتاريخنا وحضارتنا الممتدة عبر التاريخ.. وهنا تبرز قضية «الأمن الفكري» لا كـ»ترف ثقافي»، بل كضرورة وجودية.. والأمن الفكرى يعنى فى حقيقته الجوهرية «مناعة داخلية» يكتسبها العقل، فيميز بها الغث من السمين، والصحيح من السقيم، والأصيل من الدخيل. وهو تحصين للفرد والمجتمع ضد غزو الأفكار الهدامة، والثقافات الممسوخة، والتيارات التى تريد أن تجتث جذورنا من تربتنا.
تقع المسؤولية العظيمة على عاتق «المنهج الدراسي» فالمنهج هو الذى يصوغ العقلية، ويبنى الوجدان، ويشكل الرؤية، فهو «برنامج حياة» لأجيال قادمة، فكيف يكون هذا المنهج إذاً درعاً واقياً للأمن الفكري.. وكيف يصوغ المنهج المصرى الإنسان «المتوازن»؟
اولا: إعادة كتابة التاريخ ليس كأحداث، بل كـ «عبرة»: يجب أن تتحول مناهج التاريخ من سرد تواريخ ومعارك، إلى دراسة «الحضارة» المصرية العريقة بامتدادها الفرعونى والقبطي والإسلامي.
ثانياً: التركيز على النماذج «القدوة» لا النظريات المجردة: عقل الإنسان يتأثر بالنماذج الحية أكثر من تأثره بالنظريات المجردة، فلا بد أن تقدم المناهج نماذج العظماء من العلماء المسلمين والمصريين الذين قدموا للإنسانية، ليكونوا قدوة عملية، وليترسخ فى وجدان النشء أن العطاء الحضارى هو جزء من عقيدتهم.
ثالثا: تعزيز «النقد» و«التمييز»: لا يكفى أن نقدم للطالب فكراً جاهزاً، بل يجب أن نعلمه آليات النقد، كيف يحلل الفكرة، كيف يرد على الشبهات، كيف يميز بين المنهج الأصيل وبين المناهج المستوردة.
رابعا: اللغة العربية.. وعاء الفكر وقلب الهوية: الحفاظ على اللغة العربية الفصيحة وتدريسها ليس مادة كغيرها، بل هو حفاظ على وعاء الفكر، فاللغة تحمل فى طياتها رؤية حضارية للوجود.
وفى الختام – أصدقائي- إن المعركة الحقيقية هى معركة «التعليم»، إنها معركة بين «الإنسان المنتج» صاحب الرسالة والحضارة، و«الإنسان المستهلك» التابع الممسوخ، والمنهج الدراسى هو السلاح الأقوى فى هذه المعركة.. فلنعمل إذاً على صنع منهج يكون «مشروعاً حضارياً» يبعث فى الأجيال روح الانتماء إلى هذه الأمة العظيمة والحضارة الخالدة، ويزودهم بمناعة فكرية تحميهم من التيارات الهدامة، ويغرس فيهم الفخر بحضارتهم الممتدة عبر آلاف السنين، ليس فخراً يعيش على أمجاد الماضي، بل فخراً يدفع إلى صناعة مستقبل يليق بهذا التراث المجيد.









