كتبت الاسبوع الماضى عن فوز زهران ممدانى بمنصب عمدة نيويورك، الذى قدّم نفسه كمسلم وكديمقراطى اشتراكى تقدّمي، وأصبح أول مسلم يتولى هذا المنصب فى تاريخ المدينة، والمسألة ليست كونه مسلما فقط، لأن الانتماء الدينى قد لا يكون مهما فى مجتمعات المهاجرين هناك على الأقل نظريا، ولكن هناك الكثير من القضايا التى تستحق النقاش.. مثل تركيبته الثقافية والعرقية المتعددة، فهو من أصل هندى وعاشت اسرته فى أفريقيا وبالتحديد فى أوغندا قبل هجرتها للولايات المتحدة عندما كان زهران فى الثامنة من العمر، يعنى ممدانى مسلم هندى إفريقى أمريكي، آسيوى.
وجاء توجهه اليسارى ليزيد المعادلة سخونة وأعتقد أنها المهمة وبنجاحه هل سيكون ذلك إيذانا بكفر معقل الرأسمالية بها، وأين؟.. فى نيويورك الأكثر اكتظاظًا بالسكان فى الولايات المتحدة…ويرى البعض أن الإسلام والاشتراكية يتعانقان فى قلب أمريكا الآن، بعد أن هز السياسى الأمريكى الشاب زهران ممدانى (34 عاما) الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية بسبب ارائه السياسية وتفكيره، وبفوزه أصبح أول عمدة مسلم لنيويورك!….والتركيبة السياسية والفكرية لممدانى كانت سبب المعركة الساخنة، فهو ينتمى إلى الجناح اليسارى فى الحزب الديمقراطي، وقد نشط لسنوات فى حركة التظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية و التى تدين السياسة الإسرائيلية، وهذا سبب آخــر لسـخونة المعركة ولطعم الفوز، وطبعا قاد اللوبى اليهودى الحملة ضده لمواقفه من إسرائيل، خصوصاً أن نسبة مهمة من سكان نيويورك هم من اليهود.. فقد اتهمته منظمات يهودية أمريكية بمعادة السامية.
و التوجه الإقتصادى لممدانى يثير الجدل فى عاصمة المال والاقتصاد العالمى وقلب الرأسمالية والاقتصاد الحر.. هو فى أقصى اليسار الأمريكي، يقول بوضوح وقناعة إنه اشتراكى رغم أنه نشأ فى أكبر بلد رأسمالى فى العالم، و جذبت وعوده الاشتراكية كثيراً من أصوات الناخبين فى نيويورك الذين عانوا ويعانون من غلاء المعيشة.
وبهذه الوعود وبنشاطه وحركته الدءوبة على الأرض بين الناس حقق ممدانى الفوز.
وطبعا المسألة ليست بالبساطة، فالحزب الديمقراطى يعيش حالة انقسام بين جناحيه التقليدى واليساري، وجاء صعود ممدانى ليجسد عمق ذلك الانقسام وحدته فاز ممدانى رغم تدخل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى ولد ونشأ فى نيويورك المعركة، معتبرا مامدانى شيوعياً وحذر الأمريكيين منه، وتهديده بممانعته فى تمويل ميزانية نيويورك الفيدرالية (7.4 مليار دولار).
وبخبث شديد يرى بعض الجمهوريين الفوز فرصة لاظهار ضعف الحزب الديمقراطى ويظهر جانبه اليسارى المتشدد مما سينفر كثيراً من الأمريكيين من الديمقراطيين فى الجولات الانتخابية القادمة فى عموم أمريكا وليس فى نيويورك فقط..كيف ؟
يرون ان تنفيذ وعود مامدانى سيحتاج إلى المال، ولا يخفى ممدانى نيته زيادة الضرائب على الأثرياء ويرى خصومه أن هذا سيؤدى إلى هرب رءوس الأموال وأصحاب الأعمال من المدينة مما سيؤدى إلى أزمة اقتصادية كبيرة، ويشيرون إلى أن السياسات الاشتراكية قد طُبّقت فى بلدان عديدة فى العالم لكنها فشلت وأدت إلى مزيد من الفقر والفساد والفشل… ومع ذلك منحه الناخبون أصواتهم.
وتحدى ممدانى خصومه مراهناً على واقع جديد وجيل جديد يراهن على التغيير ويريد تحقيقه وتجسيده، ويركز على غلاء المعيشة وكيف أنها تقلق مضاجع سكان نيويورك وتضغط عليهم مهما كانت أصولهم وانتماءاتهم. فوزه فى الانتخابات سيثير الجدل والتساؤلات وربما يحمل المفاجآت وسيكون اختباراً كبيراً لقناعاته وانتماءاته. و بعد فوز ممدانى المســلم بعد عمـــدة لنــدن، يكــونا أول مســلمين فى عمودية أكبر ولايتتين اقتصاديتين فى العالم، فقد فازمن قبل بها صادق خان فى لندن مكبدا حزب المحافظين أسوأ هزيمة منذ 40 عاما وبنشوة النصر طرح البعض وأنا منهم سؤالا هل يمكن ان يكون ممدانى الرئيس القادم للولايات المتحدة مسلماً واشتراكياً بعد ان نجح فى نيويورك التى جاء منها ترامب ؟.
الجواب المختصر بناءً على الدستور الأمريكى هو لا يمكن أن يصبح ممدانى رئيسًا للولايات المتحدة.
والعائق الدستورى هو شرط «المواطن المولود طبيعيًا».. يعنى السبب يرجع إلى شرط أساسى فى الدستور الأمريكى لا يمكن التغاضى عنه حاليًا: «لا يجوز لأى شخص تولى منصب الرئيس إلا إذا كان مواطنًا مولودًا طبيعيًا (Natural-born Citizen)».
وممدانى مولود فى أوغندا، وانتقل إلى نيويورك فى سن السابعة وحصل على الجنسية الأمريكية بالتجنيس لاحقًا، والنتيجة ، بما أنه لم يولد فى الولايات المتحدة أو لم يكن مواطنًا أمريكيًا بالولادة، فهو لا يستوفى شرط «المواطن المولود طبيعيًا»، وبالتالى لا يحق له قانونيًا الترشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
أما بالنسبة للجانب الدينى والسياسي: «هل يمكن أن يكون رئيس أمريكا مسلماً اشتراكياً؟»، فالجواب النظرى هو نعم، لو كان مؤهلاً دستورياً، حيث لا يوجد فى الدستور الأمريكى أى اختبار دينى للترشح لأى منصب، بما فى ذلك الرئاسة، فلو كان هناك مرشح مسلم مؤهل دستوريًا، فإن الأمر يعتمد فقط على حصوله على أصوات الناخبين.
ولا يوجد أى حظر دستورى على الأيديولوجية السياسية. إذا استطاع مرشح اشتراكى حصد الأغلبية فى المجمع الانتخابي، فيمكنه أن يصبح رئيسًا.. وعلى الرغم من أن فوز ممدانى كأول عمدة مسلم وكونه اشتراكيًا ديمقراطيًا يمثل رمزية تاريخية وتحديًا للسياسة التقليدية، إلا أن شرط مكان الميلاد يبقى العائق الدستورى الذى لا يمكن تجاوزه حاليًا.. فهل يمكن تعديل الدستور ليس من أجل ممدانى بل من أجل المساواة وحرية الترشح والانتخاب ؟
لا أظن!!









