حتى الآن لم يتم تنفيذ وقف اطلاق النار فى غزة بشكل كامل على أرض الواقع.. إطالة فترة محاولات التنفيذ والتثبيت تصب فى مصلحة إسرائيل، بل هى أحد أهدافها الرئيسية.
تمر الأيام يوما بعد يوم، وإسرائيل لا تتوقف عن اطلاق النار وقتل الفلسطينيين.. الأرقام تقول إن متوسط عدد الشهداء الفلسطنيين الذين تغتالهم إسرائيل فى غزة منذ إعلان بدء وقف اطلاق النار يبلغ ثمانية وعشرين شهيداً يومياً.
إسرائيل لم تلتزم حتى الآن بتنفيذ الشق الخاص فى مبادرة الرئيس ترامب بإدخال المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية لأهالى القطاع بالكميات المقررة أو الملائمة.
يتردد الحديث عن ضغوط أمريكية على إسرائيل للالتزام باستكمال تنفيذ المرحلة الأولى من مبادرة ترامب، لكن هذه الضغوط لا تكفي، فهى ليست شبية بالضغوط الأمريكية على حماس مثلا فى مسألة البحث عن جثامين الجنود الإسرائيليين القتلى فى القطاع وتسليمها لإسرائيل.
مع إسرائيل، الضغوط سرية، وبين حليفين، ولذلك ليست ضغوطا خشنة، ويستطيع نتنياهو أن يردها، وأن يخترع أى أعذار للتنصل منها.. لكن مع حماس، تصدر الضغوط فى صورة أوامر تنفيذية، وبتحديد أقصر مهلة زمنية للامتثال لها وتنفيذها، ومصحوبة بعبارة «وإلّا».
إطالة فترة تنفيذ وتثبيت وقف اطلاق النار تعطى فرصة لـ «تبريد» المواجهة و «فك» الحصار الدولى عن إسرائيل، وانصراف من اعتبروا من دول العالم أنهم قد أدوا واجبهم بالموافقة على مبادرة ترامب ودعمها، وأن على الاطراف المباشرين مهمة استكمال الطريق.. بينما الحقيقة أن اطلاق النار لم يتوقف.
إطالة هذه الفترة أضحت فرصة لتفكيك القضية الفلسطينية نفسها.. فالمفترض أن غزة ليست إلا عنوانا للقضية فى المرحلة الحالية وليست كل القضية.. لكن العنوان أصبح هو القضية.. وبدأت تظهر له «عناوين فرعية».. مثل: غزة لمن ؟! وخطط لتقسيم غزة!! وقاعدة عسكرية أمريكية قرب غزة لمراقبة وقف اطلاق النار!! هل سمع أحد أن وقف اطلاق النار فى أى حرب استدعى إنشاء قاعدة عسكرية لمراقبته؟!.. ومن أمريكا التى لا تنقصها أدوات المراقبة الثابتة والمتحركة فى كل أنحاء الإقليم، أرضا، وسماء وبحاراً.
الرئيس ترامب لم يطلق مبادرته من فراغ، بل أعلن هو نفسه أنه حصل على موافقة الدول العربية والإسلامية المعنية مباشرة بالقضية وعلى رأسها مصر، وأن مصر شاركت بدور فى صياغة وتعديل بعض بنود المبادرة العشرين.
وفى قمة شرم الشيخ للسلام، جاء قادة وزعماء هذه الدول، وبحضور الرئيس ترامب، ليوقعوا «إعلان شرم الشيخ للسلام»، وهو إعلان أشبه بـ «ديباجة» للمبادرة وليس المبادرة نفسها.
إسرائيل شاركت بالطبع فى صياغة وتعديل المبادرة أيضا، لكنها لم تشارك فى قمة شرم الشيخ.
ومع إسرائيل.. لا تكفى المبادرة وحدها، ولا بإضافة الإعلان إليها.
الدول العربية والإسلامية، التى تمثل «الكتلة الصلبة» الممثلة للعالمين العربى والإسلامى فى جانب القضية الفلسطينية لابد أن تشكل لجانا سياسية وقانونية وإدارية، تتناول بالدراسة والبحث عن بند من بنود المبادرة العشرين، لتضع تصورا لكيفية تنفيذه على الأرض، وجدولاً زمنيا يحدد تاريخ بدء العمل به، وكيفية التعامل مع حالات المماطلة أو التلكؤ فى التنفيذ.
يمكن أن يتم ذلك بمشاركة ممثلين أمريكيين، أو بدون، على أن يتم عرض ما تنتهى إليه هذه اللجان على الإدارة الأمريكية، ومن خلالها على إسرائيل أيضا، حتى يتم إقرار هذا البرنامج التنفيذى الزمنى من كل الأطراف.
إن الشعوب العربية والإسلامية تولى ثقتها لهذه الكتلة الصلبة من دولها وحكوماتها، فى أن تكون ضامنا قويا وأمينا لحقوق الشعب الفلسطيني، وللتدخل السياسى والدبلوماسى لتصحيح أى محاولة إسرائيلية للانحراف بالمبادرة عن غاياتها، باعتبارها المسار المتفق عليه الذى إن كان قد بدأ بمحاولة وقف اطلاق النار فلابد أن ينتهى عبر بنودها بقيام الدولة الفلسطينية طبقا لقرارات الشرعية الدولية.
ومسئولية أمريكا عن نجاح المبادرة تتحقق عندما تتعامل مع شركائها من الدول العربية والإسلامية الضامنين للمبادرة، باعتبارهم «شركاء سلام»، وأن السلام لا يتحقق بالعدوان ولا باستمرار الاحتلال، وأن لجوءها إلى مجلس الأمن بمشروع قرار تراه ضروريا لتشكيل قوة السلام الدولية فى غزة يعزز من ثقتها فى الأمم المتحدة، وشعورها بأن هذه المنظمة الدولية مازالت تمثل مظلة الشرعية الدولية التى يحتاجها كل من يبحث عن السلام والعدل، بالقانون وليس بقوة السلاح أو الاغتصاب.
وهذا ينطبق بالتبعية على قرارات المنظمة المؤيدة لحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وإقامة دولته على أرضه، ولذلك علينا دفع أمريكا للإسراع فى تقديم مشروع القرار إلى مجلس الأمن لإصداره لأن إسرائيل ستحاول عرقلة ذلك، بل ولا تريد استمرار المبادرة أصلا.
فما يبدأ من الأمم المتحدة، يجب أن ينتهى بها.
وذلك هو الضمان الوحيد لعدم إعادة عملية السلام فى الشرق الأوسط إلى الثلاجة مرة أخري، ومنع إدخالها فى سراديب ودهاليز أطماع الاحتلال أو إحاطتها بضبابية لإخفاء ما يحاط بها من مؤامرات.
تحية لمصر التى مازالت تتصدى بقوة لمحاولات إعاقة تنفيذ المبادرة ومازالت تنفرد بنظرتها الشمولية للقضية الفلسطينية.. تبدأ بإعادة إعمار غزة، وتنتهى بدولة فلسطينية مستقلة على الأرض الفلسطينية.









