فى زمنٍ كانت فيه الكلمة تزن بقدرها، والصحافة تُحرك الساكن فى دهاليز القرار، بزغ نجم الكاتب الصحفى الكبير سمير رجب، ليصبح أحد أبرز الأصوات التى شكّلت وجدان الصحافة المصرية، وأحد الأعمدة التى قامت عليها دار التحرير للطبع والنشر ومؤسسة «الجمهورية» على وجه الخصوص.
من مآثر هذا الرجل أنه لم يكن صحفيًا عابرًا فى المشهد، بل مدرسة قائمة بذاتها. كان له فضل كبير عليّ شخصيًا؛ فقد أتاح لى بذكائه وصلاته الواسعة أن ألتقى جميع رؤساء وزراء مصر فى ذلك الحين، وأتحاور معهم عن قرب. لم يكن ذلك أمرًا هينًا لشاب فى مقتبل الطريق، لكنّ الثقة التى منحنى إياها سمير رجب، وقوة حضوره بين كبار المسئولين، جعلت الأبواب تُفتح أمامى كما لو أن الصحافة نفسها كانت تطرقها.
عرفتُ من خلاله معنى الصحفى الحقيقي؛ ذاك الذى لا يكتفى بنقل الحدث، بل يصنع الحدث أحيانًا، ويوجّه الرأى العام دون أن يفقد اتزانه أو موضوعيته. كان سمير رجب صديقًا لعدد من كبار رجال الدولة، ومنهم المهندس سليمان متولي، وزير النقل الأشهر فى تاريخ مصر.
كانت كتابات سمير رجب، وبخاصة «الكبسولات» التى كان ينشرها فى «الجمهورية الأسبوعي»، أشبه بومضات فكرية مكثفة؛ لا تخلو من النقد، ولا تبتعد عن الحكمة. كان ينتظرها الجميع- وزراء ومسئولون وقُرّاء- لأنها كانت تُعبّر بصدق عن نبض الشارع وتُضيء عتمة القرار. يومها كانت الكلمة تُحسب حسابها، والجريدة تُقرأ من الغلاف إلى الغلاف.
لقد كان سمير رجب شخصية استثنائية بكل المقاييس؛ قوى الحضور، صلب الموقف، واسع الأفق. لم يكن يُبخل بخبرته على أبناء المؤسسة، بل كان أبًا حقيقيًا لصحفيى دار التحرير، يُعلّمهم أن الصحفى لا يتودد للمسئول، بل يقف أمامه بندّية واحترام متبادل.
ويكفيه فخرًا أنه أنشأ ذلك الصرح الصحفى الفريد على هيئة كتاب مفتوح، حتى وصفه أنيس منصور قائلًا: «لم نكن نتصور أن نرى مبنى لمؤسسة صحفية بهذه الروعة.» كان المبني، بفكرته وجمال تصميمه، مرآة لذكاء مؤسسة وبعد نظره.
وما لا أنساه أبدا مغامرته المحسوبة حين انتقل من الجمهورية التى كان مديرا لتحرير عددها الاسبوعى إلى رئاسة تحرير جريدة «المساء»، رغم محدودية توزيعها وقد استشارنى وقتها قبل الإقدام على تلك الخطوة فنصحته البعد عنها، لكنه قبل التحدى وأثبت أن الرؤية تصنع المعجزة. استحدث أبوابا صحفية رفعت «المساء» لسماء الصحافة، كما استحدث صحافة المتابعات والمواطن، وجعل القارئ نجم الصفحة الأولى ومحور الاهتمام ومن تلك الأبواب المستحدثة «إفطار صائم كل يوم» فى رمضان،
فارتفع توزيع الجريدة بسرعة لتصبح أشهر الصحف المسائية فى الشرق الأوسط، وارتبط اسمها باسمه إلى الأبد.
ولا ننسى أن «المساء» كانت ملهمة للمؤسسات الصحفية القومية التى حاولت استحداث صحافة مسائية.
إن الحديث عن سمير رجب ليس مجرد استعادة لذكرى رجل ترك أثره، بل هو استدعاء لمرحلة كانت فيها الصحافة المصرية صاحبة القرار، وموجهة للرأى العام، وشريكة فى صناعة الوعي. فقد كان رجلاً يرى أبعد مما يراه الآخرون.
جدير بالذكر أن سمير رجب ترأس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر (الجمهورية) كما ترأس تحرير جريدة «المساء» ثم جريدة «الجمهورية» وجريدة «مايو» الناطقة باسم الحزب الوطنى ورئيس تحرير «جريدة 24 ساعة»؛ وهى تجربة صحفية خاصة متميزة حقققت نجاحا كبيرا.









