رقم انتظرته طويلًا لكنه تحقق، الاحتياطى النقدى يتجاوز الـ50 مليار دولار، رقم بعشرات العناوين، احتياطى يعنى عملة صعبة، وتأكيدًا بأن أزمة الدولار كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى ووعد منذ عام ستكون من الماضى، إن شاء الله لن تعود هذه الأزمة ولن نسمع مجددًا عن السوق السوداء التى كان يشعلها الانتهازيون ويدفع ثمنها اقتصادنا الوطنى وكل المصريين فى غلاء أسعار السلع. الدولار الآن متوافر، واحتياجات الدولة منه آمنة، وكذلك احتياجات الاستيراد لأى سلع إستراتيجية وأى متطلبات للمستوردين متوافرة، معنى هذا الرقم الجديد وأهميته لا يعرفها إلا من عاصر الاحتياطى عام 2013 عندما كان أقل من 14 مليار دولار، كان لا يكفى تأمين احتياجات الدولة لأسابيع، وكانت كل تصنيفات المؤسسات الدولية للاقتصاد المصرى بـ«السالب» ولو كان استمر الوضع حينها بهذا الحال لوصلنا إلى الانهيار الكامل.
لكن ما حدث نقلة كبيرة، وكثيرون كانوا لا يتوقعونها بل كانوا يخشون أن تسوء الأحوال أكثر مما كانت عليه، خاصة أن الأزمات كانت عديدة وصعبة، إرهاب لا يتوقف وحروب لا تهدأ ضد الدولة وسياحة متراجعة إلى مستويات غير مسبوقة واستثمارات بالقطارة، وكل هذا كان نتيجة مخطط حصار اقتصادي خانق للضغط على مصر، والأهداف كانت مفهومة والداعمون للحصار كانوا معروفين لكن «اللى معاه ربنا لا يقلق»، وإحنا معانا ربنا واجتهدنا وكافحنا تحملنا الكثير وواجهنا تحديات كبيرة والشعب ظل صامدا وصابرا لأنه مدرك للأوضاع ويلمس الجهد الذي تبذله الدولة والقيادة السياسية والحكومة.
ولذلك لم يتخل لحظة عن دعم الدولة ولم يستجب لكل دعوات المتربصين بمصر، والتي كان هدفها صناعة الخراب، حملات التحريض لم تتوقف طوال الأحد عشر عاما الماضية. تحريض للمصريين على الفوضى، وتحريض للمستثمرين لتخويفهم من الأوضاع في مصر وتحريض للسائحين على أن يبحثوا عن مقصد آخر غير مصر، وتحريض للمصريين بالخارج كي لا يواصلوا تحويلاتهم التي تعد أهم مصادر العملة الصعبة للدولة.

عشنا أياما صعبة ومن عاشها لا يمكن أن ينساها أو تغيب عن ذاكرته وعينه طوال الوقت، فلا يدرك قيمة الصحة إلا من عانى المرض، ونحن عانينا المرض، جربنا الأزمات بأنواعها والاستهداف بكل ألوانه والخناق المفروض على مصر لسنوات عشنا فترة فقدان الأمن وعدم الاستقرار، وعانينا من مرحلة الانتهازيين والمدعين والمرتزقة السياسيين الذين استغلوا ضعف الدولة ليمارسوا الوصاية على كل المصريين الكل زعماء والكل مناضلون والكل يريد أن يفرض رأيه، ومن كثرة المزايدات لم نكن تعرف من يعمل للبلد فعلا ومن يتحرك بـ ريموت خارجي من الوطنى ومن الممول ومن الذي باع؟
الساحة كانت مشاعا والجماعة الإرهابية تدير الأمور بما يحقق أهدافها حتى وصلت للحكم في عام ضبابي مليء بالسحب السوداء وسيول الكوارث التي كادت تغرق مصر بسبب فشلهم وخيانتهم، كانوا يريدون «فتح أبواب الوطن على البحرى»، الكل يمارس على أرضها ما يريد، اقتطاع أراض وفرض توجهات وسيطرة على الثروات والقرارات، مصر العظيمة كانت تتجه إلى أن تكون ولاية تحت الوصاية الخارجية بزعم «الخلافة».
الاقتصاد المصرى كان في طريقه ليكون ملفًا في أيدى مجموعات خارجية ويدار من عواصم أخرى مثل الملف السياسي لولا الشعب المصرى الحر وجيشه الوطني الذي خرج يحمى ثورة الخلاص وإنقاذ الوطن في 2013 تحت قيادة زعيم لم يخش في مصر لومة لائم.
هذه حكاية وطن لا يجب أن تنسى ولا يمكن أن تبتعد تفاصيلها عنا أو تمحى صورها لأنها أكبر دليل على أهمية وقيمة ما وصلنا إليه الآن.
الدول التي تعرضت لبعض ما تعرضنا له بعد 2011 لم تستطع أن تقوم مرة أخرى حتى الآن الفوضى عششت في أرضها وتحتاج عقودا حتى تعود وهناك دول انهارت تماما ولا أمل فى عودتها، لكن ستر الله ثم إخلاص المصريين لدولتهم والقيادة القادمة من قلب الشعب كانوا كلمة السر فى العودة والانتصار على التحدى المستحيل من الانهيار اتجهنا للبناء، من شبح الفوضى انتقلنا إلى الأمن والاستقرار من الانتهازيين أصبحنا دولة القانون الدولة عادت لمكانتها واستردت عافيتها، قرارها مستقل وثرواتها لأولادها واقتصادها يخوض عملية إصلاح كبرى أرضها محمية، وجيشها رادع وشرطتها قوية.
معلوم تاريخيا أن الشعب يتحرك ويدعم والدولة تتقدم عندما توجد القيادة الجامعة التي تستطيع توخد الكلمة وتفرض هيبة الدولة، وهذا ما فعله الرئيس السيسي، رغم المحن لم يتعامل بمنطق القلق أو الشك في قدرات الدولة وقوة الشعب، بل تعامل من اللحظة الأولى كرئيس لدولة كبيرة، رفض أن توضع مصر فى مربع الدول الفاشلة، أو أن يفرض عليها قرار، أصر على أن تكون في مكانتها التي تستحقها، وأن تحقق النجاح الذي يليق بها.
أطلق شعار «مصر ها تبقى قد الدنيا»، ولم يكن كثيرون يتفهمون هذا المعنى، لكنه كان يقصده كان هدفه أن يضع عنوانا يليق بالدولة، ويحدد مسارا لا يجب أن نتخلى عنه وحلما لابد أن نسعى إليه، لأن هذه هي مصر وقيمتها ومكانتها ولإيمانه بهذا العنوان لم يتوان عن أي خطوة أو قرار أو تحرك في هذا الاتجاه ما تم فى مصر طوال 11 عاما من العمل غير مسبوق إعادة بناء كاملة، بناء من الأساس، اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي، التكلفة المقدرة لهذا البناء تتجاوز 550 مليار دولار، حتى تعود مصر دولة تقف على أرضية صلبة، يقف لها العالم احتراما ويستمع إلى صوتها تقديرا ويثق فى قدراتها وتتخلى العواصم المعارضة لها عن مواقفها وتفتح معها صفحات جديدة من العلاقات القائمة على المصلحة المتبادلة.
مصر الآن دولة كبيرة وسط الكبار، وقيادتها ثابتة قوية واعية وقادرة على تحقيق أهدافها وحماية أمنها ومقدراتها ومصالحها وسط مناخ كله اضطراب ومنطقة كلها تحديات وعالم تسيطر عليه صراعات النفوذ والمصالح، في هذا العالم الغلطة يمكن أن تصبح كارثة الخطوات لابد أن تكون محسوبة، والقرارات مدروسة والتوجهات بعيدة النظر، وهذا سر النجاح المصرى تسير وسط الأشواك لكنها تملك مهارة التعامل واحترافية المواجهة مطبات كثيرة وضعت في طريق الدولة المصرية بهدف توريطها في صراعات وحروب تستنزف جهدها وقدراتها وتشغلها عن التنمية لكن القيادة السياسية بفهم ووعى لم تستجب لكل المحاولات الخبيثة وأدارت ملفاتها وعلاقاتها بذكاء يحمى مصالح الدولة وأمنها القومى ويحافظ على طريق البناء والتنمية، الذي وصل بنا إلى ما تحقق من إنجازات تحوز إشادات كبرى من المؤسسات الدولية وتعطى رسالة للعالم بأن مصر الآن دولة قوية.
هذا ملخص قصير للغاية لحكاية كبيرة تحتاج مجلدات حكاية اسمها مصر الجديدة التي خرجت من شبح الفوضى إلى النجاح والبناء الذي تترجمه صور كثيرة من إنجازات زراعية غير مسبوقة وبناء عمرانى لم يحدث في التاريخ ونهضة صناعية كبيرة، وأرقام اقتصادية يشهد بها العالم وأبرزها رقم الاحتياطي النقدي الذي يتزايد شهريا ليتجاوز الآن الـ 50 مليار دولار ومازال مؤشر الزيادة مستمرا مثلما يرتفع معدل النمو ليحصد المواطن «ثمار الصبر».









