اتضحت- جليًا- النوايا الهجومية على الشخصية المصرية وثوابتها طبقا لصحيفة تايم أوف إسرائيل واستعراضها عن نصر «أكتوبر» فى مقالها الافتتاحى صباح السادس من أكتوبر لعام 2025 : «أنه من المحتم أن ينسى المصريون هذا النصر، وإن ذكراه- حتما- إلى زوال».
ولم يقتصر الأمرعند فعل ماكينات الإعلام العبرية والناطقة منها باللغة الرئيسة عالميا- الإنجليزية- حتى تخاطب أولاً: الغالبية المؤثرة سياسيا واقتصاديا فى داخل الكيان وهم الاشكيناز دون السفارديم وبالطبع ليس يهود الفلاشا «إسرائيل بيتا» أو الزنوج- لأنها دولة عنصرية مع التحفظ على مفردة الدولة!- وهم القادمون من الغرب منذ بدايات اعمال الترانسفير للوكالة اليهوية من مدن أوربا لأراضى فلسطين- العربية- وثانيا: تخاطب هؤلاء الغرب أنفسهم صُنّاع القرار العالمى السياسى والاقتصادى أيضا.. وبالتوازى مع آلية الإعلام العابر للقارات كما الصواريخ الباليستية، كانت الأبحاث الاكاديمية، مع العلم بأن الكيان قد أنفق فى عام 2023 (28.3) مليار دولار أمريكى على البحث والتطوير، وهو ما يمثل (6.3٪) من الناتج المحلى الإجمالي، فعلى سبيل المثال كانت رسالة نيل درجة الدكتوراة للباحثة «كيسينا ستالوفا» وهى عضو سابق بالكنسيت، وزميلة معهد «تشاتام هاوس» ورئيسة جمعية «رؤوف للتعاون الاقليمي» وبالطبع كاتبة وصحفية حتى تنشر أفكارها من خلال الإعلام، فضلا عن كونها «مستشرقة» تجيد العربية بطلاقة وتبحث فى المجتمعات العربية وبالأخص «مصر» وهى من نشرت فى بحثها الاكاديمى عن «الصورة الذهنية لإسرائيل فى الإعلام المصرى فى عهد مبارك» فقد قالت: «إنهم يتكلمون عن النصر، والعبور، ويقصدون حرب أكتوبر التى أراها متعادلة فى نتائجها».
هنا يقتضى الحال بالضرورة البالغة أن نغير- نحن- آليات الحفاظ على الصورة الذهنية «لنصر أكتوبر» و»هزيمة كيبور» فى عقل ووجدان وبالتالى سلوكيات الشباب والأجيال القادمة، وبما يحقق أمرين، الأول: هو صيانة الذاكرة الوطنية بما يتناسب مع آليات تعاطى النشء لوسائل الإعلام الرقمى فى الواقع الافتراضي، والكلاسيكى فى الحاضر المُعاش، وثانيا: من خلال التصدى للهجمات المعادية من العدو الصهيونى والذى بدت نواياه العدائية تجاه الذاكرة الوطنية، بهدف محو ذكرى النصر أولا، وإبدالها بالتعادل ثم بالهزيمة ثانيا.
وشخصيا أرى أن تلك الآليات يأتى فى أولوياتها المتقدمة هى آلية «الترجمة» عن العبرية وإليها من العربية، حتى تتاح المعرفة الكاملة عن العدو ونوايا وطرائق تفكيره وسلوكياته المنتظرة، تطبيقا للقاعدة الأساسية والثابتة: «اعرف عدوك» واعتمادا على الحديث النبوي: «من علم لغة قوم آمن مكرهم» أو كما قال سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وبارك، وكذلك عن المسيحية «وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ» (مر 17-16)، وفى سفر الأمثال: «الْقَلْبُ الْفَهِيمُ يَقْتَنِى مَعْرِفَةً»، وتأتى معرفة اللغات الإخرى مهمة دينية لتعظيم مجد الله وخدمة شعبه الذى يتكون من كل الأمم والألسنة كما جاء فى سفر الرؤيا (9-7) وربما كانت ترجمات عديدة عن العبرية قد أنارت الطريق لفهم وادراك نوايا العدو، وليس أدل على ذلك من ترجمة للعربية عن العبرية لوثائق لجنة «اجرانات» التى كانت مجرياتها فى مثل هذا الشهر منذ (52) عاما فى 21 نوفمبر 1973 للتحقيق فى أسباب هزيمة الجيش الإسرائيلى خلال حرب أكتوبر 1973 وتكونت اللجنة برئاسة رئيس قضاة المحكمة العليا شمعون أجرانات، وعضوية كلٌ من: القاضى موشيه لاندو، وإسحاق نابينزال، ورئيسى الأركان السابقيْن ييجال يادين، والخامس حاييم لاسكوف، وعلى مدار 140 جلسة استمعت اللجنة خلالها إلى شهادة 58 شاهدًا جميعهم أقروا بهزيمة جيش الدفاع.
وأمام محاولات مضنية من الجانب المنهزم لمحو الصورة الذهنية عن الهزيمة، كم كانت الصورة الذهنية عن «انتصار أكتوبر» فى عوز شديد- الآن- لاستعراض شهادات الجانب المنهزم الممثل لـ«هزيمة كيبور» ذلك الجانب من الصورة الذى سعى الكيان الصهيونى بشتى السبل والآليات لمحوه من ذاكرة شعبه والشعوب الغربية والأهم شعبنا «مصر».
لذا كان من المهم استعراض ثمار آلية الترجمة من العبرية للعربية والتى تجلت فى كتاب «انتصار اكتوبر فى الوثائق الإسرائيلية» الذى أشرف على ترجمته ودراسته الاستاذ الدكتور إبراهيم البحراوى ومعه فريق من المترجمين عن العبرية وهم: أشرف الشرقاوي، حسين عبدالبديع، وعمرو عبدالعلى علام، وقدم هذا الكتاب تساؤلا غاية فى الأهمية وخاصة لاعادة ترسيم الصورة الذهنية عن «انتصار أكتوبر» و»هزمية كيبور» وهو: لماذا صممت السلطات الإسرائيلية على حجب أهم الوثائق لمدة أربعين عامًا؟ (تاريخ صدور الكتاب منذ اثنى عشر عاما) وأيضًا: لماذا تعمدت حذف بعض الكلمات أو الأسطر والفقرات من الوثائق التى نشرت.
وكان من المهم تكرار واعادة نشر الكتاب مع الذكرى (52) لنصر اكتوبر، لاعتماد آلية التكرار، وهى من لآليات الاعلام كما تحدثت أدبيات الإعلام بهدف تثبيت الصورة الذهنية عن «انتصار اكتوبر» و«هزيمة كيبور» من خلال سلسلة «العبور» التى اتشرف برئاستها والتى تسعى لإعادة تقديم أمجاد العسكرية المصرية للأجيال القادمة.
ونستكمل فى القادم إن شاء الله مشروعات «نصية» مماثلة عن العبرية لغة الجيش المنهزم(!).









