مصر صاحبة تاريخ كبير فى الترسيخ لكل القيم الأخلاقية. هذا ثابت ومعلوم، ومنذ نشأة الجامعات فى مصر وهناك قيم لا تتزحزح، رسمها الأولون وصارت سُنَّة حسنة. فهناك علاقات متوازنة وسوية بين الطالب والأستاذ والعكس، وما خالف ذلك فهو نَشَازٌ وممقوت ويُقابل بالازدراء. جميعنا ما زال يتذكر أساتذته الذين علموه وتلقى القيم النبيلة على أيديهم، فهم عناوين مضيئة، وكل من التحق بالجامعات يحمل بين جَنْبَيْهِ ذكريات محفورة لا يمكن نسيانها، بل يتباهى بها بين أقرانه. أنا شخصيًا عندما أرى أساتذتي، أَرْبِتُ على أيديهم مُقَبِّلاً وشاكرًا صنيعهم، فقد كانوا لنا بمنزلة الآباء فى الحنو والرحمة والعطاء. أما عن علاقة الطلاب بعضهم ببعض، فقد كانت سوية لا مصلحة فيها إلا الحب والتعاون والتواد والإيثار، وكان عنوانها الاحترام والتقدير، وكان كل منا حريصًا على استمرارها. فقد كانت نقية صافية، وصنعت قلوبًا صافية لا تحمل حقدًا ولا غلاً ولا حسدًا.هذه العلاقة التى تكون بين الطلاب، هل هى كما كانت؟ أم أن عوامل الدهر قد نالت منها فأصابها الوهن؟ وكم منا تمنى أن تستمر هذه الأيام الجميلة! فقد كان فيها الإخلاص والنقاء هو الترمومتر الذى يحكم علاقات الطلاب بعضهم ببعض. وكم من المرات تمنيناً أن تكون وشائج العلاقة إبان الدراسة الجامعية هى العنوان الدائم لكل علاقاتنا الممتدة فى حياتنا. وهو ما يجب أن يدركه طلاب الجامعات فى هذه الأيام، بل طلاب المدارس بمراحلها المختلفة. ففى الحرم الجامعى يجب أن يحافظ الطلاب على منظومة الأخلاق، وليس أقل من الحفاظ على المنشآت من العبث، والحدائق هى الأخري، وليس أقل من الاهتمام بها. فقد كنا نشارك العمال فى تنظيفها ورعايتها، وكنا نتابع الأشجار وهى تزدهر وتنمو. علاقة الطالب الجامعى بكليته وجامعته، بل كل مرافق الجامعة، يجب أن تكون علاقة حب للمكان من خلال المشاركة والإيجابية فى تطويره وتحديثه إلى الأرقى والتعاون مع القائمين على إدارته. وهذا ليس عيبًا ولا افْتِئَاتًا، فالمشاركة المجتمعية يجب أن يكون غرسها الأول بين جدران الجامعة وفى المدرجات، ثم تستمر بعد ذلك لتخترق ميادين الحياة العامة. وهكذا يكون الإبداع الحقيقي. من حرم الجامعات خرج الأفذاذ والعلماء فى شتى فروع المعرفة، قدموا الغالى والنفيس داخل مصر وخارجها، وكانوا رسلاً بحق من خلال منظومة القيم التى تعلموها فى جامعات مصر. وحكايات الأساتذة والمعلمين المصريين حديث دسم على ألسنة الأشقاء فى الخليج، وقد سمعنا منهم ما يثلج الصدور ويسعد القلوب.









