قبل عشرين عاما تقريبا وتحديدا فى منتصف شهر نوفمبر 2004 شرفت بحضور افتتاح معرض آثار الفرعون الذهبى توت عنخ آمون فى محطته الأوروبية الثانية التى شهدتها مدينة «بون» الألمانية وافتتح المعرض الرئيس الراحل مبارك والمستشار الألمانى السابق جيرهارد شرودر بحضور لفيف من المسئولين المصريين والألمان يتقدمهم فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق والدكتور زاهى حواس عالم المصريات الأشهر والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار حينذاك، وذلك قبل أن يغادر الفرعون الشاب أوروبا عابرا المحيط ليبدأ جولة جديدة شملت 4 ولايات أمريكية بهدف جمع أكبر قدر من الأموال اللازمة للمساهمة فى تمويل مشروع المتحف المصرى الكبير حيث ساهم معرض الفرعون الذهبى وحده بقرابة 100 مليون دولار.
المهم أنه على هامش افتتاح المعرض فى «بون» أقام المنظمون حفل استقبال حضره الرئيس الراحل مبارك والمستشار الالمانى شرودر وأثناء الاحتفال ألقى الدكتور زاهى حواس كلمة تحدث خلالها عن أهمية المعرض وما يحويه من كنوز ومقتنيات أثرية رائعة، وفجأه توقف حواس مخاطبا الحضور بأنه سيقص عليهم حلما رآه الليلة الماضية الأمر الذى جذب انتباه الجميع حيث ذكر حواس أن الملك المصرى الأشهر رمسيس الثانى جاءه فى المنام وعيونه تذرف الدموع لأنه سيفتقد وجود الملكة نفرتيتى إلى جواره فى المتحف الكبير فى إشارة إلى التمثال الجميل للملكة الذى يتصدر مقتنيات متحف برلين وعندها انفجر الحضور ضحكا وفى مقدمتهم المستشار الألمانى شرودر الذى طالبه حواس بأن يعيد رأس نفرتيتى الجميلة إلى موطنه الأصلى مصر.
تذكرت تلك الواقعة وأنا اتابع ما أثير مؤخرا حول ضرورة عودة آلاف القطع الأثرية المصرية الموجودة فى شتى متاحف العالم وفى القلب منها حجر رشيد ورأس نفرتيتى والقبة السماوية وتمثال الكاتب المصرى وغيرها الكثير والكثير من الكنوز المصرية التى تزيد على المليون قطعة أثرية معظمها خرجت بطرق غير مشروعة لاسيما أثناء فترة الحكم العثمانى ومن بعده الاحتلال البريطانى لمصر.
هل تعود نفرتيتى إلى حضن الوطن؟ سؤال لم يعد مجرد حلم ثقافي، بل تحوّل إلى معركة وعى وكرامة تخوضها مصر بثبات لاستعادة آثارها المنهوبة، وفتح واحد من أهم ملفات استرداد التراث فى العالم، خاصة بعد افتتاح أكبر متحف للآثار فى العالم، فاليوم لم يعد الحديث عن تماثيل وأحجار، بل عن استرجاع تاريخ أمة صُنعت على ضفاف النيل، وسُرقت قطع من روحها تحت وطأة الاستعمار وغياب الوعى فى زمن مضى سنوات طويلة خرجت خلالها كنوز لاتُقدَّر بثمن من باطن أرض مصر، بعضها بقرارات رسمية فرضها واقع الاحتـلال وجهل الشعوب بقيمة حضارتهم وقتها، وبعضها الآخر هُرّب وسُرق فى جنح الليل ليصبح زينة لواجهات المتاحف العالمية.
وفى مشهد يعكس عودة الثقة والقدرة، تتوالى الجهود الدبلوماسية والقانونية لاستعادة قطع جديدة، كان آخرها إعلان الخارجية المصرية قبل أيام استرداد 36 قطعة أثرية من نيويورك، وبين حجر رشيد فى لندن، ورأس الملكة نفرتيتى فى برلين، وزودياك دندرة فى باريس، تتواصل الرحلة لاستعادة قلب الحضارة المصرية إلى مكانه الطبيعي: أرض مصر التى كتبت تاريخ الإنسانية.
ويجب أن نفرق بين امرين أولهما الآثار المسروقة من مصر، وثانيهما الآثار الموجودة فى متاحف العالم بشكل قانوني.
وعلينا أن نعرف أيضًا أن المشوار طويل وصعب استرداد إرث مصر الحضاري، فاسترداد هويتك كمصرى وروحك وفكرك تجاه تاريخ حضارتك وأرضك يجعل العالم يعترف إنك الوحيد صاحب الحضارة المصرية وإرثها الخالد.









