أقامت نقابة الصحفيين أمس ندوة بعنوان “صحة واحدة.. عالم واحد”، تناولت الترابط الوثيق بين صحة الإنسان والحيوان كأحد أهم عناصر البيئة، والتأثيرات المتبادلة بينها ضمن مفهوم “المنظومة البيئية المتكاملة”.
أدارت الندوة الإعلامية براء المطيعي مدير البرامج العلمية بإذاعة البرنامج العام، بحضور نخبة من الخبراء والمتخصصين في مجالات الطب والبيئة والقانون وعلم النفس.
وشارك في الندوة كل من: الدكتور مجدي حسن، نقيب الأطباء البيطريين، الدكتور الباهي جاد، رئيس قسم علوم الدماغ بجامعة باشن الأمريكية؛ والدكتور عبد المسيح سمعان، أستاذ التربية البيئية بجامعة عين شمس؛ ومحمود القطعاني، المحامي والمستشار القانوني؛ والدكتورة هالة حماد، الأخصائية النفسية الإكلينيكية.
ناقشت الندوة الأزمات البيئية وتأثير اختلال أحد عناصرها على التوازن الطبيعي، مؤكدة أهمية إدراك العلاقة المتداخلة بين الإنسان والطبيعة والحيوان لتحقيق مفهوم “الصحة الواحدة”.
تحديات الصحة البيطرية
أكد الدكتور مجدي حسن، نقيب الأطباء البيطريين أن هيئة الخدمات البيطرية تواجه تحديات مالية تحدّ من قدرتها على تنفيذ برامج التعقيم والتطعيم للحيوانات الضالة. وأشار النقيب إلى غياب إحصائية دقيقة لأعداد الكلاب الضالة في مصر، لافتاً في الوقت ذاته إلى نقص أعداد الأطباء البيطريين بسبب توقف التعيينات منذ سنوات، وهو ما يُعرقل جهود الرقابة البيطرية وحماية الصحة العامة.
الدعوة إلى الرفق كخطة أساسية
شدد النقيب على أن ملف الحيوانات الضالة (الكلاب الحرة) يشكل مشكلة كبيرة، وأن الحل يبدأ بتحديد أعدادها، ثم وضع خطة متكاملة تضع الرفق والإنسانية مظلة أساسية لها. وأوضح أن الخطة يجب أن تعتمد على منهجية الإمساك، ثم التطعيم، ثم التعقيم (Catch, Neuter, Vaccinate – CNV)، وإعادة الكلاب إلى أماكنها أو تسكينها في مآوٍ (Shelters) مجهزة بعيادة بيطرية متكاملة وتغذية صحية، ويتم اتخاذ قرار الإعادة أو التسكين حسب طبيعة وحجم المشكلة.
دور الإطعام ودعم الصحة العالمية
أكد نقيب البيطريين أن إطعام الحيوانات الضالة واجب إنساني، كما أنه من ضمن توصيات منظمة الصحة العالمية، مشيراً إلى أن الإطعام يقلل من شراسة الحيوانات وعدوانيتها (وهو ما يقوم به بنفسه يومياً خلال عودته من صلاة الفجر). ويجب أن يتم الإطعام من خلال الخطة الوطنية؛ لضمان تقديم طعام صحي ومياه شرب نظيفة، مع الحرص على نظافة مكان الإطعام وإبعاده عن مداخل المنازل والمدارس.
المسؤولية المشتركة ودور الطب البيطري
أوضح الدكتور مجدي حسن، أن الطب البيطري ليس الجهة الوحيدة لحل هذه المشكلات، بل يقتصر دوره على الجانب الطبي في إطار الخطة القومية، من خلال إعطاء التطعيمات، والحفاظ على صحة الكلاب، وإجراء عمليات التعقيم وفقاً لتعليمات الخطة. وشدد على أن النقابة تدعم إطعام الكلاب الحرة كجزء من الحل، مؤكداً أن الإطعام يؤدي إلى تهدئة سلوكها، وأن “الطب البيطري هو أساس فكرة الرفق والرحمة للحيوانات”.
أهمية التمويل والمجتمع المدني
أشار نقيب البيطريين إلى أن تحديد الأعداد ووضع الخطة والموافقة عليها يتطلب بالضرورة مشاركة المجتمع المدني ووضع التمويل المالي اللازم. واختتم النقيب بالإشارة إلى أن إطعام الكلاب يجب أن يتم بالطرق المذكورة (أكل صحي نظيف، ماء للشرب نظيف، البعد عن مداخل المنازل أو المدارس)، لافتاً إلى وجود بعض الأطباء ذوي “الفكر المغلق” في أي مهنة أخرى، ولكنه أكد أنهم أقلية.
أهمية التنوع البيولوجي والتعامل مع حيوانات الشارع
وأشار الدكتور عبد المسيح سمعان إلى أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي في إطار النسب الطبيعية؛ حتى لا يتسبب أي خلل في إحداث ضرر للبيئة بأكملها.
وأضاف أن إطعام حيوانات الشارع يتسبب في تكاثرها المفرط، ولكنه أكد في الوقت ذاته ضرورة محاولة المسؤولين ضبط هذه المشكلة عبر التعقيم، مشددًا على أن إطعام الحيوانات يُعد سلوكًا إنسانيًا نبيلًا.

تحذيرات نفسية وقانونية
من جانبها، حذرت الدكتورة هالة حماد من خطورة تعذيب أو قتل الأطفال للحيوانات، مؤكدة أن تلك الممارسات تمثل مؤشرًا على اضطرابات نفسية خطيرة. وقالت: “الطفل الذي يعتاد إيذاء الحيوانات قد يتحول إلى شخص عدواني في المجتمع، وقد يكون مشروع مُجرم في المستقبل”.
ودعت الأهالي إلى مراقبة سلوك أبنائهم واستشارة المتخصصين النفسيين عند ملاحظة مثل هذه التصرفات، مشيرة إلى أن الشخصية السيكوباتية تبدأ غالبًا من انعدام التعاطف مع الكائنات الضعيفة.

في السياق نفسه، أوضح محمود القطعاني أن التشريعات المصرية تتضمن مواد قانونية كافية لحماية الحيوان والبيئة، لكن الإشكالية تكمن في ضعف تطبيق القوانين وتنفيذ العقوبات، ما يقلل من فاعليتها في الردع وتحقيق العدالة البيئية.
ركائز الوعي البيئي (ABC)
أما الدكتور الباهي جاد، فأكد أن التعامل الواعي مع قضايا البيئة والحيوان يتطلب تبني ثلاث ركائز أساسية وفق نموذج (ABC):
- A – Awareness (الوعي): فهم طبيعة المشكلات البيئية وتوصيفها بدقة.
- B – Beliefs (القناعات): ترسيخ قيم الرحمة والاحترام المتبادل بين الإنسان والحيوان.
- C – Commitments (الالتزامات): تطبيق سلوكيات رحيمة ومستدامة في الحياة اليومية.
واختُتمت الندوة بالتأكيد على أن التوازن البيئي والصحي لا يتحقق إلا من خلال وعي مجتمعي شامل يربط بين الإنسان والطبيعة في منظومة واحدة قائمة على الرحمة والمسؤولية المشتركة.









