لا أحد ضد التطور والعلامات التجارية للارتقاء بجودة السلعة أو الخدمة لتقديمها بشكل جيد وجاذب للمستهلك.
ولا أحد ضد أن يكون أصحاب محال مطاعم الأطعمة الشعبية نجوماً تتردد أسماؤهم فى الأفلام السينمائية وبرامج التوك شو الفضائية.. ولكن هذا لا يجب أن يكون على حساب المواطن البسيط، الذى قد يصعب عليه شراء السلعة.. ونفس الأمر فيطبق على بعض الخدمات مع التكسب الزائد الذى يسعى إليه الكثيرون من أصحاب الأعمال.
راودنى هذا الخاطر وأنا أتابع ارتفاعاً ملحوظاً طرأ على أسعار كثير من السلع والخدمات خلال السنوات الأخيرة، بما لا يتناسب مع قدر الزيادات التى تضطر إليها الحكومة بفرض الإصلاح الاقتصادى والحوكمة من أجل استقرار الأوضاع الاقتصادية وعدم تعرضــها لأخطــار أو هزات كبرى تعرضت لها دول كثيرة فى العالم أو انهيار فى مستوى الخدمات، خاصة فى المرافق بسبب انعدام الجــــدوى الاقتصــادية، ما يؤدى إلى افتقاد الصيانة وتهالك وسائل الإنتاج والخدمة، ما قد يعرضها للتوقف عن التشغيل لعدم قدرة الحكومة- أى حكومة- على الدعم المستمر والمتزايد، الذى يتصاعد للدرجة التى تعجز معها عن استمراريتها.
أستطيع أن أعدد أمثلة لسلع وخدمات كثيرة تعرضت لهذا المصير المؤلم بسبب عدم التوازن بين سعر التكلفة وسعر البيع، وهذا ما لا نتمنى ألا يحدث مرة أخري، خاصة فى وسائل خدمات ومشروعات كبرى دخلت مجرى حياتنا وأحدثت طفرة هائلة فى البنية الأساسية من وسائل مواصلات وطرق واتصالات وكهرباء ومياه وصرف صحى وغاز وغيرها.. وهذا أمر لا يختلف عليه أى مواطن واع محب لبلده ويريد مستقبلاً آمناً لأبنائه وأحفاده على المدى الطويل.
ولكن هذا لا يعنى أن يستغل البعض سياسة الإصلاح الاقتصادى التى اتخذتها الدولة على عاتقها بشجاعة لكى تكون ذريعة للتجار وأصحاب الأعمال للتكسب الزائد واستغلال حاجة الناس لشراء السلعة أو تلقى الخدمة لزيادة أرباحه دون مراعاة لظروف الناس ودخولهم المحدودة، التى تزيد بنفس النسبة التى تزيد الأسعار.
وفى هذا المقال أشير إلى مثالين، أحدهما لسلعة تدخل فى نطاق الأطعمة الشعبية التى يعد بعضها وجبة أساسية لا يستغنى عنها المواطن، ربما على مدار اليوم.. والثانى لوسيلة مواصلات استحدثت منذ أكثر من نصف قرن لتخفيف الضغط على أتوبيسات النقل العام التى كانت معروفة بتكدسها قبل مشروع مترو الأنفاق العظيم، وأقصد به ما يعرف بعربات «المينى باص».
بالنسبة للأطعمة الشعبية، فبعد الزيادة الأخيرة فى أسعار المحروقات، فقد رفعت غالبية المطاعم الشهيرة التى تحمل علامات تجارية قديمة سعر سندوتش الفول والطعمية العادى إلى 12 جنيهاً «إثنى عشر جنيهاً»، وهذا سعر مبالغ فيه للغاية، إذا حسبنا تكلفة الإنتاج بما فيها أسعار البقوليات والغاز والعمالة والضرائب وغيرها، ويندهش المواطن لهذه الزيادة التى أخذت فى التصاعد على مدى سنوات معدودة ماضية كان سعر السندوتش لا يزيد على أربعة أو خمسة جنيهات.. هذه الزيادات حدثت أيضا مع أسعار طبق أو علبة الكشرى أو الباذنجان أو البطاطس وغيرها.. فأقل حجم لعلبة كشرى وهى وجبة أساسية لكل العاملين فى الورش والمحال لا تقل الآن عن ثلاثين جنيهاً ويمكن أن تصل لخمسين جنيهاً إذا ما طلب «الزبون» بعض الإضافات.
ومن المؤسف أن يتعامل الكثيرون من أصحاب هذه المطاعم مع هذه المأكولات الشعبية على أنها مأكولات سياحية، فهذا أمر لا يليق.. فعلى سبيل المثال، ففى دولة مثل فرنسا وهى دولة سياحية مطاعم شعبية يقبل عليها البسطاء لأنها تراعى عدم إرهاقهم بالأسعار المبالغ فيها، وفى دولة مثل السويد محال تخصص أسعاراً خاصة فى محالها لغير القادرين وكبار السن، تقدم لهم باعتبار أن ذلك حق لهم وليس منّة عليهم.
أما المثال الثاني، الذى يدخل فى نطاق الخدمات.. فهو فى الزيادة الأخيرة التى طرأت على تعريفة الركوب لسيارات «المينى باص» التى تشرف محافظة القاهرة على الشركات العاملة فيها، حيث وصل سعر التذكرة الموحد 18 جنيهاً «ثمانية عشر جنيهاً»، وذلك فى أقل مسافة يقطعها على الخطوط العاملة فى القاهرة الكبري، وكانت التعريفة أيضا قبل سنوات قليلة لا تزيد على خمسة جنيهات لأطول المسافات.. كان يفترض أن تخضع هذه التعريفة المبالغ فيها لضوابط من المحافظة أو السلطة المحلية، مثلما تفعل مع عربات الميكروباص «السرفيس» التى تحظى برقابة حاسمة مع كل زيادة فى أسعار المحروقات.
بالتأكيد، لا نطالب بعودة تدخل الدولة كما فعلت فى الثمانينيات، عندما أنشأت مشروعاً كان يسمى جهاز الفول والطعمية.. ولكن أتصور أن هناك دوراً حيوياً من الجهات الحكومية المعنية حفاظاً على المصلحة العامة واستقرار المواطن فى طعامه البسيط وتنقلاته اليومية، بعيداً عن الاستغلال أو الأسعار السياحية التى لا تناسب غالبية المتعاملين.









