هناك أكثر من 82 دولة تعاني من تراجع المواليد بشكل لا يعوض الوفيات، ما يؤثر على قوة العمل فيها؛ مثل كوريا الجنوبية، وروسيا، وألمانيا، واليابان، والدول الإسكندنافية، وفي الوقت الحالي، تواجه التنمية السكانية في الصين أيضًا تغيرات عميقة ومعقدة، حيث تباطؤ نمو السكان بشكل كبير، وانخفض معدل المواليد، مما دفع السلطات إلى الرفع الكامل للقيود المفروضة على عدد الأطفال بداية من العام الحالي.
ولا يمكن لمن يعرف مدى المشكلة السكانية في الصين أن يصدق ذلك الخبر، وعلى الفور سيعتبره نكتة أو حتى دعابة سخيفة، ويمكن أن يضحك عليه بملء شدقيه، لأنك قد تصدق ذلك وتسمعه عن أوروبا لأنه واقع وتعاني منه منذ عقود، إنما في الصين فإن ذلك شيء عجاب.
لأن الصين أكثر دولة عانت من مشكلة الزيادة السـكانية، ولجــأت إلى عشرات السبل والوسائل والأفكــار، لمواجهتها بالعقــاب والثــواب، حتى تم سن قانون الطفل الواحد، وحزمة من الإجراءات والعقوبات، ضمن ما عُرف بسياسة تخطيط الأسرة.
وانقلبت الأحوال وتواجه الصين مشكلة تراجع عدد السكان، وترتب على هذا اتخاذ قرارات عكسية بالحث على الزواج والإنجاب، وتكافح لتعزيز معدل المواليد الذي يتسبب في انكماش عدد السكان.
كما تحاول تحفيز النساء على الإنجاب، بعدما أظهرت البيانات أن عدد الزيجات هذا العام انخفض إلى أدنى مستوى له منذ العام 2013، لذلك أطلقت برنامجًا لدعم رعاية الأطفال يقدم 3600 يوان (حوالي 500 دولار) سنويا لكل طفل دون سن الثالثة، وألغت الغرامات المالية على إنجاب أكثر من طفل، وتعمل الحكومة على زيادة إجازات الوالدين، وتحسين حقوق عمل المرأة، وتوفير خدمات رعاية الأطفال، لأن السلطات تخشى أن يشكل تراجع المواليد عبئا على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ويتم التشجيع على زيادة حدود الاقتراض لتمكين الأسر من شراء المنازل بسهولة، وإنشاء مراكز خدمات رعاية الأطفال لمساعدة الآباء العاملين.
والعجب في هذا أن الصين اشتهرت عبر تاريخها بأنها أكبر كتلة سكانية فى العالم، ويقطنها حاليا نحو 1.4 مليار نسمة ــ أو نحو خمس سكان كوكب الأرض ــ وقد أعطى عدد السكان صورة ذهنيّة سلبية لدى العالم عنها، وما آلت إليه الكثرة العددية الساحقة من مشكلات.
وقد شغلت المشكلة السكانية بال حكام الصين منذ وقت طويل، ووقفت عقبة أمام محاولات التقدم الاقتصادى والاجتماعى، وظلت رغم غناها بالموارد الاقتصادية، أسيرة التخلف بسبب المشكلة السكانية، وتعتبر الانفجار السكانى ضارا بالأسرة، والأطفال والبلاد، وأن تنظيم الإنجاب حماية للصحة ورفاهية الأمة.
وخاضت الصين ما يشبه «الحرب» واتبعت إجراءات شديدة الحزم فى تطبيق سياسة تقليل الإنجاب واتخذت أساليب قسرية لإدارة تنظيم الأسرة، حتى اتبعوا سياسة الإجهاض القسرى والتعقيم، بجانب طرق تمت تسميتها ترويض» الزيادة السكانية».
ومن وجهة نظري فإن الصين هي بلد العجائب استطاعت أن تسحب بساط هذا المسمى من تحت أقدام اليابان، فمن النقيض إلى النقيض، استطات أن تتغلب على مشكلة الزيادة السكانية باستغلالها في الإنتاج والعمل والاعتماد على النفس، وتحويل المحنة إلى منحة ومن سلبية إلى إيجابية، وظهر ذلك في غزو المنتجات الصينية لكل مكان في العالم، وتغلبت على جميع الدول.
وها هي تبتكر وسائل لمواجهة تراجع مستوى المواليد، ولديها مواقع التواصل الخاصة بها وحتى قواعد المرور عندها مختلفة ويمكن أن تقضي على التكدس المروري بطريقة ميسرة، واستطاعت أن تناطح الدول الكبرى وتنافسها وتتفوق عليها.
وفي هذا المقام تذكرت العديد من التجارب المصرية في مواجهة الزياة السكانية ومنها التوعية وإنشاء القنوات التلفزيونية الإقليمية والفتاوى الدينية وأغاني فاطمة عيد «حسنين ومحمدين»، وغيرها ولا أدري ما هو مردودها فليس لدي معلومات مؤكدة عن ذلك لكن أظن أن الزيادة السكانية مستمرة.
أتمنى أن نستقيد من التجارب الناجحة ولا نقلد ما لا يناسبنا.









