يواصل الأزهر الشريف تعزيز خطاب الاعتدال والحوار.. ويؤكد على أهمية استثمار الاعترافات الدولية
فى عالم تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المصالح، بات من الضرورى أن نقف وقفة وعى وتأمل أمام ما يحدث حولنا فالتطورات العالمية لم تعد مجرد أخبار عابرة، بل مؤشرات على تحولات إنسانية وأخلاقية عميقة تمس جوهر العدالة والكرامة البشرية.
ومن هذا المنطلق نقدم قراءة دقيقة لمشهد عالمى مضطرب، تتقاطع فيه القضايا السياسية والأمنية مع الأبعاد الإنسانية والروحيةلأن رسالتنا لا تقتصر على نقل المعرفة، بل تمتد إلى بناء وعى إنسانى مسئول، بما يعمّق فهمنا للعالم، ويزرع فى أبنائنا الإحساس بالعدالة والرحمة، ويجعلهم أكثر قدرة على التمييز بين الموقف الأخلاقى والمصالح العابرة.
القضية الفلسطينية وردود الأفعال الدولية
لم تعد القضية الفلسطينية مجرد نزاع إقليمي، بل تحولت إلى محور اهتمام عالمى يختبر مصداقية المجتمع الدولي، وتبرز التطورات الأخيرة صراعًا حادًا على السرديات والقيم الإنسانية، بالتوازى مع تحركات دبلوماسية متسارعة.
والدبلوماسية الروحية والدعوة التاريخية جسدها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب خلال لقائه بالرئيس الإيطالى فى روما، حيث وجه دعوة صريحة للحكومة الإيطالية للاعتراف الرسمى بدولة فلسطين، مؤكدًا أن هذا الدعم هو «التزام أخلاقى وإنساني»، ويؤكد هذا الدور استمرار الدور الروحى والإنسانى للأزهر بالتكامل مع الجهود الدبلوماسية المصرية.
خطط الإعمار والوصاية
كشف التقرير عن خطة أمريكية مثيرة للجدل لإنشاء مشروع «غزة الجديدة» الذى يتضمن بناء مناطق سكنية بمشاركة تمويل خارجى محتمل، مشترطًا نزع سلاح حماس وتشكيل قوة استقرار دولية، ويرى مراقبون أن هذا المشروع يمثل محاولة لتدويل إدارة غزة تحت غطاء الإعمار، مما يمنح الولايات المتحدة وصاية مقنّعة هدفها ضمان الأمن الإسرائيلى على حساب السيادة الفلسطينية.
الانقسام الداخلى الإسرائيلى
يشهد الكيان تصدعات سياسية وأمنية عميقة، تتراوح بين صراعات الأجهزة الأمنية «مثل المواجهة بين رئيس الأركان ورئيس الشاباك»، وتصاعد الخطاب الدينى المتطرف «مثل دعوة وزير المالية تسلئيل سموتريتش لقتل أسرى حماس»، وفضيحة «سديه تيمان» التى كشفت عن أزمة ثقة داخل الجيش. هذا الاضطراب يعكس أزمة عميقة فى إدارة الحرب ومؤسسات الدولة.
التضامن الإنسانى العالمى
ظهرت موجات تضامن واسعة النطاق، خاصة فى إسبانيا وأمريكا اللاتينية، شملت إنشاء صناديق للطوارئ وبرامج لإيواء الأطفال المصابين فى المكسيك. كما برز الفن والثقافة كأدوات مقاومة، مثل مهرجان نساء غزة السينمائى الدولى. هذه المبادرات تؤكد أن دعم فلسطين «ليس مجرد موقف سياسي، بل التزام أخلاقى وإنسانى عالمي».
والحقيقة أن تسييس ملف إعمار غزة عبر اشتراطات أمريكية – صهيونية مثل إنشاء قوة دولية ونزع سلاح المقاومة يمثل محاولة خطيرة لتسييس العمل الإنسانى وتحويله إلى أداة نفوذ ووصاية مقنّعة، تهدف لضمان الأمن الصهيونى على حساب السيادة الفلسطينية، كما يؤكد المرصد أن تصاعد الخطاب الدينى والقومى المتطرف داخل الكيان الصهيوني، الذى يعكسه خطاب سموتريتش وفضائح الجيش، يشير إلى أزمة أخلاقية عميقة تزيد من احتمال انفجار الوضع الميداني، بينما يظل الدور الروحى والإنسانى للأزهر، المتمثل فى الدعوة للعدالة والاعتراف بالدولة الفلسطينية، حصنًا فكريًا عالميًا يواجه هذا التطرف ويعزز التوازن الأخلاقي.
خارطة التطرف فى العالم ..من الإبادة فى دارفور إلى تحديات الساحل
رصد التقرير الأسبوعى للمرصد بؤر التطرف والعنف المنظّم فى العالم، حيث تتحول الصراعات إلى كوارث إنسانية وإبادة ممنهجة فى ظل صمت دولي، فقد أجمع المراقبون أن مدينة دارفور على حافة الإبادة «مقابر جماعية وصمت قاتل»، وكشفت صور الأقمار الصناعية عن مؤشرات لوجود مقابر جماعية فى الفاشر بإقليم دارفور بعد سيطرة قوات الدعم السريع، مع تحذيرات دولية من أن الجرائم قد تُصنَّف كجرائم حرب وإبادة، كما يمثل اغتيال الطبيب آدم إبراهيم استهدافًا ممنهجًا للكوادر الطبية لإضعاف المناعة المجتمعية… فما يحدث فى دارفور «تكتيك إبادة منظم» يهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافى عبر الترهيب والنزوح القسري، كما أن الصمت الدولى عن هذه الجرائم يرقى إلى «التواطؤ غير المباشر».
مواجهة الإرهاب فى الساحل الإفريقى
كثفت القوات المسلحة جهودها ضد الجماعات الإرهابية المرتبطة بـ «داعش» و»القاعدة» فى إقليم سيغو، محققة نجاحات فى تحرير رهائن وتدمير قواعد، إلا أن النجاح العسكرى لابد ان يقترن ببرامج تنموية شاملة لتفكيك حواضن التطرف وضمان استدامة الأمن.
إسبانيا: مكافحة الشبكات الإرهابية والتحديات الرقمية
تواصل الأجهزة الأمنية فى إسبانيا جهودها فى تفكيك الخلايا المرتبطة بـ «داعش»، مثل شبكة مليلية واعتقال مواطنة مكسيكية بتهمة الترويج لـ «الجهاد النسائي» عبر الإنترنت، وهذا يؤكد ما نبهنا إلى خطورته مراراً ، أن الإرهاب امتد إلى أشكال جديدة من النشاط الفردى والجماعى المرتبط بالتطرف الرقمي، مما يستدعى يقظة فكرية وثقافية.
وفى سياق التطرف العالمي، وجدنا أن الإرهاب امتد إلى أشكال جديدة من النشاط الفردى والجماعى والتطرف الرقمى «كما فى إسبانيا»، ومواجهة هذه التحديات تتطلب مقاربة شاملة، حيث يجب دعم العمليات العسكرية فى الساحل ببرامج تنموية، واستخدام الفن والذاكرة التاريخية كأدوات فاعلة لتعزيز المناعة الفكرية ومواجهة التطرف، بعيدًا عن المقاربة الأمنية الضيقة.
أحوال المسلمين والإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية
تصاعدت الإسلاموفوبيا كظاهرة مؤسسية ومجتمعية فى الغرب، بالتوازى مع التضييق على الأقليات فى دول أخري، مما يؤكد الحاجة إلى استراتيجيات متكاملة لمكافحة الكراهية، فقد شهدت فرنسا جدلاً قانونيًا حول ورش عمل غير مختلطة، كما تعرضت لإجراءات رسمية «مثل مذكرة إدارة النقل فى باريس» استهدفت المسلمين بشكل مباشر، اعتُبرت شكلاً من أشكال الإسلاموفوبيا المؤسسية. كما تصاعدت حوادث العنف ضد المسلمين وتخريب المساجد، مع بطء فى الإجراءات القضائية، مما يعكس هشاشة حماية الحرية الدينية.
وواجه المسلمون فى المملكة المتحدة حوادث تهديد وطعن واستهداف للمساجد، وردًا على ارتفاع جرائم الكراهية الدينية بنسبة 19 ٪، خصصت الحكومة تمويلًا لحماية دور العبادة وتجددت الدعوات لاعتماد تعريف رسمى للإسلاموفوبيا، مع التركيز على تعزيز التنوع الاجتماعى فى المناهج التعليمية لمواجهة خطاب الكراهية، وشهدت الهند تضييق قانونى على الأقليات وتصاعدًا مقلقًا فى إجراءات التضييق على المسلمين، مثل رفض استئناف مجلس الأوقاف ضد هدم مسجد سنجولي، كما تم الطعن فى قانون مكافحة تغيير الديانة فى راجستان الذى يفرض عقوبات تصل إلى 20 عامًا، مما يعد مؤشرًا على موجات الكراهية والتمييز ضد الأقليات.
وفى مواجهة هذا التصعيد العالمى لخطاب الكراهية، يواصل الأزهر الشريف تعزيز خطاب الاعتدال والحوار، ويؤكد على أهمية استثمار الاعترافات الدولية بدوره «مثل لقاء الإمام الأكبر بملك بلجيكا» لتعزيز الدبلوماسية الفكرية والتعليمية للأزهر، وجعل خريجيه سفراء للسلام.
مما لا شك فيه أن تصاعد الإسلاموفوبيا المؤسسية فى دول مثل فرنسا وبريطانيا، والتضييق القانونى على الأقليات فى الهند، هى مؤشرات مقلقة على أزمة عالمية فى حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، كما نؤكد أن الإسلاموفوبيا تُغذّى من الصراعات السياسية والتوظيف الخارجي، مما يجعلها أداة لعرقلة الاندماج والتماسك الاجتماعي، ونعيد دعوتنا إلى ضرورة تبنى تعريف رسمى دولى للإسلاموفوبيا، وتكثيف المبادرات التعليمية والمجتمعية التى تعزز الوعى بالتعددية الدينية والمواطنة، مع التأكيد على أن الأزهر الشريف يمثل المرجعية الروحية والفكرية القادرة على تقديم النموذج الإسلامى الوسطى الذى يدحض خطابات الكراهية والتطرف.
إنّ قراءة هذا التقرير يضعنا أمام مسئولية أخلاقية كبري، ليس فقط تجاه فلسطين أو المسلمين حول العالم، بل تجاه الضمير الإنسانى ذاته، ولقد أثبت الأزهر الشريف أن الكلمة الصادقة والفكر المستنير يمكن أن يكونا سلاحين فى وجه العنف والتطرف، وأن الدفاع عن القيم ليس شأنًا سياسيًا، بل واجب إنساني.
أؤمن تمامًا أن دورنا لا يقتصر على التعليم، بل يمتد إلى غرس قيم الرحمة والعدل والتعايش فى نفوس أبنائنا، ليكونوا جيلاً يرى العالم بعين الإنسان لا العرق أو الدين.
فالقضية الفلسطينية، ودارفور، والتطرف فى الساحل، والإسلاموفوبيا فى الغرب، كلها ليست قضايا متفرقة، بل فصول من قصة واحدة عنوانها: أزمة الضمير العالمي.
ولعل خلاص البشرية يبدأ حين نعيد الاعتبار لكلمتين تاهتا فى زحمة الصراعات:
العدالة والسلام!









