الإعلام الجديد أسهم فى نقل حقائق « غزة» وعدالة القضية للعالم

ليس جديدًا ولا غريبًا أن يتم اختيار الروائى والمسرحى والكاتب المصرى الكبير محمد سلماوى ليكون شخصية العام الثقافية للدورة الجديدة لمعرض الشارقة للكتاب وهى الدورة التى تتواصل فعالياتها الآن وهو بحق رمز من رموز الحركة الأدبية والثقافية المصرية التى أنتجت بداية من الخمسينيات مرورا بالستينيات وما بعدها أهم وأبرز الأسماء التى شكلت ملامح الإبداع المصرى والعربى ومنهم طبعا نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيى حقى وغيرهم من كبار كتابنا ومبدعينا أما سلماوى فقد خصه محفوظ ليلقى نيابة عنه كلمته فى حفل نوبل.
حصل سلماوى على دبلوم مسرح شكسبير بجامعة أكسفورد بإنجلترا ثم الماجستير فى الاتصال الجماهيرى منتصف السبعينيات ثم التحق للعمل بالأهرام وصار واحدا من أبرز كتابها وتولى رئاسة اتحاد الكتاب المصرى ما يقرب من 10 سنوات وحاز بإبداعاته على أرفع الجوائز والتكريمات من مصر وخارجها منها: جائزتى الدولة التقديرية والنيل فى الآداب ووسام الآداب والفنون الفرنسى بدرجة فارس ووسام الاستحقاق من الرئيس الإيطالى ووسام التاج الملكى من بلجيكا ووسام التألق من الدولة الفلسطينية ومن أعماله: «الخرز الملون، الرجل الذى عادت إليه الذاكرة، أجنحة الفراشة «، ومن أشهر مسرحياته:» رقصة سالومى الأخيرة ، الجنزير، فوت علينا بكره» وكلها حصدت جوائز بمهرجانات مختلفة.. كما صدرت عن أعماله كثير من الكتب والدراسات النقدية بأقلام كبار النقاد والكتاب منهم جابر عصفور ولويس عوض وغيرهم.
نبدأ من تكريم الشيخ القاسمى لك واختيارك شخصية المعرض الثقافية كيف رأيته وقد سبق ونلت عددا كبيرا من الأوسمة والتكريمات والجوائز؟
هذا تكريم خاص أعتز به كثيرا وهو تكريم للثقافة والمثقفين جميعا واختيارى لهذا التكريم يمثل تقديراً لمسيرة حياة امتدت لعقود طويلة فى خدمة الأدب والثقافة، وسعادتى كبيرة بأن يأتى هذا التقدير من الشارقة، التى صارت من أهم عواصم الثقافة فى الوطن العربى بفضل الجهود التنموية البناءة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، لاسيما أن الثقافة التى اختارها منهجاً للحياة فى الشارقة تمثل اليوم ما يحتاجه العالم العربى لصون هويته الجامعة التى باتت مهددة على أكثر من مستوي
مسيرتكم فى الأدب والصحافة ممتدة فلماذا وكيف توجهت للصحافة فى بداية حياتك رغم درجتى الماجستير والدكتوراه التى حصلت عليهما؟
نعم درست الأدب الإنجليزى لكن لم تكن دراسته توجها بعينه وحصلت على درجتى الماجستير والدكتوراه لكننى تساءلت حينها: «هل سأمضى حياتى أدرّس الأدب الإنجليزى فى الجامعة بينما يعانى المجتمع من قضايا أكثر إلحاحاً؟»، هذه التساؤلات غيّرت مجرى حياتى حين التقيت محمد حسنين هيكل الذى عرض على فرصة عمل، فوجدت فيها الفرصة التى تجمع بين الفكر والواقع الذى كنت أسعى إلى المساهمة فى صناعته
وكيف وجدت الفرق بين «الكلمة» الصحفية و»الكلمة» الأدبية؟.
الكلمة سلاح الصحفى والأديب فى نفس الوقت، ولكنها كلمة مختلفة، لأن الصحفى ينقل الواقع فى لحظته بينما الأديب ينظر إلى الأحداث نظرة تأملية وشمولية
والكتابة الأدبية كتابة مراوغة وكلها معان ومجازات وإيحاءات وتأويلات عكس كل الكتابات الأخرى ومن هنا فإن الأديب يستطيع أن يقول ما شاء إذا أحسن استغلال أدواته ووظفها توظيفا مبدعا، أما فى الكتابة الصحفية فالأمر مختلف لأنك تكتب عن حقائق لا لبس فيها».
لكن الصحافة والميديا وأشكالها ووسائطها تغيرت وصارت أكثر تحررا فكيف ترى هذا التطور وتأثيره؟
الصحافة لم تعد المصدر الأول للأخبار مع وسائل الإعلام الرقمية، بعض الدراسات تقول إن 80 % من القراء يعرفون الخبر قبل أن يقرأوه فى الصحف. وهذا الواقع فرض على الصحافة أن تتطور من مجرد نقل الخبر إلى تقديم التحليل والمقال السردى الذى يفسر الأحداث ويمنحها «المعني» كما أن
وسائل التواصل الاجتماعى جعلت الإعلام أكثر حرية، فمثلا القضية الفلسطينية، عرف العالم عدالتها بسبب الإعلام وبفضل الإعلام والوسائل الحديثة ظهرت حقائق تداولها الإعلام لم تكن تحدث سابقا لأن الإعلام الغربى خرج عن السيطرة وتداول الأحرار الحقائق مثلما نراها نحن دون تدخل ونرى هذا واضحا فى التأثير الإيجابى للسوشيال ميديا على شعوب العالم فى أحداث غزة بعد أن صارت الحقيقة واضحة.. العالم يتغير ومسألة الرقابة على الإعلام ستصبح قريبا من التراث الذى نتندر عليه.. «.
تنبأت فى روايتك « جناح الفراشة» بأحداث يناير فما علاقة الأدب بالتنبؤ؟
الكاتب المسرحى أو الروائى لا يسعى إلى التنبؤ عن قصد، وإنما يستشرف المستقبل من خلال رؤيته الشاملة للحياة فالأديب ليس عرّافاً، لكنه يكتب من وعيٍ متأملٍ يتجاوز اللحظة الراهنة، فينتهى الأمر أحياناً بأن تتطابق رؤيته مع ما يحدث لاحقاً فى الواقع» فمثلا كثير من الاختراعات العلمية مثل الغواصة أو السفر إلى الفضاء ظهر أولاً فى أدب الخيال العلمى قبل أن تتحقق فعلاً كل كاتب يعتز بعمل ما من أعماله دون بقية أعماله لسبب أو لآخر فما هو العمل المقرب إليك من مجمل كتاباتك؟
الكاتب يعيش مع كل عمل جديد إحساساً بأنه الأهم فى مسيرته، وأن كل عمل أدبى يشرع فى كتابته يشعر بأنه سيكون صاحب الأثر الأكبر فى حياته وفى الساحة الأدبية، لكن هذا الشعور لا يلبث أن يقوده إلى عمل جديد، فيتجدد الحماس والدافع الإبداعى من جديد. و الأديب قد يظن أحياناً أنه سيتوقف عن الكتابة بعد إنجاز عمل يعتقد أنه سيحدث ضجة عالمية، غير أن وهج الفكرة التالية يعيده دائماً إلى الورق ليبدأ رحلة جديدة من الإبداع ، فمثلا كنت قد انتهيت من رواية» زهرة النار» واعتقدت أننى وصلت وكتبت أجمل شيئا ثم اكتشفت مع الدخول فى روايتى الجديدة أننى قد نسيت زهرة النار».
حدثنا عن لحظة أو لحظات لا تنساها فى مشوارك الممتد؟
تكليف نجيب محفوظ لى باستلام جائزة نوبل من الأمور التى لا تنسى أبدا طبعا وقد ذهبت مع ابنتيه إلى السويد وألقيت كلمته نيابة عنه، وشعرت بالامتنان والتقدير بعد أن اصطفانى دون أدباء كثيرين حوله، وعلاقتى بمحفوظ قوية وممتدة وقد قدمت له بروفة من أول عمل لى كهدية وكانت البروفة الأخيرة قبل طبعه وقد تعامل كأستاذ ومعلم فوجدته قد قرأها وأعادها لى بتعليقات ومقترحات بالقلم الرصاص ولطفا منه سمى « ملاحظاته» اقتراحات وقال: هى اقتراحات إذا لم تعجبك فلك الأمر.. ومن المواقف التى لن أنساها حينما كلفنى بعمل «ختم» باسمه بعد أن صار لايستطيع الكتابة فى الفترة التى جاءت بعد الحادث الذى تعرض له و أثر عليه ..
عاصرت أسماء وكتاب كبارا اصبحوا رموزا لنا الآن فكيف ترى المشهد الأن وهل هناك فرصة لأن يصبح بيننا محفوظا جديدا؟
الوضع الثقافى العربى الآن يفتقد الاسماء الكبيرة التى نشأت بينها لكن الوطن يمر بمرحلة مختلفة مليئة بالتغيرات وهناك جيل من الشباب الصاعد قد لا نعرفهم جميعا لكن هناك أسماء تبشر بالخير، ويكفى أن نعرف أن عام 2024 فقط أصدرت المطابع المصرية حوالى 30 رواية فلو قلنا إن منهم 5 أو 3 مؤلفين فقط جيدين فمعنى هذا أن لدينا 3 نجيب محفوظ ما زالوا فى مرحلة الشباب..
(تخطى محفوظ)
تحول نجيب محفوظ إلى أيقونة مقدسة فى التاريخ الأدبى المصرى والعربى فهل هناك أمل فى أن يتخطاه كاتب مصرى أو عربى يوما ما؟
أى عمل إنسانى قابل لأن نتخطاه فهو ليس مقدسا، ولكن محفوظ له عبقريته الخاصة فالرواية العربية قبل محفوظ شيء وبعده شيء آخر فقد مر بالمراحل التاريخية فى رواياته المعروفة ثم مرحلة الواقعية وأخيرا مرحلة الكتابات الفلسفية فضلا عن أنه العربى الوحيد الذى فاز بنوبل.. والأهم أن فى الأدب ليس فيه فكرة التخطى فكل الأديب هو نفسه، عكس العالم الذى قد يأتى عالم ليثبت خطأ نظرية ما ويضع نظرية جديدة عكس الأدب فكل عمل أدبى لا تستطيع أن تتخطاه ويمكن أن تضع عملا آخر عبقريا لكن فى ذاته دون مقارنة بغيرة،
وكيف ترى اختياره من قبل لجنة معرض القاهرة القادم ليكون شخصية هذا العام لا سيما وقد حدث جدل كبير حول هذا الاختيار بين المثقفين؟
محفوظ علامة فارقة فى الأدب العربى والعالمي، وأى مرة يتم اختياره شخصية المعرض أو أى مناسبة أخرى فهو اختيار فى محله، وهو يستحق ما هو أكثر ، هو رحل ولا يحتاج لتكريم ولكننا نحن من نحتاج تكريما بتقدير أعماله وإلقاء الضوء عليها وعلى إنجازاته، واختياره هو إثراء لنا وللمعرض ولرواده
كيف تفسر الصعود الكبير لنجم الرواية فى العقود الأخيرة على حساب الشعر ونحن أمة الشعر ديوانها؟
صعود الرواية ليست عربية فقط وإنما هى ظاهرة عالمية ومعظم دور النشر فى العالم التى تنشر الأدب تنشر الرواية أولا فى الصدارة ثم تأتى بقية الأجناس الأدبية، وقد نكون أمة ديوانها الشعر حقا لكن الرواية تغلبت وصارت صيغة العصر، وفى بداية القرن الـ 20 اعتقدوا أن القصة ستروج وما حدث أن الرواية تغلبت على القصة القصيرة وربما السبب أنها تأخذك إلى عالم بل عوالم يختلف عن العالم الذى نعيشه الأن والذى قد يرغب الكثيرون فى الهروب منه تقدمها الرواية وهى ممتدة تأخذك لعالم متعمق ولفترة طويلة آخر.
هل تعتقد أن زمن الكاتب( المشروع) المتعدد الأوجه قد ولى بعد أن تخصص كل كاتب أو شاعر فى حيز أو مساحة محددة يبدع فيها؟
الكاتب لكى يكون كاتبا لابد أن يكون له مشروع وبدون مشروع سيقدم أعمال متفرقة قد يعجبنا بعضها ولا يعجبنا الآخر، بينما المشروع هو خطة متكاملة وكل عمل هو جزء من هذا المشروع يكمله ويضيف له، ولذلك من ليس له مشروع فلا نستطيع أن نعتبره كاتبا.
أدباء وفنانون وعلماء .. نجوم تلمع فى سماء معرض الشارقة

تتواصل فعاليات معرض الشارقة للكتاب فى دورته الـ 44 ولهذه الدورة عبق خاص بحضور مصرى لافت ومتعدد يعطى للدورة مذاقا مختلفًا بدءًا من اختيار الكاتب المصرى الروائى والمسرحى محمد سلماوى ليكون الشخصية الثقافية لهذه الدورة ومرورا بمشاركة دور النشر المصرية التى تمثل ثانى أكبر مشاركة بعد الدور الإماراتية ومرورًا بدعوة عدد كبير من الكتاب والفنانين والمبدعين من أجيال مختلفة للحضور والمشاركة فى المحاور والندوات والنقاشات التى لا يتوقف نبضها على مدار اليوم وعلى هامش حركة البيع والشراء.. ومن هؤلاء: العالم د. زاهى حواس، د. وسيم السيسى، الفنان خالد الصاوى، محمد خميس السيناريست محمد سالمان عبد المالك، والروائيون والنقاد د. ريم بسيونى، محمد سمير ندا، د. هويدا صالح ، هانى عبد المريد، نهى محمود، أحمد عبداللطيف ولكل مشاركته الخاصة فى موضوعات ومحاور وعناوين اللقاءات الثقافية التى تتناول الواقع الأدبى والثقافى العربى والعالمى..
الصاوى بين الكتابة والتمثيل
وقد شارك الفنان خالد الصاوى فى لقاء تحدث فيه عن رؤيته للكتابة بوصفها امتدادًا طبيعيًا لتجربته الفنية والإنسانية، قائلاً: «كتبت الشعر بالفصحى والعامية، وكتبت للمسرح والرواية، وألفت الأغاني… مضيفا أنا صاحب تجارب متعددة والكتابة امتداد لي، هى وسيلتى الكبرى للحرية والاكتشاف، أنا لا أكتفى بخالد واحد، أريد أن أعيش فى شخصيات متعددة، أختبر أفكارًا ومشاعر مختلفة، فالكتابة تمنحنى هذا الاتساع».
وأكد الصاوى أن الكاتب الحقيقى هو من يكتب عن نفسه بصدق، لكنه فى الوقت ذاته يُبقى القارئ حاضرًا فى ذهنه، قائلاً: «المبدع يكتب لنفسه، لكن القارئ فى دماغه دومًا. فى الشعر والقصة القصيرة أنا حاضرٌ بنسبة 75٪ والقارئ 25٪، أما فى الفيلم فالكتابة تشاركية أكثر، 60٪ لى و40٪ للجمهور، وفى المسرح تنقسم بالتساوي: نصف لى ونصف للناس.
وفى سياقٍ آخر، شدّد الصاوى على أن الفنان والكاتب يحملان مسئولية تحريك الوعى الجمعي، ورغم دفاعه عن حرية الإبداع، يرى الصاوى أن غياب الرقابة بالكامل قد يؤدى إلى فوضي، بقوله: «إذا رُفعت الرقابة تمامًا فقد تحدث كارثة، لكنى أؤمن بالرقابة المنطقية التى يشرف عليها مثقفون فاهمون للفن واللغة والوجدان.
حواس وجمهور الشارقة للكتاب
د. زاهى حواس التقى أيضاً جمهور الشارقة الدولى للكتاب وحكى جانبا من مسيرته التى تحولت من حلم مراهق بأن يكون محامياً إلى التخصص فى علم المصريات واكتشاف أعظم أسرار الحضارة المصرية القديمة، وحكى ما فعله صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى أنه قبل سنوات سمع بأن بعض الآثار المصرية المسروقة تباع فى أستراليا، فقام بشرائها على الفور، وأرسلها لجمهورية مصر كإهداء.
وعن المتحف المصرى الكبير قال: هو من أعظم المتاحف على مستوى العالم، مشيراً إلى أن الاهتمام العالمى الذى لاقاه افتتاحه، جاء بسبب احتوائه على 5000 قطعة من آثار توت عنخ آمون، تُعرض بالكامل لأول مرة .
وخلال عرض مصور، قدم حواس لجمهور المعرض شرحاً مفصّلاً حول كيفية بناء الأهرامات، مستعرضاً خطوات الهندسة والإنشاء التى استخدمها المصريون القدماء، ومفنداً كل الأفكار غير العلمية والنظريات الشعبوية التى تُروَّج أحياناً لمساهمات كائنات غريبة أو قوى خارقة فى بناء هذه الصروح العظيمة.
كذلك قام بشرح الأساليب الهندسية والتقنيات التى استخدمها المصرى القديم فى رفع الحجارة الضخمة، وضبط الزوايا والمعالم الهندسية بدقة مذهلة، كما تناول استخدام الروبوتات الحديثة لفحص وتنظيف فتحات الأهرام، موضحاً أن هذه الأجهزة مكّنت فريقه من الوصول إلى أماكن كان من المستحيل الدخول إليها فى السابق.









