صرّح السفير الدكتور مصطفى الشربيني، المراقب باتفاقية باريس بشأن تغيّر المناخ، والرئيس التنفيذي لمعهد الاستدامة والبصمة الكربونية (ISCF)، ورئيس الكرسي العلمي للبصمة الكربونية والاستدامة بالـ “إليكسو” (الألكسو) بجامعة الدول العربية، بأن “العالم لم يعد يملك رفاهية الوقت… إمّا أن نتحرك في بيليم لننقذ الكوكب، أو نتحمّل جميعًا كلفة الفشل الحضاري الأكبر في تاريخ البشرية، حيث يتقاطع مصير الكوكب مع مصالح الدول.
في الفترة من 10 إلى 21 نوفمبر 2025، ستتحول مدينة بيليم البرازيلية إلى مركز العاصفة السياسية والبيئية، حيث يلتقي قادة العالم والمفاوضون وممثلو الشعوب في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP30)، في واحدة من أكثر اللحظات حساسية منذ توقيع اتفاق باريس للمناخ عام 2015.
وأكد المراقب باتفاقية باريس بشأن تغيّر المناخ أنه لأول مرة منذ عقدٍ كامل، يجد المفاوضون أنفسهم أمام تحدٍّ ثلاثي الأبعاد: 1. الاتفاق على مؤشرات واضحة لقياس التقدم في التكيّف مع تغيّر المناخ (GGA Indicators). 2. وضع خارطة طريق لتمويل المناخ تصل إلى 1.3 تريليون دولار سنويًا. 3. تقديم الجولة الأخيرة من المساهمات الوطنية المحددة (NDCs) التي تحدد مصير هدف الـ 1.5 درجة مئوية.
يقول السفير الشربيني: “إن هذه ليست مجرد مفاوضات تقنية، بل مفترق طرق بين أملٍ في مستقبلٍ مستدام أو سقوط في هاوية الاحترار الجامح.”
من باريس إلى بيليم: الطريق المليء بالوعود المؤجلة عندما وُقِّعت اتفاقية باريس عام 2015، توحدت إرادة العالم على هدف طموح: الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين، والسعي الجاد نحو 1.5 درجة. لكن بعد عشر سنوات، تشير التقارير العلمية إلى أن العالم يتجه نحو 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن إذا استمر المسار الحالي، مما يعني ذوبان الجليد الكامل في القطب الشمالي خلال الصيف، وغرق عشرات المدن الساحلية، وانهيار نُظُم بيئية بأكملها. ورغم التحذيرات المتكررة من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، فإن الفجوة بين التعهدات والإجراءات الفعلية ما زالت تتسع.
وأشار إلى أنه “لم يعد أمامنا سوى سنوات قليلة لتغيير المسار… وإذا لم تكن بيليم نقطة التحوُّل، فستكون بداية العدّ التنازلي نحو كوكب غير صالح للحياة،” حيث إن التمويل المناخي هو قلب المعركة. لن يكون الجدل في بيليم فقط حول الأرقام، بل حول العدالة المناخية. فبينما تتحمل الدول النامية الجزء الأكبر من آثار التغير المناخي، فإنها لا تحصل إلا على جزء ضئيل من التمويل الدولي. القرار الصادر عام 2024 حدد الهدف الكمّي الجماعي الجديد (NCQG) عند 300 مليار دولار، وهو ما أثار استياءً عميقًا لدى دول الجنوب، التي تعتبر المبلغ أقل من الحد الأدنى المطلوب للتكيف مع الأضرار. وتطالب هذه الدول بمضاعفة تمويل التكيف أربع مرات ليصل إلى 1.3 تريليون دولار سنويًا، خاصة مع تصاعد الكوارث المناخية التي تلتهم الاقتصادات الهشة.
ويقول السفير الشربيني: “إذا لم يُترجم الالتزام المالي إلى أموال فعلية، فستفقد اتفاقية باريس معناها الأخلاقي والسياسي… التمويل هو لغة الثقة بين الشمال والجنوب.”
مؤشرات التكيف GGA.. المعركة الصامتة بين الأرقام والواقع من أكثر الملفات سخونة في مؤتمر COP30 هو الاتفاق على مؤشرات قياس التكيف العالمية (GGA Indicators)، وهي مجموعة من 100 مؤشر مرتبطة بـ 11 هدفًا تم تحديدها في إطار عمل عام 2023. لكن الجدل يدور حول كيفية قياس “وسائل التنفيذ” – أي التمويل، والتكنولوجيا، وبناء القدرات – إذ تُصِرُّ الدول النامية على أن المؤشرات يجب أن تعكس عدالة الوصول إلى الموارد، لا مجرد الأرقام.
ويوضح السفير الشربيني: “المؤشرات ليست مجرد أدوات للقياس، بل هي مرآة تكشف من الذي يتحمل العبء، ومن الذي يملك أدوات المواجهة… العالم بحاجة إلى عدالة مناخية في المقاييس قبل أن يطالب بعدالة في الالتزامات.”
المساهمات الوطنية NDCs: اختبار الإرادة السياسية كان من المفترض أن تقدم جميع الدول خططها المناخية الوطنية الجديدة (NDCs) بحلول فبراير 2025، إلا أن العديد من كبار الملوِّثين لم يفعلوا بعد، ما يثير المخاوف من فجوة طموح ضخمة. في يونيو الماضي، طالبت التحالفات المناخية الكبرى بعقد جلسة خاصة في بيليم لمراجعة هذه الخطط والاتفاق على حزمة تصحيحية عالمية لضمان بقاء هدف 1.5 درجة مئوية في المتناول. لكن بعض الأطراف ما زالت ترفض أي إلزامية جديدة، مما يهدد بانقسام حاد في المفاوضات. “إذا لم تُغطِّ NDCs القادمة جميع الغازات والقطاعات وتُترجم إلى إجراءات قابلة للتحقق، فستفقد قمة بيليم مصداقيتها.” – السفير مصطفى الشربيني
صندوق الخسائر والأضرار.. من الوعود إلى التنفيذ بعد إنشاء صندوق الخسائر والأضرار رسميًا في مؤتمر COP28 بدبي، ينتظر العالم في بيليم الخطوة الحاسمة نحو تشغيله الفعلي وتمويله العادل. يُتوقع أن تناقش الأطراف آلية تحويل صندوق التكيف ليخدم اتفاق باريس حصريًا، وتقديم تقارير واضحة حول توزيع الموارد.
ويضيف الشربيني: “الخسائر والأضرار ليست بندًا تفاوضيًا، بل جرحًا مفتوحًا في ذاكرة الدول المتضررة… العدالة المناخية تبدأ من إنصاف من فقدوا أوطانهم بسبب تقاعس الآخرين.”
قضايا جانبية لا تقل سخونة من المتوقع أن تشهد بيليم نقاشات مكثفة حول:
- اختيار الدولة المضيفة لمؤتمر COP31.
- إطلاق خطة عمل جديدة حول النوع الاجتماعي والمناخ.
- تسريع برنامج الانتقال العادل للطاقة.
- مفاوضات التكنولوجيا وبناء القدرات.
- مراجعة كفاءة هيئات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية.
- تقرير الشفافية الثنائية الأول للدول.
كل هذه الملفات تعكس اتساع رقعة القضايا المناخية التي لم تعد بيئية فقط، بل اقتصادية، واجتماعية، ووجودية.
بيليم… صرخة الغابات والإنسان اختيار البرازيل، صاحبة أكبر غابة مطيرة على وجه الأرض، ليس صدفة. فالأمازون تُمثل قلب الكوكب الأخضر الذي يتعرض اليوم لتهديدات متزايدة بفعل إزالة الغابات والتعدين والزراعة غير المستدامة.
ويقول السفير الشربيني في ختام تصريحه: “بيليم ليست مجرد مدينة تستضيف مؤتمرًا… إنها رمز لصراع الإنسانية مع نفسها. إذا أنقذنا الأمازون، فربما ننقذ الأمل. وإذا خذلناها، فسنكون قد خسرنا آخر فرصة لتصحيح المسار.”
حيث يُعقد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP30) خلال الفترة 10 – 21 نوفمبر 2025 في بيليم، البرازيل، متضمناً:
- الدورة الثلاثين لمؤتمر الأطراف (COP30).
- الاجتماع العشرين لأطراف بروتوكول كيوتو (CMP20).
- الاجتماع السابع لأطراف اتفاق باريس (CMA7).
- الدورة 63 للهيئتين الفرعيتين (SBSTA و SBI).
وسيتابع العالم بأسره ما إذا كانت بيليم ستصبح نقطة التحوُّل نحو إنقاذ الكوكب أم شهادة وفاة لاتفاق باريس. “المستقبل لن يُكتب في البيانات الختامية، بل في إرادة التنفيذ.”










