الجماعات الإرهابية تسعى لتحويل إفريقيا إلى مركز عالمى جديد لنشاطهم
الأزمات الأمنية المتصاعدة فى «القارة» تخلق تهديدات مشتركة
الوضع المعقد يخلق أرضًا خصبة لتجنيد الشباب فى التنظيمات المتطرفة
تشهد القارة الإفريقية تصاعداً غير مسبوق فى الأزمات الأمنية والإنسانية، مع تحول واضح فى جغرافيا الإرهاب من الشرق الأوسط إلى إفريقيا جنوب الصحراء، وخاصة منطقة الساحل، حيث تواجه نيجيريا ومالى والسودان والنيجر وبوركينا فاسو والصومال وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد أزمات متشابكة تجمع بين الإرهاب والصراعات المسلحة والتدخلات الخارجية والكوارث المناخية، مما يهدد الاستقرار الإقليمى ويشكل تحديات مباشرة للأمن القومى القارى.
بينما ينشغل العالم بالحرب فى أوكرانيا والصراع الإسرائيلي- الفلسطينى والتوترات الجيوسياسية بين القوى الكبري، تشهد أفريقيا تصاعداً مستمراً ومقلقاً فى الإرهاب والتطرف العنيف. هذا الانشغال العالمى أدى إلى تراجع الاهتمام الدولى والدعم المالى والعسكرى لجهود مكافحة الإرهاب فى أفريقيا، مما وفر للجماعات الإرهابية فرصاً ذهبية للتوسع والتجنيد وتعزيز قدراتها.
عام 2023، سجلت قاعدة بيانات المركز الأفريقى لدراسات الإرهاب ومكافحة التطرف زيادة بنسبة 99 ٪ فى عدد الهجمات الإرهابية وزيادة بنسبة 53 ٪ فى عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب مقارنة بعام 2022، بمعدل 8 هجمات إرهابية و43 حالة وفاة يومياً، وفى عام 2024، استمر هذا الاتجاه مع تكثيف الجماعات الإرهابية الأربع الأكثر فتكاً لعنفها، مما أدى إلى ارتفاع الوفيات بنسبة 11 ٪.
منطقة الساحل..مركز الإرهاب الجديد
تحولت منطقة الساحل الأفريقى إلى مركز الإرهاب العالمي، حيث تمثل 51 ٪ من وفيات الإرهاب عالمياً فى عام 2024، مع ارتفاع الوفيات بنسبة 2,860 ٪ منذ عام 2009، وتصدرت بوركينا فاسو القائمة، حيث ارتفعت الوفيات بنسبة 68 ٪ وفى النيجر، ارتفعت وفيات الإرهاب بنسبة 94 ٪ لتصل إلى 930حالة وفاة عام 2024، وهو أكبر ارتفاع على مستوى العالم، وتنشط فى منطقة الساحل جماعات إرهابية متعددة، أبرزها:
> جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) المتحالفة مع تنظيم القاعدة الذى يسيطر على مساحات واسعة فى شمال ووسط مالى ويشن هجمات متزايدة فى جنوب مالى وبوركينا فاسو والنيجر.
> ولاية الصحراء الإسلامية (ISSP) التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، وتنشط فى شمال بوركينا فاسو وغرب النيجر.[cfr]
> ولاية غرب أفريقيا الإسلامية (ISWAP) المنشقة عن بوكو حرام وتابعة لتنظيم الدولة، تنشط فى حوض بحيرة تشاد.
أزمات متعددة الأبعاد
تواجه نيجيريا، أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان، أزمة أمنية متعددة الطبقات، ففى الشمال الشرقي، تشهد البلاد عودة قوية لجماعة بوكو حرام «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد» التى استعادت تنظيمها وخطورتها بعد فترة تراجع، بينما يواصل تنظيم ولاية غرب أفريقيا الإسلامية (ISWAP) المرتبط بتنظيم داعش شن هجمات على القواعد العسكرية.
بينما تشهد ولاية بلاتو بالمنطقة الوسطى من نيجيريا، صراعاً دموياً بين الرعاة الفولانيين المسلمين والمزارعين المسيحيين من مختلف الإثنيات، ومنذ عام 2020 أودى هذا العنف بحياة أكثر من 1,600 شخص، بسبب التنافس على الموارد الطبيعية، والأراضى الصالحة للزراعة والمياه، فى ظل تغير المناخ والنمو السكاني، وليس مجرد صراع دينى كما يروج البعض، غير أن الفشل فى توفير الحماية وتقديم الجناة للعدالة قد أدى إلى تآكل الثقة فى مؤسسات الدولة وتفاقم الانقسامات المجتمعية.
بينما يشهد الوضع الأمنى فى مالى تدهوراً كبيراً مع تصاعد هجمات الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، فتواصل جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» (JNIM) شن هجمات واسعة النطاق على أكاديمية الشرطة ومطار باماكو الدولى أسفر فى سبتمبر 2024، عن مقتل المئات، كما فرضت حصاراً على الطرق الرئيسية جنوب وغرب مالي، بما فى ذلك العاصمة باماكو، مستهدفة شاحنات الوقود وفارضة نقاط تفتيش على الأفراد أثناء المرور، وقد استطاعت السيطرة على مساحات واسعة من الأراضى شمال ووسط مالي، بينما تواجه القوات المالية صعوبات فى السيطرة على الخطوط الأمامية الممتدة لمسافة تقارب ألف ميل.
السودان: أكبر أزمة نزوح فى العالم
يشهد السودان منذ أبريل 2023 حرباً مدمرة بين القوات المسلحة السودانية (SAF) بقيادة الفريق عبد الفتاح وميليشيا وقوات الدعم السريع (RSF) بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، وهذا الصراع أودى بحياة ما لا يقل عن 60 ألف شخص، وإن كانت الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير، وفقاً لمجموعات الإغاثة.
وفى أواخر أكتوبر الماضى من العام الجارى سيطرت ميليشيا الدعم على مدينة الفاشر، آخر معقل رئيسى للحكومة فى إقليم دارفور، بعد حصار دام أكثر من 500 يوم، وقد شهدت المدينة قصفاً عشوائياً وهجمات بالطائرات المسيرة من الطرفين، وأعقبت السيطرة عليها عمليات تفتيش منزلية واعتقالات تعسفية وإعدامات موجزة، مما أجبر 62 ألف شخص على الفرار، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.
ويواجه السودان أكبر أزمة نزوح فى العالم، حيث تم تشريد أكثر من 12 مليون شخص منذ اندلاع الحرب، منهم 9 ملايين نازح داخلياً وأكثر من 3 ملايين لاجئ فى الدول المجاورة، ويحتاج أكثر من 30.4 مليون شخص -أى أكثر من نصف سكان السودان -إلى مساعدات إنسانية، وفقاً للأمم المتحدة.
وتسعى الرباعية إلى الوصول لهدنة تمنح فرصة لتحقيق السلام، لكن ميليشا الدعم تصر على انتهاك الهدنة واستمرار الفوضى.
الصومال وحركة الشباب
تظل حركة الشباب الصومالية، التابعة لتنظيم القاعدة، واحدة من أقوى وأخطر فروع التنظيم فى العالم، ورغم الحملة العسكرية التى أطلقتها السلطات الصومالية هناك تحت شعار «الحرب الشاملة»، وحققت نجاحات فى المرحلة الأولى بطرد الحركة من مناطق سيطرت عليها لأكثر من عقد، لكن هذا التقدم توقف منذ عام 2024، والآن استعادت الحركة مناطق رئيسية وسط الصومال، منطقة موقوكورى الإستراتيجية، وحاولت اغتيال الرئيس الصومالي، وتهدد العاصمة مقديشو، ومنذ شهور، شنت الحركة هجوماً منسقاً فى منطقة شبيلى الوسطي، واستولت على عدة قرى قبل أن تطردها القوات الصومالية فى الأيام التالية.
غيرت حركة الشباب تكتيكاتها، حيث تركز الآن على كسب المدنيين فى المناطق الخاضعة لسيطرتها من خلال تقديم خدمات الوساطة والأمن والعدالة، وجمع الضرائب، وتجنب الانتقام من المؤيدين السابقين للحكومة، وتقليل الأضرار المدنية فى الهجمات، كما تسمح للأشخاص والبضائع بالمرور عبر نقاط التفتيش، وتمكن الاحتجاجات المدنية، وتُظهر صورة عن المساءلة والحكم، وهذه التغييرات تعيد تشكيل التصور العام، بما فى ذلك بين النخب، الذين يرون الآن حركة الشباب كجهة فاعلة من بين عدة جهات تتنافس على النفوذ والشرعية فى مشهد سياسى مجزأ، وإذا استمرت الانقسامات السياسية فقد يتسارع توسع حركة الشباب من المناطق الريفية إلى المدن، وقد أثار تنسيق ناشئ بين حركة الشباب الصومالية وجماعة الحوثى فى اليمن مخاوف إقليمية كبيرة، حيث يشكل هذا التحالف مخاطر جدية ويزيد من تعقيد التهديدات الأمنية الإقليمية، كما أشار مرارا وزير الخارجية د. بدر عبد العاطي.
تشاد والأزمة الإنسانية
تواجه تشاد أزمة إنسانية طويلة الأمد، حيث يحتاج نحو 40 ٪ من سكانها إلى مساعدات إنسانية، ومنذ اندلاع الصراع المسلح فى السودان المجاور أبريل 2023، استقبلت تشاد الشرقية تدفقاً كبيراً من اللاجئين السودانيين بلغ 708,000 لاجئ و222,000 عائد تشادى حتى الشهر الماضي، مع توقع وصول المزيد مع استمرار العنف، وفى منطقة بحيرة تشاد، تواصل الجماعات المسلحة مثل بوكو حرام شن هجمات، مما يدفع إلى مزيد من النزوح، وفى أكتوبر قُتل 40 جندياً على الأقل فى هجوم لبوكو حرام على قاعدة عسكرية تشادية فى بوكرام بمنطقة بحيرة تشاد.
التنافس الجيوسياسى
تشهد القارة الأفريقية تنافساً متزايداً بين عدد من الدول الكبرى فى مناطق متفرقة من القارة من بينها فى القرن الأفريقي، خاصة حول الصومال والسودان، مما يزيد من تعقيد الصراعات، وتستغل قوى خارجية مثل الصين الفرص الاقتصادية والاستراتيجية، بما فى ذلك الوصول إلى الموانئ والأراضى الزراعية الخصبة واتفاقات التعاون العسكري، وأدى تزايد التنافس الجيوسياسي، سواء من قوى غربية أو غير غربية، إلى تآكل السيادة الوطنية للدول الأفريقية وتعقيد جهود حل النزاعات فى السودان وليبيا ومالى وجمهورية أفريقيا الوسطي، إضافة إلى إطالة أمد الصراعات وإعاقة جهود السلام.
الروابط بين الإرهاب والجريمة
يشكل التشابك المتزايد بين الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود تحدياً معقداً للأمن القاري، حيث توفر الاقتصادات الإجرامية مصادر تمويل للجماعات المتطرفة، بينما توفر الجماعات الإرهابية الحماية والإنفاذ للشبكات الإجرامية، وهذه العلاقة التكافلية تسمح لكلا النوعين من الجهات الفاعلة بالازدهار فى بيئات تتسم بضعف السيطرة الحكومية والحدود المسامية وعجز الحكم.
تشمل الأنشطة الإجرامية الرئيسية: الاتجار بالأسلحة والمخدرات والبشر والوقود، والجرائم الإلكترونية، والاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية مثل الذهب واليورانيوم، وقد أظهرت عملية «كاتاليست» مدى تطور هذه الشبكات، بما فى ذلك استخدام العملات المشفرة والأصول الافتراضية لتمويل الأنشطة الإرهابية.
وتستخدم الجماعات الإرهابية فى أفريقيا تقنيات متطورة بشكل متزايد، مما يعزز قدراتها التشغيلية ويجعلها أكثر خطورة، وتشمل هذه التقنيات: طائرات مُسَيَّرة: لأغراض المراقبة والتجسس وتنفيذ الهجمات، كما شوهد فى السودان والصومال، وعملات مشفرة وأصول افتراضية لتمويل الأنشطة بطرق يصعب تتبعها من قبل جهات إنفاذ القانون، كما كشفت عملية «كاتاليست»، واستخدم الذكاء الاصطناعى للتجسس ونشر المعلومات المضللة والدعاية،
وهذا الاستخدام المتطور للتكنولوجيا يتطلب استجابات أمنية متقدمة ومتخصصة، وهو ما تفتقر إليه العديد من الدول الأفريقية بسبب القيود المالية والتقنية.
تكيف الجماعات الإرهابية مع البيئة
أظهرت الجماعات الإرهابية فى أفريقيا قدرة ملحوظة فى التكيف مع البيئة المحلية واستغلال المظالم المجتمعية. فى الصومال، غيرت حركة الشباب استراتيجيتها لتركز على «كسب القلوب والعقول» بين المدنيين، من خلال تقديم خدمات الأمن، وتجنب الانتقام من المؤيدين السابقين للحكومة، وتقليل الأضرار المدنية.
فى موزمبيق، تبنى تنظيم الدولة الإسلامية فى موزمبيق استراتيجية مماثلة، حيث يتاجر بالسلع ويشترى أخرى بأسعار أعلى من السوق، ويطمئن المدنيين أن هدفهم هو الحكومة والقوات الأمنية، وليس السكان المحليين. هذا النهج، إلى جانب النهج الثقيل للحكومة الذى تضمن اتهامات بعمليات إعدام خارج نطاق القضاء، أظهر مرونة المتمردين وجهداً متعمداً للحد من تجاوزاتهم ضد المدنيين.
تلك المخاطر تفرض ضرورة تفعيل المنظومة الأمنية الأفريقي، وتسريع تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولى 2719 لعام 2023 الذى يسمح بتمويل أممى مستدام للبعثات الأفريقية لحفظ السلام فى سياقات مكافحة الإرهاب، وتعزيز التنسيق الإقليمى وتقوية آليات التنسيق بين الاتحاد الأفريقى والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، مثل عملية نواكشوط وعملية جيبوتى ومبادرة أكرا وقوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات فى حوض بحيرة تشاد، ومعالجة الأسباب الجذرية وتبنى نهج شامل يتجاوز الحلول الأمنية العسكرية ليشمل معالجة قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتغير المناخ، ومكافحة التمويل الإرهابى وتكثيف الجهود لقطع مصادر التمويل الإرهابي، بما فى ذلك من خلال الجريمة المنظمة العابرة للحدود والعملات المشفرة، كما أظهرت عملية «كاتاليست»، وتعزيز التعاون الدولي، وبناء شراكات قائمة على الاحترام المتبادل والسيادة الوطنية مع المجتمع الدولي، مع الحفاظ على القيادة والملكية الأفريقية.
مصر نموذج للنجاح.. والاستقرار الإفريقى
بينما تواجه دول أفريقية عديدة أزمات أمنية واقتصادية وإنسانية متفاقمة وبينما يؤكد الواقع فى القارة السمراء أن الصراعات الداخلية هى طريق الفوضى ونشر الإرهاب ، برهنت مصر على قدرتها الفريدة فى التعامل مع التحديات الأمنية المعقدة والحفاظ على الاستقرار الداخلى والسلام الاجتماعي. هذا الإنجاز المتميز، الذى تحقق تحت القيادة الحكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسى، يجعل التجربة المصرية نموذجاً جديراً بالدراسة والاقتداء من قبل الدول الأفريقية الأخري.
النجاح الأمنى و الاستقرار
حققت مصر نجاحاً ملموساً فى مكافحة الإرهاب والتطرف من خلال بناء استراتيجية أمنية شاملة ومتكاملة منذ تولى الرئيس السيسى القيادة عام 2014 وسط تحديات أمنية غير مسبوقة، وقد نجحت الدولة المصرية فى الحد بشكل كبير من العمليات الإرهابية، وانخفض عدد العمليات الإرهابية من 199 عملية عام 2016 إلى أقل من 50 عملية عام 2017، وتواصل الانخفاض حتى أصبحت مصر تنعم بالأمن الشامل الكامل بعد أن قضت تماماً على التنظيمات الإرهابية ودمرت بنيتها ، ومع تصاعد الأزمات الأمنية والإنسانية فى أفريقيا، تتحمل مصر، بقدراتها وخبراتها وموقعها الجيوسياسي، مسئولية قيادية فى نشر النموذج المصرى وتشجيع الدول الأفريقية الأخرى على اعتماد المقاربات الشاملة التى أثبتت فعاليتها على أرض الواقع.
ويمكن لمصر تصدير البرامج التدريبية الناجحة فى تدريب الأئمة والدعاة على الخطاب الدينى المعتدل إلى دول أفريقية أخري، ومشاركة الخبرة المصرية فى مكافحة الإرهاب والتطرف من خلال برامج تدريب وتبادل معلومات استخباراتية مع الدول الأفريقية الشقيقة، ومساعدة الدول الأفريقية على تطوير قطاعات التمويل كأداة للتنمية الاقتصادية والشمول المالي، خاصة فى المناطق الريفية والمناطق المحرومة، والعمل كوسيط قادر على إجراء حوارات بناءة بين الأطراف المتنازعة فى النزاعات الإفريقية، وتعزيز ثقافة التعايش السلمى.









