حين تتأمل خريطة مصر ، تدرك أن الله وهب هذه الأرض من الخيرات ما يجعلها لا تعرف الفقر أبدا ، فمن باطنها يخرج الخير ، ومن سواحلها تنبع الحياة ، ومن قلوب أبنائها تتولد الإرادة والعزيمة. وفى قلب سيناء ، تتلألأ مدينة تدعى أبو زنيمة ، ربما لا يعرفها كثيرون ، لكنها تختصر حكاية مصر كلها كأرض غنية تنتظر من يكتشف كنوزها بالعقل والعمل ، وتجمع بين التاريخ والحضارة ، بين الجبل والبحر ، وبين عبق الماضى ونبض الحاضر. تقع أبو زنيمة على الساحل الغربى لخليج السويس ، بين رأس سدر وأبو رديس ، على مساحة تقترب من خمسة آلاف كيلومتر مربع ، وهى لوحة نادرة رسمتها الطبيعة المصرية بيد من ذهب ، حيث تتجاور الجبال المهيبة مع السواحل الهادئة ، وتتخللها ثروات لا تقدر بثمن من المنجنيز والفوسفات والنحاس والرمال البيضاء والحجر الجيرى والكثير من المعادن المختلفة والنادرة.. إنها كنز جيولوجى متكامل يجعلها مركزا طبيعيا للصناعات المعدنية والطاقة المتجددة ، وجسرا بين الماضى العريق والمستقبل الواعد ، ومنذ فجر التاريخ، كانت أبو زنيمة مهدا للنشاط التعدينى فى مصر القديمة ، قصدها الفراعنة لاستخراج الفيروز والنحاس، وأقاموا بها ميناء فرعونيا استخدم لنقل المعادن إلى وادى النيل ، وما زالت مغارات الفيروز شاهدة على مهارة المصرى القديم الذى صنع من الجبال حياة ومن الصخور ثروة. وفى قلب سرابيط الخادم ، لا يزال معبــد حتحــور إلهة الفيــروز شــاهدا على عبقرية الإنســان المصرى ، وقد نقــش فى صخر الجبل ليبقى رمزا للتقديس والإبداع عبر العصور ، ولأن ســيناء لا تعــرف المســتحيل ، فقــد جمعــت أبو زنيمة بين عبق التاريخ وروعة الطبيعة ، فهناك تمتد حمامات فرعون على مدخل المدينة ، وفى كهوفها الصخرية نقوش إغريقية تحكى حكاية حضارات تعاقبت وترك كل منها بصمته على جدران الزمن. وعلى مقربة منها ، ينهض جبل المكبر بتكوينه المدهش الذى نحته الزمن على هيئة فطر حجرى، محفور عليه تاريخ الإنسان الأول فى سيناء ، بينما تنتشر فى وديانها آثار التعدين القديمة ، وأفران صهر النحاس، ونقوش فرعونية تشهد بأن هذه الأرض كانت عبر العصور معملا مفتوحا للإبداع والإنتاج.. اليوم تمضى مصر فى عهدها الجديد بخطوات واثقة نحو التنمية الشاملة تفتح الصحراء على المستقبل وتشيد المدن الصناعية، وتعيد رسم وجه سيناء بالحياة ، وأبو زنيمة تمثل فى هذا السياق نقطة ضوء فريدة، تجسد قدرة الدولة على تحويل الجغرافيا إلى طاقة، والتاريخ إلى صناعة، والمكان إلى رسالة وطنية عنوانها الإرادة والبناء. فمصر اليوم لا تكتفى بأن تخرج من أرضها الثروات ، بل تصنع منها قيمة، وتحولها إلى مصانع، وتربطها بمدن حديثة تعيد للشرق المصرى مكانته كقاطرة إنتاج حقيقية ، وما أجمل أن تنظر إلى جبال أبو زنيمة الممتدة وسواحلها الهادئة فتدرك أن مصر لا تزال غنية بما لم يكتشف بعد ، وأن القادم أعظم لأن فى هذه الأرض ما لا ينفد ، وفى شعبها ما لا يلين، فمصر التى حفرت فى الصخر لتبنى التاريخ ، قادرة أن تحول كل ذرة رمل إلى فرصة ، وكل جبل إلى طاقة ، وكل موقع إلى مشروع حياة. إنها مصر التى لا تعرف الفقر ، ولا تعرف المستحيل ، مصر التى تبنى وتبدع وتضىء الطريق للأجيال القادمة، لتبقى كما كانت دوما أرض الكنز ومهد الحضارة ومصدر الضوء فى كل العصور.









