كل ما جرى ويجرى حولنا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان مصر هى الدولة الوحيدة القادرة على صياغة ترتيبات الإقليم البائس الذى نعيش فيه، كل الأيادى تشير إلى حلول غير واقعية وغير قابلة للتحقيق وتنتهى دائما بفشل يفاقم من حدة الأزمات والمشاكل، لكن مصر تنصح بأدب وتتحرك بحكمة وصبر يعكس أصالة وحضارة ونبل وشرف الدولة المصرية.
>>>
هناك قضايا شائكة ومعقدة فى ليبيا والسودان واليمن ولبنان وفلسطين وسوريا والصومال وهناك أصابع عديدة تمتد إلى هذه الملفات برعونة فتزيد من تعقيداتها، تلك الأصابع جديدة على العمل الإقليمى متعدد الأطراف وعديمة الخبرة ولا تملك رصيدا من السوابق التاريخية فى هذا الإطار، هذا على اعتبار ان تلك الأصابع حسنة النية، لكن الواقع يخبرنا ان هناك أطرافاً تملك أصابع تستهدف تعطيل المراكب السائرة إما لنهبها وإما لتفويت الفرصة على أطراف أخرى فاعلة.
>>>
من هنا يجب أن نعيد التفكير فى تغيير زوايا النظر للأمور والأشياء والأحداث بل والأشخاص، إعادة النظر ليست تقليلا من شأن أحد وإنما هى قراءة موضوعية للملفات مع استبعاد فكرة الحب والكراهية أو العلاقات العنكبوتية الهلامية الهشة، الوقت يداهمنا ولم يعد فى النفس متسع لمزيد من الترقب والانتظار، علينا أن نتحرك دون إبطاء ودون ارتكاب مزيد من الأخطاء، فلم يعد مستساغا أن ننتظر أفكار وتصورات الآخرين.
>>>
خاصة فى القضايا المصيرية ونحن الآن نعيش فترة «الفك والتركيب» للنظام العالمى المنتهى صلاحيته وفق كل المعايير وبقدر بسيط من النظر سنجد أن مدلول مصطلح «الأمة العربية» لم يعد كما كان فى زمن فات ولن يعود، لم أعد أنظر إلا من العين السحرية التى تظهر أمامى «الأمة المصرية» فنحن أمام ثمانى دول عربية مأزومة أو تحاول جاهدة الخروج من الأزمة.
>>>
والسؤال هنا من تكون الدولة التاسعة المرشحة لدخول قائمة الدول المأزومة والتى تعرضت لعوامل التعرية السياسية بفعل فواعل غير وطنية؟ والسؤال الآخر والذى يبدو متفائلا هو من من الدول المأزومة سيخرج من دائرة الأزمة؟
الحقيقة لم يبق إلا مصر وقليل من الدول التى يمكن أن تنطلق وتنخرط فى منظومة إقليمية وعالمية جديدة رغم ما يعترى هذه الدول من أزمات داخلية بعضها اقتصادى وبعضها أمنى وبعضها اجتماعى بالإضافة إلى بعض التوترات الحدودية التى يعانى منها البعض.
>>>
لذلك العالم العربى فى وضع شديد الصعوبة والتعقيد وكذلك الضعف عندما تخصم من أرصدة القوة العربية تلك الجيوش التى تفككت ثم تنظر أمامك لتجد حزاماً من الميليشيات الفاعلة من دون الدولة تسيطر على مجريات القرار فى دولها ومحيطها فهذا يمثل مشهدا بائسا وشديد الخطورة، الشارع العربى قلق ويشعر بالانهزامية، والحقيقة التى لا يجب أن نخجل منها هى أننا أصبحنا عبئا على العالم المتقدم!
>>>
فالمنطقة هى من صدرت الإرهاب والهجرة غير الشرعية والصراعات الجارية تزيد من تعميق الأزمة، لكن هل المنطقة بائسة وصراعاتها طبيعية وحدثت من تلقاء نفسها، أم أنها صراعات مصطنعة «هاند ميد»؟
لذلك يجب أن يكون هناك تصور جديد مبنى على قواعد الواقعية السياسية، لم يعد مقبولا أن نكون فى حالة انتظار لعودة الحياة إلى من مات بالفعل ونحن فى حالة صراع مع القوى الإقليمية التاريخية، فطالما أن القوة العربية تبددت وباتت فى أضعف حالتها.
>>>
وطالما أن حلم عودة العواصم العربية بات بعيد المنال، فلابد وأن نجعل رماحنا الموجهة صوب القوى الإقليمية فى وضعها المقلوب تعبيرا عن وقف العدوان والصراع والبحث عن السلام دون استسلام طرف لحساب طرف ثم نهدأ قليلا ويتحول الأمر إلى تعاون حقيقي، لذلك لابد من تدوير الزوايا مع إيران وتركيا أولاً للاتفاق على آلية التعامل مع إسرائيل والوصول معها إلى تسوية إقليمية حقيقية تنتهى بدولة فلسطينية وهذا أمر شديد الصعوبة لكنه سيتحقق بآليات وأدوات جديدة ليست قائمة بالفعل.
>>>
أتصور أن التحرك تجاه القوى الإقليمية وإتمام التفاهمات معها حول القضايا المعلقة ثم الانخراط فى تعاون سيجعل من الإقليم إقليما مشاركا ومؤثرا فى رسم خطوط النظام العالمى الجديد.









