كان صاحبنا الزائر الإيطالي يجلس معنا على أحد المقاهي الشعبية، ويتأمل في فرح طفولي حركة الناس في الشارع ذهاباً وإياباً ويختلس النظر أحياناً إلى زبائن المقهى محاولاً التعرف على أحاديثهم وسلوكياتهم وضحكاتهم بل وصمت بعضهم في حزن أو لا مبالاة، وأخيراً استوقفه مشهد أحد زبائن المقهى وهو يسحب أنفاساً طويلة وعميقة من الشيشة التي يدخنها ثم نظر إلينا قائلاً هذا الرجل في سباق ماراثون للنفس الطويل – الماراثون اختبار تحمل في رياضة الركض لمسافة 42,195 كيلو متر- وضحكنا..
لكن السؤال: لماذا نمارس أسلوب النفس الطويل مع متعنا القصيرة بل والضارة ولا نقوم به في ممارساتنا الحياتية بمشكلاتها وصراعاتها؟
تحفل الحياة بالمنغصات التي تتطلب خطة أو استراتيجية بعيدة المدى للتعبير والتركيز والحرفية وهي مجمل ما نسميه أسلوب أو سياسة النفس الطويل، وتشمل مجموعة من القواعد اللازمة لإنجاح الخطة، منها أن يتحدد المسار منذ البداية، وأن يتم جمع الأدوات اللازمة من أجل المقاومة والاستمرارية مع الثقة في الإيمان بما يجب القيام به، والتزام الصبر مهما تباعدت مسافة التحقق للهدف، فهي بالإصرار ستكون قصيرة، وفي النهاية لا يجب نسيان الهدف الأساسي من طول النفس أو الصبر على المعيقات، إنه الهدف الواجب تحقيقه.
وعندما نسمع عن سياسة النفس الطويل فإنها استراتيجية يتم اعتمادها والعمل على تنفيذها لتحقيق أهداف معينة سواء على المستوى الفردي أو المجتمع ومن خلالها يمكن تغيير السلوك والمعتقدات الفردية أو الجماعية لتلائم السعي إلى تحقيق الهدف.
وعلى سبيل المثال، في تاريخ الفلسفة هناك فلاسفة من أصحاب النفس الطويل (فكرياً) مثل (هيجل) و(كانط) في قدرتيهما على تقديم نسق فكري – فلسفي متماسك وممتد في آفاقه بينما يبدو (نيتشه) قصير النفس حيث تتسم شذراته أو فقراته بتدفق انفعالي وعاطفي كاسح يجعلك تلهث وراء فهمه وتتبع أثره الفكري، وما بين النفس الطويل والقصير تتحدد اختياراتنا ما بين عقلانية رصنية تتحلى بالصبر وفي المقابل تدفق غريزي انفعالي وعاطفي متوهج.
ومن دهشة الرجل الإيطالي لماراثون النفس مع تدخين الشيشة إلى دهشتنا بأنفسنا والعالم من حولنا تكون صورة قدرتنا على تحمل الحياة وإدراك معانيها بأسلوب النفس الطويل أو الاحتجاج والتمرد على معناها بأسلوب النفس القصير حيث الاشتباك مع الحياة بتدفق انفعالي لحظي وعاطفي.
وتظل المشكلة القائمة في مسألة النفس الطويل هي كيفية التعامل بين من هم يجيدون هذه السياسة وآخرين ليس لديهم قدرة على النفس الطويل، بل غير صبورين ومندفعين بحماس في تعاملاتهم، وبالتالي أحكامهم.
ويدعونا المبدع “سيد حجاب” لاتباع أسلوب النفس الطويل عندما يقول: شاهت وشوشنا… تهنا بين شين وزين ولسه ياما وياما حنشوف كمان، وينفلت من بين ايدينا الزمان.








