الإثنين, نوفمبر 10, 2025
  • سياسة الخصوصية
  • إتصل بنا – جريدة الجمهورية
  • من نحن

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفي

جريدة الجمهورية

رئيس التحرير

أحمد أيوب

  • الرئيسية
  • أخبار مصر
  • ملفات
  • مدارس و جامعات
  • محافظات
  • رياضة
  • برلمان و أحزاب
  • فن و ثقافة
  • حوادث و قضايا
  • المزيد
    • تكنولوجيا
    • عرب و عالم
    • إقتصاد و بنوك
    • الجمهورية معاك
    • منوعات
    • متابعات
    • أجراس الأحد
    • عالم واحد
    • مع الجماهير
    • العـدد الورقـي
    • مقال رئيس التحرير
لا توجد نتائج
كل النتائج
  • الرئيسية
  • أخبار مصر
  • ملفات
  • مدارس و جامعات
  • محافظات
  • رياضة
  • برلمان و أحزاب
  • فن و ثقافة
  • حوادث و قضايا
  • المزيد
    • تكنولوجيا
    • عرب و عالم
    • إقتصاد و بنوك
    • الجمهورية معاك
    • منوعات
    • متابعات
    • أجراس الأحد
    • عالم واحد
    • مع الجماهير
    • العـدد الورقـي
    • مقال رئيس التحرير
لا توجد نتائج
كل النتائج
جريدة الجمهورية
لا توجد نتائج
كل النتائج
الرئيسية ملفات

استعادة المصريين لهويتهم فى المتحف المصرى الكبير

علامة وطنية عالمية للقوة والقدرة على البناء

بقلم جريدة الجمهورية
9 نوفمبر، 2025
في ملفات
السوبر لـ«السوبر» الأهلى والزمالك قمة جماهيرية فى الأراضى الإماراتية
0
مشاهدات
شارك على فيسبوكواتس اب

أحمد ناجى قمحة

رئيس تحرير مجلتى السياسة الدولية والديمقراطية بالأهرام

شهدت مصر فى الأول من نوفمبر 2025 حدثًا ثقافيًا استثنائيًا تمثل فى الافتتاح الرسمى للمتحف المصرى الكبير «Grand Egyptian Museum»، الذى يُعد أكبر متحف فى العالم مخصصًا لحضارة واحدة، ويضم أكثر من 100,000 قطعة أثرية، منها المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون التى تُعرض لأول مرة منذ اكتشافها عام 1922. وتجاوزت أهمية الحدث قيمته المعمارية التى بلغت نحو مليار دولار، لتنعكس فى المشاركة الشعبية غير المسبوقة التى تحولت إلى احتفال وطنى واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعى.

يأتى هذا الافتتاح تتويجًا لعقدين من الجهود التى تأثرت بالتحولات السياسية منذ 2011 وجائحة كورونا والتوترات الإقليمية، قبل أن يُعلن عن المشروع فى احتفال عالمى جمع بين الأصالة والتكنولوجيا. وتميزت المشاركة الشعبية بطابع رقمى، حيث استخدم المصريون الذكاء الاصطناعى لتجسيد أنفسهم فى هيئة ملوك وملكات قدماء، وانتشرت هاشتاجات مثل #GrandEgyptianMuseumو*#Pharaohs*، بما يعكس تحول الهوية الثقافية إلى ممارسة تفاعلية فى العصر الرقمى.

كما استقطب المتحف أكثر من 18,000 زائر فى اليوم الأول لافتتاحه للعامة فى 4 نوفمبر، مما أكد دوره فى تنشيط السياحة وتعزيز الصورة الدولية لمصر كمركز حضارى ينافس متاحف عالمية مثل اللوفر والمتحف البريطانى.

صُمم المتحف على يد مكتبHeneghanPengالأيرلندي، فى تزاوج بين الحداثة والرموز الفرعونية، حيث تطل واجهته الزجاجية على الأهرامات لتجسّد الصلة البصرية بين العصور. أما من الداخل، فتتيح القاعات التفاعلية وتقنيات الواقع الافتراضى للزوار استكشاف المقابر الفرعونية، فى تجربة تُبرز فكرة أن التراث المصرى كيان حى ومتجدد. وهكذا يشكّل المتحف استثمارًا استراتيجيًا بقيمة مليار دولار يوظف التاريخ كأداة للتنمية الاقتصادية والثقافية.

من هذا المنطلق، تبرز إشكالية أنثروبولوجية مركزية: لماذا يميل مجتمع معاصر إلى استدعاء رموزه الحضارية القديمة فى لحظة رقمية حديثة؟ هل هو حنين إلى الماضي، أم آلية للدفاع الثقافى واستعادة التماسك فى ظل تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية عميقة؟ فى ضوء الأنثروبولوجيا الثقافية، يمكن فهم هذا الاستدعاء كاستجابة لهويات مهددة بفعل العولمة، وكآلية مقاومة رمزية ضد الصور النمطية التى تحصر مصر فى كونها «بلدًا قديمًا» فقط.

لقد تحولت الاحتفالية من مجرد حدث بصرى إلى فعل رمزى يعيد تشكيل الهوية الجماعية. فتمثيل الذات كفرعون على المنصات الرقمية ليس «تريندًا»، بل ممارسة رمزية تعيد تعريف العلاقة بين الفرد وتاريخه. وهنا تلتقى الظاهرة مع مفاهيم مثل «الهوية السائلة» لزيجمونتباومان، حيث يسعى الأفراد فى عالم متغير إلى رموز صلبة تمنحهم الثبات، ومع «الهوية الهجينة» لـ«هومى بهابها» التى تدمج الماضى بالحاضر، و«الأداء الهوياتى» لجوديثباتلر حيث يصبح استدعاء التراث فعلًا يعيد إنتاج الذات.

وانطلاقًا من هذه المقاربة، يهدف المقال إلى تحليل الظاهرة ضمن إطار نظرى مركب يشمل أربعة مداخل أنثروبولوجية رئيسة:

1- الذاكرة الجماعية «Maurice Halbwachs»

2- الهوية الثقافية طويلة المدى «Jan Assmann»

3- طقوس العبور والتحول «Victor Turner»

4- رأس المال الرمزى واقتصاد المعنى «Pierre Bourdieu»

كما يتقاطع التحليل مع مفاهيم مكمّلة فى دراسات الإعلام والهوية، مثل الذاكرة الرقمية والهويات الهجينة، لفهم كيفية اندماج التقاليد مع التكنولوجيا فى إعادة إنتاج الهوية المصرية المعاصرة.

وتفترض الدراسة أن الاحتفالية الشعبية فى افتتاح المتحف المصرى الكبير تمثل عملية استعادة نشطة للهوية الوطنية وليست تجميلًا للماضي، حيث يُستدعى التاريخ كأداة تنظيم نفسى وثقافى لمواجهة المستقبل، كما يتجلى فى التفاعل الشعبى الرقمى الذى جمع بين الحنين والانتماء والإبداع التكنولوجي.

١. قراءة أنثروبولوجية لظواهر استدعاء الهوية

أولاً: الذاكرة الجماعية

الماضى لا يقبع فى الخلف، بل فى الداخل «Maurice Halbwachs» يرى موريس هالبواكس»1925» أن الذاكرة ليست مجرد عملية عقلية فردية، بل بناء اجتماعى تُنتجه الجماعة وتعيد تشكيله وفق احتياجاتها الحالية. فالذاكرة ليست ما نتذكره، بل ما نعيد إحياءه. وفق هذا المفهوم، لا تعبر صور المصريين بزى فرعونى عن عودة للماضي، بل عن استخدام الماضى كاستراتيجية هوياتية للحاضر. فالفرد لا يتذكر التاريخ كما هو، بل كما تفرضه الجماعة عليه كى يحافظ على تماسكه. وبالتالي، حين يقوم المصرى بتجسيد نفسه على هيئة مصرى قديم باستخدام الذكاء الاصطناعي، فهو لا يقلد المصريون القدماء ولا يسعى للانتماء الرمزى لهم فقط، بل يستخدم الذاكرة الجمعية كآلية لإنتاج معنى للذات داخل الحاضر. هنا تتحول الذاكرة من «استرجاع» إلى إنتاج للهوية.

هنا، يمكننا النظر إلى كيفية عمل الذاكرة الجماعية فى السياق الرقمي. ففى دراسات حديثة حول الذاكرة الرقمية، يُشار إلى أن وسائل التواصل تحول الذاكرة من بناء جماعى تقليدى إلى بناء تفاعلى فوري. فالأمر ليس مجرد تعبير فردي، بل يعزز الذاكرة الجماعية من خلال المشاركة الرقمية، حيث يحصل على إعجابات وإعادة نشر، مما يبنى شبكة من الذاكرة المشتركة.

فى الواقع، خلال الأيام القليلة بعد الافتتاح، شهدت منصات مثلInstagramآلاف المنشورات المماثلة، حيث تحول مشاهير مثل شاه روخ خان إلى صور للمصريين القدماء عبر الـ AI، مما يعكس كيف أصبحت الذاكرة أداة عابرة للحدود الثقافية. هذا التوسع يجعل الذاكرة ليست فقط جماعية محليًا، بل عالمية، حيث يشارك غير المصريين فى إحياء الرموز الفرعونية، مما يعزز من قيمة الهوية المصرية فى السياق الدولي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن ربط هذا بدراسات عن «الذاكرة الاصطناعية»، حيث يساعد الذكاء الاصطناعى فى إعادة بناء الماضى بطريقة شخصية، مما يجعل الذاكرة أكثر حيوية وتفاعلية. هذا يعنى أن الذاكرة لم تعد سلبية، بل أصبحت عملية إنتاجية، حيث يساهم كل فرد فى تعزيز الرواية الجماعية، خاصة فى لحظات مثل الافتتاح التى تتطلب تأكيد التماسك الاجتماعي. كذلك، فى سياق مصري، بصبح المتحف إطارًا جديدًا لإعادة إحياء الذاكرة الفرعونية كأداة للتماسك فى أعقاب التحديات الاجتماعية وما مرت به مصر من اضطرابات على مدار العقد ونصف المنصرم.

ثانيًا: الهوية الثقافية طويلة المدى 

الشعوب لا تخاف حين تتذكر «Jan Assmann»، يقدم چان أسمان مفهوم الهوية الثقافية طويلة المدى، المميزة للكيانات الحضارية ذات التاريخ الممتد. فالهوية ليست فقط هوية سياسية تتغير بتغير النظام أو الاقتصاد، بل هناك هوية أعمق تتجذر عبر آلاف السنين وتظل حاضرة حتى بعد تغير كل شيء آخر. فى الحالة المصرية، يشكل التاريخ المصرى القديم خزانًا للهوية العميقة. وحين يواجه المجتمع ضغوطًا سياسية أو اقتصادية أو وجدانية، فإن الأفراد يلجؤون إلى هذا الخزان لتأكيد استمراريتهم عبر الزمن. لهذا، فإن ارتداء زى مصرى قديم فى افتتاح المتحف لا يعنى التماهى مع الماضى بقدر ما يعني: «أنا لست بلا جذور». 

هذا هو الفرق بين الحنين إلى الماضى والوعى بالهوية. هنا، يمكننا ربط مفهوم «أسمان» بالأمثلة التاريخية الموسعة. الهوية طويلة المدى ليست ثابتة، بل تتطور مع الزمن. فى الافتتاح، لم يكن المتحف مجرد عرض للآثار، بل ربط بين الماضى والحاضر من خلال تصميمه الحديث، كما أن مشاركة الجمهور فى الاحتفالات، مثل تلك الموثقة على Facebook حيث يشارك الناس صور الافتتاح من السماء لرسومات خاصة بالحضارة المصرية القديمة صممت بالطائرات بدون طيار، تعكس كيف أصبحت الهوية أداة لمواجهة التحديات المعاصرة مثل العولمة.

على سبيل المثال، تغريدة تقول: «الطرق كلها رسوم فرعونية والناس كلها بتتكلم عن افتتاح المتحف… الفخر مليون مرة بمصريتنا»، حصلت على آلاف الإعجابات، مما يبنى هوية جماعية طويلة المدى فى اللحظة الراهنة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن مقارنة هذا مع حضارات أخري، مثل اليونان التى تستدعى رموزها فى أحداث مثل الأولمبياد، أو الصين مع جدارها العظيم، حيث تكون الهوية طويلة المدى مصدر قوة فى مواجهة التحديات الحديثة. فى مصر، يعزز المتحف هذه الهوية بإعادة عرض قارب الشمس لخوفو، رمز الخلود، مما يذكر المصريين بأن حضارتهم ليست ماضيًا منتهيًا، بل مصدر استمرارية. هذا الوعى يقلل من الخوف من المستقبل، كما يقول «أسمان»، لأن الشعوب التى تتذكر جذورها تكتسب قوة نفسية للتعامل مع التغييرات. كذلك، تكون هذه الهوية أداة لاستعادة السيادة الثقافية، حيث يصبح المتحف ردًا على سرقة الآثار فى العصور الاستعمارية، ويؤكد أن مصر تمتلك خزانًا ثقافيًا يفوق أى حضارة أخرى فى عمقه التاريخي.

ثالثًا: طقوس العبور والتحولات الرمزية

يشير فيكتور تيرنر «Victor Turner» إلى مفهوم العبور الحدى «liminality»، وهى اللحظات التى تتوقف فيه الحدود بين الماضى والمستقبل، وفيها تصبح الهوية قابلة لإعادة التشكيل. هذه اللحظات تتميز بطقوس انتقالية يقوم بها الأفراد تعبيرًا عن عبورهم من حالة إلى أخري. 

الافتتاح كان لحظة عبور حدى بين حضارة محفورة فى المتاحف وحضارة تُعاد إلى الوعى المعاصر. لذا، فإن ارتداء رموز الحضارة يتحول هنا إلى طقس عبور ثقافي، يعلن أن مصر لم تعد «صاحبة تاريخ»، بل «فاعلة فى التاريخ».

هذا المفهوم ينطبق على الاحتفالات الرقمية أيضًا. فخلال الافتتاح، أصبحت المنصات الرقمية فضاءً حديًا واضحًا، حيث يعبر الأفراد من هويتهم اليومية إلى هوية فرعونية. مما يخلق مجتمعًا مؤقتًا متحدًا بالفخر. كما أن الاحتفال بالألعاب النارية فوق المتحف، يمثل طقسًا بصريًا يعبر عن التحول من الماضى إلى المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن ربط هذا بطقوس أخرى فى الثقافات الأفريقية أو الشرق أوسطية، حيث تكون الاحتفالات لحظات لإعادة تشكيل الهوية، مثل مهرجانات فى الهند أو أفريقيا. فى مصر، كان الافتتاح طقسًا يجمع بين الرسمى والشعبي، مع عروض درونات بلغ عددها 5000 رسمت رموزًا فرعونية، مما يتطلب جهدًا تقنيًا هائلًا، كما ذكر مستخدمون على X، ليصبح الطقس مزيجًا بين التقليدى والحديث. هذا المزيج يجعل هذه اللحظة الحدية أكثر تعقيدًا، حيث يصبح العبور الحنينى ليس فقط جسديًا بل رقميًا، مما يوسع نطاق المشاركة إلى ملايين عبر العالم، ويحول الافتتاح إلى حدث عالمى يعيد تشكيل الهوية المصرية باعتبارها ديناميكية وغير ثابتة، بحيث يصبح الإنترنت فضاءً للعبور الثقافى.

رابعًا: رأس المال الرمزى واقتصاد المعني

يذهب بيار بورديو «Pierre Bourdieu» إلى أن الإنسان لا يعيش فقط من رأس المال الاقتصادي، بل يحتاج رأس مال رمزى يدعم قيمته المعنوية والاجتماعية. فى عالم باتت فيه الصور معيار القوة الناعمة، تتحول الحضارة الفرعونية إلى رأس مال رمزى قابل للاستخدام والتوظيف والتداول. المتحف هنا ليس مبني، بل استثمار رمزى فى صورة الدولة، فى قيمة المجتمع، فى الثقة بالذات الوطنية. وبالتالي، مشاركة المصرى بصورته كفرعون ليست فعلًا ترفيهيًا بل إعلان امتلاك رأس مال رمزى عالمى.

بورديو يرى أن الرموز تكتسب قيمة من خلال الاعتراف الاجتماعي، وهنا الاعتراف العالمى للمتحف يعزز من رأس المال المصري. كما أن الدعوة لاستعادة الآثار المهربة والمنهوبة من داخل الاحتفالية تعكس كيف أصبحت الاحتفالية أداة سياسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن مقارنة هذا مع اقتصاد التراث فى دول مثل فرنسا أو إيطاليا، حيث يصبح المتحف مصدر دخل، لكن فى مصر، يجمع بين الرمزى والاقتصادي، مع توقعات بزيادة السياحة إلى ملايين الزوار. هذا الاستثمار يمتد إلى القطاع الخاص، حيث بدأت شركات خدمية كبرى فى قطاعات النقل والاتصالات فى استخدام رموز فرعونية فى حملاتها الترويجية فى مصر، مما يحول التراث إلى سلعة رمزية تعزز من الاقتصاد المحلى.

2-سعى المصريين لاستعادة هويتهم عند افتتاح المتحف

هنا، نجد أن الأمر له محددات وأبعاد، نوجزها فيما يلى: 

أولًا: المتحف يمثل عودة مادية للذاكرة

الذاكرة فى مصر ليست مجرد نصوص أو حكايات، بل ذاكرة مادية قابلة لللمس والرؤية. المتحف المصرى الكبير أعاد هذه الذاكرة إلى المجال العام، حيث أصبح الماضى فيزيائيًا قابعًا أمام العين. التمثال العملاق لرمسيس الثانى فى بهو المتحف لا يقدم «معلومة»، بل يقدم دليلًا ماديًا على الامتداد التاريخى وإعادته لقيمته وتمركزه فى المكان الصحيح. فالتمثال نفسه نقل من ميدان رمسيس فى عملية معقدة استمرت سنوات، ويرمز الآن إلى عودة التراث إلى سياقه الطبيعى قرب الأهرامات.

ثانيًا: تحديات الهوية المصرية لتحديات عميقة منذ 2011 خلال العقد والنصف الماضي، شهد المجتمع المصرى تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية كبيرة، أنتجت قدرًا من الارتباك الهوياتي. وفى لحظات القلق الجماعي، تلجأ المجتمعات إلى الماضى لتستعيد ثباتها. لذا، فالاحتفال الشعبى ليس هروبًا من الحاضر، بل إعادة ضبط للذات الاجتماعية.

ثالثًا: الذاكرة الفرعونية تحمل بعدًا عالميًا.

الحضارة الفرعونية ليست موروثًا محليًا فقط، إنها علامة وطنية تجارية عالمية للقوة والقدرة على البناء والخلود. ومن يمتلك رمزًا عالميًا يملك قوة رمزية فى النظام الدولى. وبالتالى، فإن استعادة الماضى هنا ليست مسألة ثقافية فقط، بل أداة للقوة الناعمة.

رابعًا: التكنولوجيا أتاحت ترجمة الهوية بصريًا

هنا نجد أن تطبيقات الذكاء الاصطناعى المرتبطة بمنصات التواصل الاجتماعى قد جعلت الهوية قابلة للتجسيد الفورى بالصورة. لأول مرة، يستطيع الفرد أن يرى نفسه داخل سياق حضارى عمره آلاف السنين خلال ثوانٍ. الصورة هنا تتحول إلى وسيط هوياتي. المتحف فى هذا السياق ليس فقط ثقافيًا، بل يعزز الاقتصاد أيضًا، حيث يتوقع جذب ملايين الزوار. 

خامسًا: السياق الجيوسياسى

حيث يأتى الافتتاح فى وقت يشهد الشرق الأوسط توترات، فالاستعادة للهوية تصبح درعًا نفسيًا. وهو ما يساهم فى تعليم الأجيال الجديدة عن تراثهم، مما يعزز الهوية طويلة المدي، بما يجعل مصر مستقبلًا مركزًا ثقافيًا عالميًا. كذلك يدمج المتحف عناصر مستدامة مثل الطاقة الشمسية، رابطًا بين التراث والمستقبل البيئي. 

المثبت والذى ينبغى التركيز عليه، أن هذه ليست المرة الأولى التى تستدعى فيها مصر رموزها الحضارية فى لحظة تحوّل، فقد ظهرت الظاهرة نفسها فى الأحداث التالية:

نقل تمثال رمسيس الثانى من ميدان رمسيس إلى موقع المتحف «2006»، ثورة 30 يونيو 2013، الاكتتاب الشعبى لإنشاء قناة السويس الجديدة «2014»، موكب المومياوات الملكية «2021»، الأحداث الرياضية الكبرى التى تشارك فيها المنتخبات القومية أو الأندية المصرية وخلالها يرتدى المشجعون المصريون أزياء المصريين القدماء، حيث نجد أن اللافت للنظر أن هذه الأحداث جميعًا حدثت فى لحظات انتقالية، كان المجتمع فيها يحتاج إعادة تأكيد هويته الوسطية الضاربة بجذورها فى واحدة من أقدم حضارات الكون، لا سيما حين يكون المستقبل غير مؤكد، أو تواجهه تحديات جسيمة. كل هذه الحالات فى سياقها التاريخى والمجتمعي، تؤكد أن الهوية المصرية لا تُفرض من أعلي، بل تُستدعى من أسفل، من الجمهور، من الرغبة الجمعية فى إعادة تثبيت الذات واستعادة التوازن الهوياتى المهدد.

3- دلالات سلوك المصريين.

تكشف الظاهرة المدروسة فى افتتاح المتحف المصرى الكبير عن مجموعة من الدلالات العميقة التى تساعد فى فهم علاقة المجتمع المصرى بذاكرته الثقافية وهويته الحضارية، وذلك عبر الأبعاد التالية:

أولًا: الهوية المصرية هوية فاعلة وليست مُصنعة توضح التحليلات أن الهوية الحضارية فى مصر لا تُعامل بوصفها ماضيًا محصورًا فى المتاحف أو الكتب، بل بوصفها موردًا فاعلاً قابلًا للتوظيف فى اللحظة الراهنة. لا يستعيد المجتمع رموزه لتجميل الاحتفالات، بل ليعيد تأكيد موقعه داخل التاريخ. هنا يصبح الماضى جزءًا من الحاضر لا منافسًا له، بل أداة لبناء المستقبل. هذه الدلالة تتفق مع رؤية چان أسمان الذى يميز بين الذاكرة التذكارية «ذكر الماضى بوصفه حدثًا»، والذاكرة الثقافية «استخدام الماضى بوصفه مرجعًا مستمرًا». فالهوية المصرية تظهر من النوع الثانى – ذاكرة مستمرة تعمل فى الزمن.

ثانيًا: من «الاستهلاك الثقافي» إلى «الإنتاج الرمزي» 

لم يكن المصريون فى الاحتفالية مجرد متلقين لمنتَج ثقافى «المتحف»، بل منتجون للرموز والهويات عبر الصورة والسلوك. حيث أن استخدام الذكاء الاصطناعى أو ارتداء الزى الفرعوني، يعكسان مبادرة ذاتية لا تمر عبر طلب أو توجيه من المؤسسات الرسمية فى الدولة، بل هو استجابة للرغبة الشعبية فى التعبير عن الفخر الوطني. هذه السلوكيات تكسر نموذج الثقافة من أعلى إلى أسفل، وتستبدله بنموذج ثقافة من أسفل إلى أعلي، حيث يصبح المواطن فاعلًا فى تعريف ثقافة بلاده أمام نفسه والعالم. وهذا يتسق مع مقولة بورديو: «الرمز قوة حين يؤمن به الناس».

ثالثًا: استعادة المعنى فى عالم سريع التحول 

فى زمن عالمى يتسم بالسرعة، بالسيولة فى الهوية كما أشار «Bauman»، وبالضبابية فى المستقبل، تُظهر الظاهرة أن المجتمعات تحتاج إطاراً ثابتاً لاختبار معنى وجودها. حيث نجد أن الحضارة الفرعونية تعمل هنا كمرساة للوعى الجمعي. فالعودة إلى جذور ضاربة فى التاريخ تمنح الأفراد حصانة ضد القلق الوجودى الناتج عن عدم اليقين. وبالتالي، فالاحتفالية ليست ترفًا، بل آلية دفاع ثقافى تمكّن المجتمع من تنظيم علاقته بالحاضر عبر الماضي.

رابعًا: تحول الهوية من ملكية للدولة إلى ملكية للجمهور 

تبين الظاهرة انتقال ملكية الرمز الحضارى من المؤسسات الرسمية إلى المجال العام. لم تنتج الدولة الاحتفالية عبر منصات التواصل الاجتماعي، بل المجتمع هو الذى أنتجها. هنا تتغير علاقة المواطن مع رموزه التاريخية من علاقة «تلقّي» إلى علاقة امتلاك وتمثيل. هو تحول إلى «هذا تراثى الشخصي».

خامسًا: المتحف كفضاء لإعادة إنتاج الذاكرة 

لم يعد المتحف مكانًا تُعرض فيه القطع الأثرية، بل مسرحًا لإعادة صياغة الهوية. فالحدث لم يُفعّل الذاكرة عبر المحاضرات أو المنشورات، بل عبر ارتباط حسي/بصرى مباشر بالرموز، وهو ما يُسمّى فى الأنثروبولوجيا بالذاكرة المتجسدة فى الجسد والصورة.

سادسًا: التأثير على الهوية الجيلية 

الشباب المصرى أو GEN Z، الذى يشكل غالبية مستخدمى الذكاء الاصطناعي، يعيد تشكيل الهوية بطريقة حديثة، كما فى فيديوهاته على X حيث يقولون «Welcome to the greatest pharaonic civilization». هذا يجعل الهوية مستدامة عبر الأجيال. 

سابعًا: الدلالة السياسية

حيث يعزز المتحف صورة الدولة كحارسة للتراث، كما فى كلمة الرئيس السيسى فى الحفل. كما وفرت الاحتفالية إحساسًا بالانتصار الجماعى ضد التحديات، مما يعزز الصحة النفسية الاجتماعية لمجابهة آثار التحديات السياسية الإقليمية والدولية، والتأكيد على مكانة مصر الريادية وثوابتها فى نشر قيم السلام والتعاون والمحبة والتسامح. فما من شك أن الجمع بين الأجيال المختلفة من موسيقيين من دول مختلفة فى احتفال مشترك، كما فى فيديو «العالم يعزف لحنًا واحدًا»، بعمق من هذه الرسائل التى أرادت مصر أن تصل للعالم باعتبارها «رسالة سلام للإنسانية» 

ختامًا، يمكن القول إن الاحتفالية الشعبية بافتتاح المتحف المصرى الكبير لم تكن مجرد لحظة فرح عابرة، بل حدثًا أنثروبولوجيًا كاشفًا لمسار تشكّل الهوية المصرية المعاصرة. فهي، وفق منظور الذاكرة الجماعية عند هالبواكس، تمثّل فعلًا واعيًا لإحياء الذاكرة الوطنية عبر الرموز، حيث استُدعى الماضى بوصفه ركيزة للاستقرار لا مجرد زينة. ووفق أسمان، أثبتت التجربة أن الحضارات لا تزول بالنسيان، بل حين تتوقف الشعوب عن استحضارها.

أما فيكتور تيرنر، فيتيح فهمها كـ«طقس عبور» من علاقة ساكنة بالماضى إلى علاقة ديناميكية تمنح الحاضر معني، بينما يوضح بورديو كيف تحوّل رأس المال الرمزى إلى طاقة اجتماعية منتجة للثقة والانتماء.

لقد أبرز الحدث أن المصريين يتعاملون مع تاريخهم كمشروع مستمر للخلود، وأن استدعاء الماضى يمثل استراتيجية تمكين لا حنينًا. بذلك يصبح افتتاح المتحف المصرى الكبير ليس مجرد إنجاز ثقافي، بل لحظة مفصلية فى إعادة تعريف الهوية المصرية الحديثة: هوية متصالحة مع ماضيها، منفتحة على مستقبلها. فالأمم التى تعرف جذورها تعرف طريقها، ومصر تبنى مستقبلها على ذاكرة حضارية ممتدة سبعة آلاف عام.

كما يفتح الحدث آفاقًا لدراسات مستقبلية فى الأنثروبولوجيا الرقمية، حيث تتقاطع الهوية مع الفضاءات الخوارزمية، فيما تؤكد التغطية العالمية الواسعة «بأكثر من 750 وسيلة إعلامية بنسبة 98٪ معالجة إيجابية» قدرة مصر على توظيف تراثها فى التنمية وتعزيز قوتها الناعمة. فى النهاية، لا يمثل المتحف بناءً فخمًا بقدر ما هو جسر بين العصور، يثبت أن الحضارات العظيمة لا تموت بل تتجدد، وأن مصر لا تزال تقدم للعالم نموذجًا فريدًا فى تحويل الذاكرة إلى مشروع وطنى للمستقبل ويُضاف إلى ذلك أن هذا الحدث يجسد لحظة استعادة الوعى المصرى بذاته الحضارية فى زمن تتقاطع فيه الهويات مع التكنولوجيا والعولمة. فالمتحف لا يستعيد الماضى فحسب، بل يعيد صياغة علاقة المصريين بالعالم ويعيد تعريف الهوية، مؤكدًا أن الذاكرة حين تتحول إلى رؤية خلاقة، تصبح أداة لصناعة مستقبل أكثر رسوخًا وإبداعًا واستقلالًا وثقة بالمصير الوطنى المشترك.

متعلق مقالات

الزمالك يعد بمكافآت كبيرة
ملفات

الأعماق السحيقة تعيد رسم الخريطة البترولية  المصرية 

5 نوفمبر، 2025
الزمالك يعد بمكافآت كبيرة
ملفات

«عيون موسى».. المحطة المحورية لخدمة تنمية أرض الفيروز

5 نوفمبر، 2025
الزمالك يعد بمكافآت كبيرة
ملفات

شبكات الصرف الصحى تصل 141 قرية محرومة بتكلفة 11 مليار جنيه

5 نوفمبر، 2025
المقالة التالية
السوبر لـ«السوبر» الأهلى والزمالك قمة جماهيرية فى الأراضى الإماراتية

هجوم روسى على منشآت الطاقة الأوكرانية

اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ملحق الجمهورية التعليمي

الأكثر قراءة

  • من الميدان إلى البرلمان.. «السد العالي» محمود النعماني يخوض انتخابات شبين الكوم بشرف ونزاهة

    من الميدان إلى البرلمان.. «السد العالي» محمود النعماني يخوض انتخابات شبين الكوم بشرف ونزاهة

    0 مشاركات
    شارك 0 تغريدة 0
  • انخفاض أسعار النفط… نعمةٌ في ظاهرها وتحدٍّ في باطنها

    0 مشاركات
    شارك 0 تغريدة 0
  • كل ما عليك معرفته عن برج الثور الرجل

    0 مشاركات
    شارك 0 تغريدة 0
  • النائب محمد السعيد: المشاركة فى التصويت واجب وطنى.. وصندوق الانتخابات هو الحكم

    0 مشاركات
    شارك 0 تغريدة 0
لوجو جريدة الجمهورية
جريدة الجمهورية هي صحيفة قومية أنشأتها ثورة 23 يوليو عام 1952, صدر العدد الأول منها في 7 ديسمبر 1953م, وكان الرئيس الراحل محمد أنور السادات هو أول مدير عام لها, ثم تعاقب على رئاسة تحريرها العديد من الصحفيين ويتولي هذا المنصب حالياً الكاتب الصحفي أحمد أيوب.

تصنيفات

  • أجراس الأحد
  • أخبار مصر
  • أهـلًا رمضـان
  • أهم الأخبار
  • إقتصاد و بنوك
  • الجمهورية أوتو
  • الجمهورية معاك
  • الدين للحياة
  • العـدد الورقـي
  • برلمان و أحزاب
  • تكنولوجيا
  • حلـوة يا بلـدى
  • حوادث و قضايا
  • رياضة
  • سـت الستـات
  • شهر الفرحة
  • عاجل
  • عالم واحد
  • عالمية
  • عرب و عالم
  • عقارات
  • فن و ثقافة
  • متابعات
  • مجتمـع «الجمهورية»
  • محافظات
  • محلية
  • مدارس و جامعات
  • مع الجماهير
  • مقال رئيس التحرير
  • مقالات
  • ملفات
  • منوعات

أحدث الأخبار

مدبولي.. أمام القمة العالمية لصناعة التعهيد: الحكومة نفذت إصلاحات هيكلية شاملة لتبسيط إجراءات الاستثمار

مدبولي.. أمام القمة العالمية لصناعة التعهيد: الحكومة نفذت إصلاحات هيكلية شاملة لتبسيط إجراءات الاستثمار

بقلم جيهان حسن
9 نوفمبر، 2025

رئيس الوزراء يشهد توقيع عدد من مذكرات التفاهم في مجال صناعة التعهيد وتصدير الخدمات الرقمية

رئيس الوزراء يشهد توقيع عدد من مذكرات التفاهم في مجال صناعة التعهيد وتصدير الخدمات الرقمية

بقلم جيهان حسن
9 نوفمبر، 2025

رئيس الوزراء يتابع مستجدات الموقف التنفيذي لمشروع مدينة رأس الحكمة بالساحل الشمالي

رئيس الوزراء يتابع مستجدات الموقف التنفيذي لمشروع مدينة رأس الحكمة بالساحل الشمالي

بقلم جيهان حسن
9 نوفمبر، 2025

  • سياسة الخصوصية
  • إتصل بنا – جريدة الجمهورية
  • من نحن

جميع حقوق النشر محفوظة لـ دار التحرير للطبع والنشر - 2024 ©

لا توجد نتائج
كل النتائج
  • الرئيسية
  • أخبار مصر
  • ملفات
  • مدارس و جامعات
  • محافظات
  • رياضة
  • برلمان و أحزاب
  • فن و ثقافة
  • حوادث و قضايا
  • المزيد
    • تكنولوجيا
    • عرب و عالم
    • إقتصاد و بنوك
    • الجمهورية معاك
    • منوعات
    • متابعات
    • أجراس الأحد
    • عالم واحد
    • مع الجماهير
    • العـدد الورقـي
    • مقال رئيس التحرير
إتصل بنا

جميع حقوق النشر محفوظة لـ دار التحرير للطبع والنشر - 2024 ©