فى كل مرة لجأت فيها للبحث داخل الموسوعة البريطانية (Britannica Encyclopaedia) والمعروفة عربيا بدائرة المعارف البريطانية وهى أشهر وأدق وأقدم الموسوعات وأشدها سعة واطلاعاً فى العالم، كنت أسأل نفس السؤال: لماذا لا نملك نحن العرب موسوعة عربية مثلها أو على الأقل تقترب منها؟ أليست اللغة العربية بتاريخها وعمقها وآدابها وفنونها وقدمها وديمومتها تستحق موسوعة شاملة ؟ ودائما كانت الإجابة نعم، لماذا فكر البريطانيون فى موسوعتهم قبلنا بقرون، فالموسوعة البريطانية تعد من أقدم الموسوعات المطبوعة باللغة الإنجليزية صدرت لأول مرة بين عامى 1768 م و1771 م فى مدينة إدنبرة الاسكتلندية، ونمت بسرعة بالحجم والشعبية.
الآن جاءت لى الإجابة وأنا فى إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، أحضر فعاليات معرض الشارقة الدولى للكتاب حيث أعلن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة فى حفل افتتاح المعرض عن الانتهاء من المرحلة الأولى للموسوعة العربية الشاملة فى العلوم والآداب والفنون والإعلام، بعدد 44 مجلّداً، ومبشرا أنه بإذن الله ستنتهى المرحلة الثانية فى نوفمبر 2026، والثالثة فى نوفمبر 2027، والرابعة فى نوفمبر 2028، لتكتمل بالكامل وتربط الجيل المعاصر بتاريخ أسلافهم، وأشار حاكم الشارقة فى كلمته إلى أن الموسوعة تهدف إلى التعريف بالعلوم والآداب وجميع الفروع العلمية المتعلقة باللغة العربية والعلوم الشرعية والعلوم الإنسانية وفيها عرض لتراجم وسير كل العلماء والفلاسفة والأدباء والشعرء واللغويين والمفسرين والخلفاء والملوك وغيرهم منذ نشأة تاريخ العرب مروراً بالحضارة الإسلامية وعلمائها وفلاسفتها وأعلامها الذين أغنوا المكتبة المعرفية الإنسانية بشتى المصنفات والكتب بمختلف المعارف والعلوم والآداب.
إنه بحق إنجاز عظيم يحسب لمسيرة إمارة الشارقة الممتدة على صعيد الثقافة والمعرفة، تثبت الشارقة دوما أن الثقافة يمكن اعتبارها مشروعاً قومياً بامتياز،مشروعاً لا يتقادم، ويسهل مواكبته لأى تحديث تقنى يطرأ على المجتمعات، الثقافة بإمكانها أن تبنى أمة وتكسبها طابعها الخاص، وسبق هذه الموسوعة إنجازات ثقافية أخري، كبيرة فى قيمتها وهدفها، أعلن عن الانتهاء منها أيضا فى دورات سابقة لمعرض الشارقة للكتاب منها على سبيل المثال المعجم التاريخيّ للغة العربية حيث اكتملت أجزاؤه الـ150.. وفى كل دورة من المعرض هناك مفاجأة عبارة عن إنجاز جديد.
صارت إمارة الشارقة هى نفسها مشروع ثقافى كبير يتواصل العمل فيه لما يزيد على نصف القرن من الزمان على يد حاكمها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الرجل الحكيم المحب للعلم والثقافة، وبالمناسبة هو أيضا محب لمصر والمصريين، حيث درس فى جامعة القاهرة وله أياد بيضاء على العديد من المشروعات والمؤسسات العلمية والبحثية فى مصر، نذكر له موقفه العظيم مع المجمع العلمى بالقاهرة بعد واقعه الحريق الذى وقع بالمجمع عام 2011، والعديد من أبنية جامعة القاهرة وخاصة كلية الزراعة التى تخرج فيها قد ساهم فى تجديدها وتطويرها.
الشاهد أنه فى الشارقة نجد أن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى قد اتخذ من المعرفة نمطا للحكم وطريقا للنهوض بإمارته وآمن أن العلم والمعرفة من أنجح السبل للارتقاء بالإنسان، حتى صار الشارقيون فى حياتهم اليومية محبين للقراءة والمعارف، يكفى مثلا أن أقول لك إن المكتبة جزء أساسى فى كل بيوت الشارقة وتأتى قبل قطع الأثاث المعيشية المتعارف عليها، الكتاب صار فردا من أفراد الأسرة الكل يتواصل معه وبه.
لفت نظرى فى هذه الدورة من معرض الشارقة بنسخته الـ 44 شعارها الذى يقول (بينك وبين الكتاب)، كأنه يسأل ويجيب، فما بينك وبين الكتاب فى الشارقة سوى كل حب ولم تعد المسافة بينكما سوى أن تفتح الكتاب .
معرض الشارقة الدولى للكتاب الذى يقام هذا العام بمشاركة 2350 دار نشر و250 مبدعاً وأديباً ومفكراً من 66 دولة، يقدمون 1200 فعالية ثقافية وإبداعية وفنية، يعتبره أهل الشارقة بوجه خاص وأهل الإمارات عموما احتفالية قومية معرفية، فيها كل الأعمار والفئات والطبقات، الآن أوجدت فى الشارقة ثقافة اقتناء الكتاب.
من الأخبار المفرحة فى النسخة الـ 44 من المعرض، اختيار الكاتب المصرى الكبير محمد سلماوى شخصية العام الثقافية والاحتفاء به وبإبداعه وتجربته وتاريخه ورحلته، وهو أيضا احتفاء بمصر ومبدعيها والتى كانت دوما على تواصل ومشاركة مع الشارقة وثقافتها.
وفى سياق متصل تحتفل الشارقة هذا العام بمرور قرن من الزمان على افتتاح أول مكتبة بالشارقة فى العام 1925، ومنذ ذلك التاريخ عاما بعد عام تضع الشارقة لبنة جديدة فى بنائها الثقافى الكبير، وتثبت أن الرهان على الثقافة لا يخسر أبدا.









