التكنولوجيا وحدها لن تحقق التنمية، ولكي يتسنى تحقيق إمكاناتها بشكل كامل، علينا أن نعطي الأولوية للناس قبل كل شيء، وهذا يعني تنفيذ استثمارات إستراتيجية في مجالات الصحة والتعليم والحماية والمهارات الرقمية، حتى يتمكن الناس من المشاركة في الابتكار والاستفادة منه وحمايتهم من الضرر.
قد ينسى البعض أن التكنولوجيا ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لخدمة الإنسان. إن القيمة الحقيقية لأي ابتكار رقمي لا تُقاس بعدد التطبيقات أو الأجهزة الذكية، بل بمدى قدرته على تحسين حياة الناس، وخلق فرص جديدة، وتوسيع آفاق التنمية، التكنولوجيا لا تُحدث التغيير إلا حين تُوضع في خدمة البشر.
في عالم تتسارع فيه الخطوات نحو الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، يبقى رأس المال البشري- الصحة، التعليم، المهارات، والخيال الإبداعي- هو الأصل الأثمن والأكثر استدامة. فبدون الإنسان الواعي، المتعلم، القادر على التعامل مع الأدوات الرقمية، لا قيمة لتلك الأدوات مهما بلغت من تطور.
لقد رأينا كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُحدث فرقًا حقيقيًا عندما توظّف لخدمة أهداف نبيلة، تُسهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في دعم الأطباء وتشخيص الحالات المرضية بدقة، وتساعد البرامج الذكية المعلمين على تصميم دروس تتناسب مع احتياجات كل طالب، وتُسهم أدوات التحليل الرقمي في تحسين التعليم والتمويل الإنساني للأسر محدودة الدخل.
لكن في المقابل، ما زالت الفجوة الرقمية تضع ملايين البشر على الهامش، بعيدًا عن الاستفادة من ثمار الثورة الرقمية. فالأجهزة باهظة الثمن، والإنترنت غير مستقر أو باهظ التكلفة، والمهارات الرقمية لا تزال حكرًا على الأقلية.
وهنا يبرز الدور الحاسم للحكومات في وضع سياسات رقمية عادلة وشاملة، تضمن وصول التكنولوجيا إلى الجميع، لا سيما الفئات الأكثر احتياجًا. فالتنمية الرقمية لا تتحقق إلا عندما تتحول من مشروع تقني إلى مشروع إنساني، إن العالم يتجه نحو مستقبل لا مكان فيه للانعزال أو البطء في التفاعل مع التحول الرقمي، لكن السباق الحقيقي ليس في سرعة الإنترنت أو حجم البيانات، بل في قدرتنا على جعل التكنولوجيا إنسانية.
إن الاستثمار في رأس المال البشري، في التعليم والمهارات والإبداع، هو الضمان الوحيد لأن يكون التحول الرقمي أداة للعدالة لا وسيلة للتمييز.. فحين يكون الناس أولاً، تصبح التكنولوجيا حليفة للتنمية لا مجرد صدى للتقدم.








