عاشت التجارة المصرية عقودا من التخبط حيث كانت الفوضى ضاربة بجذورها فى أعماق صادراتها ووارداتها، هذه الحالة الفوضوية الشاملة خرجت من رحم الجمود الإدارى وفى حراسة أصحاب المصالح الذى قاوموا ومازالوا يقاومون كل عمليات الإصلاح الحقيقية لمنظومة التجارة المصرية، كانت البيانات والأرقام والإحصاءات غير دقيقة وربما كان معظمها «مضروب»، جهات عديدة مسئولة عن حركة التجارة المصرية من واردات وصادرات وترانزيت، ولكل جهة قاعدة بيانات خاصة بها، وكل جهة تابعة لوزارة مختلفة، وكل وزارة تضع لنفسها حزمة أهداف خاصة قد تكون متضاربة مع باقى الأهداف، لقد كان واقع التجارة المصرية شديد التعقيد، حيث كانت حركة الاستيراد محكومة ببيانات مضروبة وأسعار وهمية بقصد التهرب من الضريبة الجمركية، وكانت طرق التهريب كلاسيكية ومبتكرة، لكن أخطرها هو وجود نظام «الكحول»، وكذلك فكرة تمييع المسئوليات وتضبيب مجال الرؤية، البوالص ترد مدونا عليها عبارة مسمومة وتاريخية وقاتلة فى خانة نوع البضاعة وهى عبارة» يقال إنها تحتوى على»، أو عبارة أخرى أكثر خطورة ترد فى معظم البوالص فى خانة نوع البضاعة حيث يدوِّن عبارة «بضائع عامة» دون تحديد نوع البضائع العامة أهى دواء أم مخدرات، المصدر مجهول النسب والمستورد ساقط قيد ولا يبقى أمام الجهات المعنية إلا الناقل أو وكيل الشحن، من هنا ظهر «المهمل» والذى اكتظت به الموانئ والساحات المصرية، أطنان من البضائع ومئات الحاويات موجودة فى الساحات ولا يعلم أحد ما بداخلها ولا يعرف أحد على وجه التحديد أصحابها من يكونون، ما جرى فى ميناء بيروت أيقظ الجميع من سبات الفوضى، القيادة السياسية وجّهت ونبهت وحذرت، اليوم نحن فى مرحلة جديدة من التعامل مع ملف التجارة برمته، إصلاح جذرى وهيكلى وشامل ومترابط، مجموعة اقتصادية متناغمة تفتح ذراعيها للقطاع الخاص بحق ودون لقطات، سياسات مالية ومصرفية وتجارية منضبطة، الرقمنة والميكنة هى عنوان المرحلة الدقيقة التى تعيش فى رحابها التجارة المصرية، تعاون وثيق بين الوزراء المعنيين أفضى إلى منظومة عالمية فى طريقها للاكتمال، معتمدة على الرقمنة والذكاء الاصطناعى، اليوم لدينا قاعدة بيانات ثرية وشاملة تساعد متخذ القرار على اتخاذ القرار، لدينا أهداف واضحة أن تتحول الموانئ لبوابات عبور وليس ساحات للتخزين، أن توقف حركة التهريب والتزوير، أن تتم حوكمة الإجراءات، ويصل زمن الإفراج عن البضائع إلى ساعات وليس أسابيع وأيام، وأن ترتفع الحصيلة بتوسيع دائرة الممولين، وأن يكون هناك رقابة على النقد الأجنبى واستخداماته، البطل الحقيقى هنا هو التعاون على قاعدة بيانات واحدة بفكر واحد ورؤية واحدة وهدف واحد.









