عندما تموت الضمائر.. وتنتحر الذمم.. وتغيب الإنسانية عن البشر.. يصبح كل شيء مستباحًا.. ويرتدى الباطل ثوب الحق.. ويتقمص المخادع الكاذب.. دور الواعظ.. ويلتحف النصاب بمسوح الرهبان.. ورغم أن الغش هو الغش.. والحرام هو الحرام.. إلا أن هناك نوعًا من الغش.. سم قاتل وجريمة مزدوجة.. قد يكون الإعدام هينًا فى عقوبتها.. فإذا كان مباحًا لدى بعض معدومى الضمير غش اللبن بالماء أو الزبد البلدى بالبطاطس المهروسة والسمن الصناعي.. فإنه نوع من الغش قد لا يسبب ضررًا ظاهرًا ومؤذيًا.. وإنما هو فى النهاية غش وجريمة.. لكن الطامة الكبرى والجريمة التى لا تغتفر ولا تسقط بالتقادم.. هى غش الأدوية وترويج حقن قاتلة وحبوبًا منتهية الصلاحية وتؤدى إلى الوفاة.. والمريض الذى يكون فى أضعف حالاته وهو يتألم من المرض ويتأوه من شدة العذاب.. يكون كالغريق الذى يبحث عن «قشة» يتعلق بها.. وتعيد إليه بصيصًا من الأمل من النجاة.. وينتظر اللحظة التى يعثر فيها على الدواء والعلاج أو الحقنة التى تهدئ من روعه وآلامه وتكون الطامة الكبرى أن الموت والضياع فى جريمة الدواء أو الحقنة القاتلة.. وإذا كان المواطن البسيط.. يكتفى بالنظر إلى تاريخ الصلاحية المدون على علبة الدواء.. أو الحقن.. وليس مطلوبًا ولا فى استطاعته أن يبحث عن صلاحية المادة الفعالة.. أو يملك إجراء الاختبار أولا لملعقة دواء يتناولها أو حقنة يذهب إلى صيدلى ليأخذها.. وقطعًا أيضا.. لا توجد شركة تغش دواء.. أو تروج حقنًا ضارة.. وإنما قد يحدث من سوء تخزين.. أو انتهاء صلاحية دون إدراك.. وهنا تقع الكوارث.. وقد اصابتنى الدهشة والفزع وأنا اطالع قائمة طويلة رصدها طبيب إنسان يحذر من بعض أدوية وحقن للبرد للصغار والكبار ونستخدمها جميعًا وحذر من تناولها.. فلماذا يتم انتاجها من الاساس فى الشركات.. ولماذا يتم استيرادها وأين رقابة التفتيش على الصيدليات وصلاحية الأدوية المعروضة.
> > >
وفى الحديث عن الصيدليات.. لنا وقفات ووقفات فالصيدلية ليست سوبر ماركت ولا محل بقالة يقف فيه ويبيع فيه من يبيع.. وإنما هى بيت الدواء.. وترجمة كلمة أجزخانة بالفارسية هى بيت الدواء والمفروض أن يقف فيها ويتعامل مع المرضى والزبائن صيدلى لكن ما يحدث من وقوف غير المتخصصين فى الصيدليات يحتاج وقفة وحسماً.. وفى كل الاحياء الشعبية والراقية ولابد من وقفة من الرقابة الصحية.. وحتى جهاز حماية المستهلك.. وقد مررت شخصيًا بتجربة مريرة سلمنى الله منها.. مع إحدى الصيدليات.. وأنا فى طريقى إلى المنزل بعد انتهاء عملى بالجريدة فى الثامنة مساء.. توقفت أمام صيدلية لشراء «قطرة».. مددت لشاب فى الصيدلية «الروشتة» واحضر لى القطرة اخذتها وانطلقت إلى المنزل.. فتحت علبة القطرة لأطلع عليها.. فكانت الطامة الكبرى عندما قرأت ممنوع استخدامها للعين.. انتفض جسدى وتسارعت دقات قلبى وحمدت الله اننى فتحت العلبة واطلعت على التعليمات والجرعات والصلاحية قبل الاستخدام.. وتلك عادتى مع أى دواء.. من كثرة ما يصلنا وما ننشر من كوارث نتناول الأدوية والحقن بالخطأ.. أو انتهاء الصلاحية.. امسكت بالروشتة.. وعلبة الدواء نفس الاسم تقريبًا.. مع فارق بسيط لم يدركه الشاب الذى ظن انه فى محل بقالة.. وأن النوع الذى اعطانى إياه ممنوع استخدامه فى العين وإنما للأذن والأنف.. وهناك نوع يحمل نفس الاسم تقريبًا للعين مع اختلاف لا يعرفه إلا الصيدلى وليس أى شخص يقف للبيع لأن الصيدلية ليست سوبر ماركت أى حد يقف والسلام.
> > >
ولا يغيب عن عينى لحظة ابن شقيقتى الشاب الذى احضر حقنة للبرد من الصيدلية لانه لا يريد الغياب عن عمله وحتى يشفى سريعًا.. وعندما أخذ الحقنة.. دخل فى غيبوبة.. وفشلت كل محاولات انقاذه فى المستشفي.. وفارق الحياة.
> > >
من هنا.. اتمنى أن تكون هناك رقابة صارمة من هيئة الدواء ومسئولى الصحة ونقابة الصيادلة على ما يتم تداوله فى الصيدليات.. ومراجعة المادة الفعالة.. وفترة الصلاحية.. ومنع أى أدوية أو حقن يمكن أن تسبب أضراراً.. ونشر التعليمات الوافية عن الأنواع التى تحتاج إلى إجراء اختبار قبل تداولها.. وحظر وقوف غير الصيادلة فى الصيدليات وشطب ترخيص أى صيدلية لا يديرها صيدلي.. ولا مانع من وجود مساعدين لأى صيدلى لكن لمعاونة الصيدلى وليس لصرف أدوية أو إعطاء حقن.. إنها أمانة.. وأمانة إنسانية بالدرجة الأولى فالمريض عندما يلجأ إليك.. يكون فى اضعف حالاته وفى أمس الحاجة لعناية ورعاية ونظرة حانية وليس لدواء أو حقنة.. تنقله للعالم الآخر!!









