تشكل السودان بشريان النيل الذى يربطها جغرافياً وحضارياً، امتداداً حيوياً وأمنياً واقتصادياً لا يمكن لمصر أن تتجاهل اضطرابه. وتضع القاهرة ملف السودان على رأس أولوياتها الإستراتيجية، إذ ترى أن أى تهديد لاستقرار الخرطوم هو تهديد مباشر للأمن القومى المصري، وهذا الشعور بالارتباط المصيرى هو ما يدفع رؤية مصر الشاملة والمعقدة للأزمة، التى تتمحور حول ضرورة وقف القتال فوراً وتأمين المصالح الحيوية المشتركة ودعم المسار السياسى الشامل الذى يحفظ وحدة الدولة السودانية، حيث إن رؤية مصر تنطلق من فرضية مفادها أن الاستقرار فى الجوار الجنوبى هو شرط أساسى للاستقرار الداخلي، وتتأجج المخاوف المصرية تحديداً من السيناريوهات التى قد تؤدى إلى تفتيت الدولة السودانية أو تحولها إلى دولة فاشلة أو ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية أو نشاط الميليشيات والجماعات المتطرفة، مما يُنشئ بؤرة توتر لا يمكن السيطرة عليها على طول الشريط الحدودى الممتد لأكثر من 1200 كيلومتر، وهو ما يفرض أعباءً أمنية وعسكرية ولوجستية هائلة لتأمين المنافذ والحدود الطويلة. وفى هذا السياق، تتبنى الدبلوماسية المصرية نهجاً مزدوجاً يجمع بين التدخل الإنسانى الفورى والدعم السياسى الثابت للحل السلمى. فعلى الصعيد الإنساني، فتحت مصر معبر أرقين وباقى المنافذ البرية أمام مئات الآلاف من الأشقاء السودانيين الفارين من العنف، مؤكدة على مسئوليتها الأخوية والتاريخية تجاه شعب وادى النيل، بالرغم من الضغوط الهائلة التى يفرضها هذا التدفق على الخدمات والبنى التحتية، وتعمل القاهرة على تنسيق جهود الإغاثة الدولية والإقليمية لضمان وصول المساعدات الضرورية لمن هم فى أمس الحاجة إليها داخل السودان وفى مناطق اللجوء الحدودية. أما على الصعيد السياسى فإن رؤية مصر تتمحور حول دعم التوافق السوداني-السودانى كحل وحيد ومستدام، وترفض أى حلول تُفرض من الخارج وتدعم بقوة دور المؤسسات الإقليمية ذات الصلة، وفى مقدمتها «الهيئة الحكومية الدولية للتنمية» «إيجاد» والاتحاد الأفريقي، وتسعى إلى تفعيل آلية «دول الجوار» لضمان أن يكون الحل إقليمياً يحظى بالإجماع، مع التركيز على علاقاتها التقليدية مع مختلف الأطراف السودانية الفاعلة للضغط باتجاه وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء التوتر تمهيداً لعودة العملية السياسية الانتقالية. كما تولى مصر أهمية خاصة للبعد المائى والإستراتيجي، حيث ترى أن استقرار السودان ضرورى لضمان التنسيق الفعال بخصوص إدارة مياه النيل، وأى اضطراب طويل الأمد قد يُعرقل التعاون المشترك ويزيد من تعقيدات ملف السد الأثيوبي، الذى تُمثل السودان فيه طرفاً مفصلياً. ولذلك فإن الهدف الإستراتيجى الأقصى لمصر هو مساعدة السودان على استعادة دوره كـدولة مركزية موحدة فى منطقة القرن الأفريقي، بعيدة عن الفوضى وتأثيرات الصراعات الخارجية، والاستعداد للمشاركة بقوة فى جهود إعادة الإعمار الاقتصادى والتنموى للسودان بمجرد استقراره، بهدف تعزيز التكامل الاقتصادى الثنائي، ومنع تحول الصراع إلى أزمة مزمنة تهدد الأمن الإقليمى برمته، معتبرة أن نجاح السودان هو نجاح لمصر وللأمة العربية والإفريقية.
والخلاصة أن مصر تضطلع بدور محورى وفاعل فى السعى لتهدئة الأوضاع المتدهورة فى السودان، انطلاقاً من اعتبارات الأمن القومى والعلاقات التاريخية العميقة. ويتمحور الدور المصرى حول مسارين أساسيين: أولهما، تقديم الدعم الإنسانى العاجل من خلال فتح الحدود لاستقبال مئات الآلاف من الأشقاء السودانيين وتوفير الإغاثة الضرورية. وثانيهما، تفعيل الجهد السياسى والدبلوماسى لضمان وقف دائم لإطلاق النار. وتدعم القاهرة كافة المبادرات الإقليمية، لاسيما مبادرة دول الجوار السوداني، بهدف إيجاد حل سياسى شامل يعتمد على التوافق السوداني-السودانى ويحفظ وحدة الدولة السودانية وسلامة أراضيها، مؤكدة أن الاستقرار فى السودان هو استقرار لمصر والمنطقة بأسرها.









