السياحة.. صناعة» وليست نشاطا ترفيهيا فقط، ولكنه قطاع انتاجى متكامل يجمع بين الخدمات والاستثمار والتشغيل، وكلما تكاملت عناصرها من معالم اثرية وطبيعية وخدمات وترويج وبنية تحتية تحولت لقاطرة حقيقية للنمو الاقتصادي.. ومع اهتمام الدولة بصيانة الآثار والترويج العالمى لها، تدخل مصر مرحلة جديدة فى صناعة السياحة المعتمدة على ترسيخ الهوية المصرية، وجذب أنظار العالم للحضارة المصرية القديمة، ويأتى افتتاح المتحف المصرى الكبير كأكبر وأضخم مشروع ثقافى قائم على استثمار الحضارة والحفاظ على الثروات القومية وحٌسن استغلالها كأصل ذى عائد مستدام ليصنع عصرًا جديدًا للسياحة المصرية.
وتكشف الأرقام أن قطاع السياحة فى مصر يشهد تطورا ملحوظا من حيث حجم الايرادات وعدد السائحين محققا معدلات نمو مرتفعة، الأمر الذى يؤكد أن هذا قطاع سيلعب الدور الأقوى والأساسى فى تعظيم الموارد، وزيادة ايرادات الاقتصاد المصري. فبحسب بيان وزارة التخطيط، فقد ارتفعت الايرادات السياحية بنسبة تقارب 15 % لتصل إلى ما يقارب الـ 13 مليار دولار، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالى 2024/ 2025، وكشف بيان وزارة السياحة عن زيادة فى أعداد السائحين بنسبة 22 % بالنصف الأول من 2025، وقد سجلت الإيرادات السياحية أعلى مستوى قياسى لها خلال 2024، حيث بلغت نحو 14.4 مليار دولار، بمعدل نمو بلغ 34.6 %.
وفى تقرير لوزارة التخطيط تقدر فرص العمل المرتبطة بالمتحف المصرى الكبير بأكثر من 30 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة منذ بدء التنفيذ، ويتوقع تقرير دولى ان تشهد السياحة المصرية زيادة الطلب من الأسواق الأوروبية والأمريكية، بدعم من الاستثمارات فى البنية التحتية الفندقية والمقدرة بنحو 1800 منشأة بحلول عام 2028.
وأجمع خبراء السياحة والاقتصاد أن مشروع المتحف المصرى الكبير يفتح مجالا متسعا للسياحة والتنمية الاقتصادية، مشيرين إلى أن ما تقوم به الدولة من جهود فى صيانة وترميم وتطوير البنية التحتية السياحية هو استثمار فى التاريخ من أجل المستقبل، مؤكدين أن مشروع المتحف من شأنه تعظيم القيمة المضافة للسياحة الثقافية، وتنشيط المجالات الاقتصادية المرتبطة بالسياحة.
قال مجدى صادق، عضو غرفة شركات السياحة، إن السياحة تحتل موقعا متميزا فى اقتصاديات معظم الدول، وهى أهم صناعة عالمية تستطيع من خلالها تحسين الوضع الاقتصادى وتحقيق تنمية شاملة، مشيرا إلى أن مصر من أبرز الدول السياحية على خريطة السياحة العالمية، لما لها من مزايا تنافسية عديدة تجعلها من أكثر المقاصد السياحية جذبا للسائحين، مشيرا إلى انها تحتل مرتبة متقدمة عالميًا فى مؤشر تنمية السفر والسياحة، وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادى العالمي، وتحتل المركز الخامس اقليميا من مجموع 12 دولة.
وتابع أن ما قامت به الدولة من جهود وسياسات داعمة لقطاع السياحة على كافة المستويات مكنها من أن تكون فى صدارة الدول السياحية، والتى تتمتع بتنافسية من حيث القيمة الأثرية، والتاريخية، والحديثة، كذلك تنافسية الأسعار وتنويع المنتج السياحى المقدم للسائح ما بين سياحة ثقافية وبيئية وصحية وشاطئية.
وأشار إلى ان السياحة تمثل 8.5 % من الناتج المحلى الإجمالي، وتوفر ما يقارب 3 ملايين فرصة عمل، مضيفا أنه من المتوقع أن يسهم مشروع المتحف الكبير فى زيادة هذه الأرقام من خلال تنشيط القطاعات المرتبطة كالفنادق، والنقل، والخدمات الترفيهية، والخدمات الثقافية، وغيرها من مجالات.
وأوضح أن المتحف المصرى الكبير مشروع عالمى ويمكن اعتباره واحدة من أدوات التنمية الاقتصادية، والتى تربط بين الاستثمار فى الأصول الأثرية والعوائد التنموية، التى تعزز الاقتصاد الوطني، وتخلق المزيد من فرص العمل، من خلال نشيط السياحة، وزيادة أعداد الزائرين والتسويق العالمى لمصر كأكبر مقصد للسياحة الثقافية، كذلك هناك العديد من الصناعات التراثية والإبداعية المرتبطة بهذا المكان.
وأكد أن أنظار العالم تتجه نحو المتحف الكبير، خاصة وأن الرئيس عبد الفتاح السيسى نجح فى جذب انظار العالم للحضارة المصرية، مشيرا إلى أن الدولة نفذت خطتها فى دعم السياحة وصيانة الاثار والحفاظ على التراث والهوية المصرية، حيث يعد المتحف الكبير المشروع الأكبر والأضخم عالميا والذى يجمع بين كونه مشروعا ثقافيا عملاقا ومشروعا استثماريا ضخما متعدد الأبعاد، ليحقق عائدا اقتصاديا وتنمويا، فهو استثمار فى الحضارة بعائد مربح ومستدام تستفيد منه الأجيال القادمة.
وتابع أن المشروع يعمل على خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة فى القطاعات المرتبطة بمجال السياحة، كالانشاءات والتسويق والخدمات المختلفة التجارية والترفهية، إلى جانب دعم الصناعات التراثية والإبداعية، وايجاد منافذ لتسويق كافة المنتجات من خلال المتاجر والمعارض الملحقة بالمتحف، مما يزيد الانتاج والمبيعات و يعزز نمو الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن مع افتتاح المتحف من المتوقع أن تحقق الدولة ما تستهدفه من عدد السائحين والذى يصل إلى 30 مليون سائح سنويا، قبل حلول 2028، مضيفا أن مشروع المتحف يمثل تحفيزا حقيقيا للتنمية الاقتصادية.
تقول الدكتورة أميمة الشال عميد كلية الآثار والإرشاد السياحى بجامعة مصر للعلوم والتكنووجيا، أستاذة ترميم وصيانة الآثار، إن مع افتتاح المتحف المصرى الكبير، تنطلق السياحة المصرية نحو الازدهار والعالمية، لتكون العامل الأساسي فى دفع النمو الاقتصادي، مشيرة إلى أن للمتاحف دورا كبيرا فى تنشيط حركة السياحة، وكثيرا من البلدان تشتهر بمتاحفها الجاذبة للزائرين، مؤكدة ان المتحف الكبير حظى باهتمام عالمى لم يسبقه من قبل أى من المنشآت العالمية.
وتابعت أن كنوز مصر الاثرية تجتمع فى هذا الصرح ذات التصميم المعمارى فريد، حيث تتجاوز المعروضات بالمتحف الـ 100 ألف قطعة أثرية، أبرزها مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة، والتى يتم عرضها لأول مرة فى مكان واحد، لافته إلى أن الدولة وضعت استراتيجية واضحة لحماية وصيانة الاثار، تشمل أعمال وترميم وتأمين وتطوير المناطق الاثرية فى جميع المحافظات، وذلك بالاعتماد على أحدث التقنيات وأساليب الترميم.
تضيف الدكتورة غادة على حمود عميد كلية السياحة والفنادق بجامعة 6 أكتوبر، أستاذ الدراسات السياحية جامعة حلوان، وعضو لجنة السياحة بالمنظمة الأمريكية للباحثين الدوليين، أن قطاع السياحة فى مصر أثبت قوته وقدرته على تجاوز التحديات، فرغم الأزمات العالمية المتعاقبة والتى أثرت سلبا على كافة القطاعات فى مختلف الدول، كان هناك اداءا ايجابيا لقطاع السياحة، مشيرة إلى أن الدولة وضعت استراتيجية متكاملة لتعزيز مكانة مصر كمقصد سياحي عالمي، من خلال تطوير البينة التحتية، ورفع كفاءة العاملين، وتشجيع الاستثمارات السياحية من خلال العمل على وجود بيئة أعمال جاذبة للمشروعات السياحية الجديدة، مؤكدة ان الترويج والتسويق الجيد لمصر كمقصد عالمى متنوع يسهم فى تعزيز مكانة مصر كواحدة من أفضل الوجهات السياحية المتنوعة.
وتابعت أن السياحة صناعة قادرة على الانطلاق بالاقتصاد المصري، باعتبارها الرافد الأساسى للعملة الصعبة، وزيادة الدخل القومي، وخلق فرص العمل مشيرة إلى أن ما تتمتع به مصر من مقومات يضعها ضمن المقاصد الأولى والمفضلة لدى السائحين.
وأكدت أن المتحف الكبير هو نقطة تحول هامة فى السياحة المصرية، فهو صرح عالمى يجمع ما يزيد على 100 ألف قطعة أثرية، بجانب ما يمثله كقبلة للباحثين المتخصصين فى علم المصريات، موضحة أن زيارة المتحف محاط بمنطقة خدمات متكاملة، تلبى كافة احتياجات السائح، من منشات فندقية وخدمات متنوعة، مشيرة إلى أن المشروع يسهم فى تحفيز الاستثمار الفندقى والخدمى حول المتحف، خاصة وأن الدولة ستخصص أراضى لمشروعات تجارية وفندقية بجوار المتحف، مما يعنى زيادة الاستثمارات وتشجيع القطاع الخاص على ضخ المزيد من الأموال فى الاستثمارات السياحية، مما يوفر المزيد من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، مشيرة إلى ان حجم العمالة فى القطاع السياحى من المتوقع أن يبلغ حوالى 3.8 مليون وظيفة، تقارب %11 من إجمالى القوى العاملة، بحسب تقرير المجلس العالمى للسفر والسياحة، من المتوقع أن يصل إنفاق السائحين الدوليين نحو 1.1تريليون جنيه، مما يعزز مكانة مصر كأحد أبرز المقاصد السياحية فى المنطقة.
قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، إن افتتاح المتحف المصرى الكبير يمثل حدثًا استراتيجيًا وتاريخيًا يعزز مكانة مصر كوجهة سياحية عالمية، موضحًا أنه سيحدث نقلة نوعية فى القطاع السياحى والاقتصادي.
وأشار غراب إلى أن المتحف، الذى يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية على مساحة 500 ألف متر مربع بالقرب من الأهرامات، يعد الأكبر من نوعه عالميًا، ويتميز بتقنيات عرض متطورة ومجموعة توت عنخ آمون الكاملة التى تُعرض لأول مرة.
وأكد أن افتتاح المتحف بدأ فى تحقيق عوائد اقتصادية ضخمة من خلال زيادة أعداد السائحين وتوفير عشرات الآلاف من فرص العمل فى مجالات السياحة والفنادق والحرف التراثية، متوقعًا أن يصبح المتحف وجهة عالمية تضاهى متحف اللوفر والمتحف البريطاني.
وأوضح أن المشروع سيحول منطقة أهرامات الجيزة إلى مركز جذب سياحى عالمي، ويدفع نحو استثمارات جديدة فى السياحة والخدمات المحيطة، ما يعزز التنمية الاقتصادية ويضع القاهرة بقوة على خريطة السياحة الدولية.
قال محمد إمام خبير سياحى إن رفع القدرة التنافسية للمقصد السياحى المصرى يبدأ بتحديث البرامج السياحية وتنوعها من خلال التسويق الجيد للمعالم الاثرية المتميزة، مشيرا إلى أن المتحف المصري الكبيريعد فرصة عظيمة لجذب انتباه العالم، وزيادة اعداد الزائرين الدوليين.
وتؤكد داليا عبد العزيز مرشد ة سياحية أن هناك حراكا غير عادى فى حركة السياح والزائرين، خلال شهرى أكتوبر ونوفمبر، نتيجة الترويج والتسويق العالمى لأكبر حدث ثقافى ينتظره العالم وهو افتتاح المتخف المصرى الكبير، لافتة إلى انها استقبلت منذ أيام عددا من الوفود السياحية من أوروبا فى انتظار زيارة المتحف الكبير، واوضحت أنها ابهرت بحجم صالات العرض والمعروضات العظيمة التى تمثل قيمة كبيرة لدى السائحين، مؤكدة ان المتحف لا يعد مكانا لعرض القطع الأثرية فقط، بل هو مشروع متكامل الخدمات، فالسائح بعد زيارته للمتحف يقوم بعمل جولات بالمنطقة، ويقوم بشراء الكثير من المنتجات والهدايا والسلع التراثية، الأمر الذى ينعش العديد من القطاعات.
أكدت شيماء أحمد مرشدة سياحية أن افتتاح المتحف المصرى هو من أكثر اللحظات الفارقة فى تاريخ مصر الحديث فلأول مره تقترن الآثار بالترميم و المتعة للأطفال والكبار وكما تعلقت عيون العالم بنقل المومياوات وافتتاح متحف الحضارة، والذى شاهدنا بعده رواجا سياحيا، فالعالم كله على ميعاد آخر لمراسم الافتتاح الرسمى للمتحف الكبير فالعديد من السياح معلقين رحلاتهم حتى الافتتاح ليشاهدوا الحضارة العظيمة القديمة والحديثة وخاصة كنوز الملك الذهبى الذى ستعرض جميعها لأول مره فى مكان واحد.
قالت لورانا جون سائحة أوروبية انها جاءت ضمن وفد سياحى لزيارة القاهرة ومعالم أسوان والأقصر، وأنها رتبت ضمن رحلتها زيارة المتحف الكبير، خاصة وأنها قرأت عنه فى بعض الصحف وهناك كتيب ودليل للسفر اطلعت عليه وتمنت رؤية هذا الصرح، وتتفق معها احدى السائحات من نفس المجموعة لتؤكد أنها أجلت الرحيل وطلبت مد الرحلة لتصبح 10 ليالى بدلا من 6 ليال حتى تستطيع حضور الافتتاح وزيارة المتحف الكبير، وفى نفس السياق أكد أحد السائحين بنفس المجموعة أنه على علم بمكانة الآثار المصرية القديمة وتمنى زيارة الاهرمات، والأقصر، وهذه الزيارة الثانية له مؤكدا أن هذه المرة الأمر مختلف لانه سيرى آثار مصر جميعها فى مكان واحد بالمتحف الكبير، وهو امر يراه جيدا وممتعا.









