يبقى المواطن المصري في الخارج أحد أهم وجوه الانتماء الوطني، بل يمكن القول إنه خط الدفاع الأول عن صورة مصر وهويتها في العالم، فمهما أبعدته المسافات، يظل حاضرًا بقلبه وعقله في كل لحظة وطنية، يتابع، يشارك، ويدعم بلده بما يستطيع. ليس مجرد مغترب يبحث عن فرصة عمل أو حياة أكثر استقرارًا، بل هو امتداد حي للوعي الوطني، يحمل بداخله هموم الوطن وأحلامه، وينقل صورته الحقيقية إلى العالم دون تزييف أو مبالغة.
تشير البيانات الرسمية إلى أن عدد المصريين بالخارج تجاوز 11 مليون مواطن حتى نهاية عام 2023، موزعون بين أوروبا وأمريكا والخليج وآسيا وإفريقيا، وخلال الفترة من يوليو 2024 إلى مارس 2025 بلغت تحويلاتهم نحو 26 مليار دولار، وهو رقم لا يعكس فقط قدرتهم الاقتصادية، بل عمق ارتباطهم بالوطن وحرصهم على دعم أسرهم ومجتمعهم رغم البعد الجغرافي.
الحقيقة أن دورهم الاقتصادي ليس هو الأهم، فالمصــريون بالخارج يملكــــون خبــرات وتجارب لا تقدر بثمن، هم يعيشون في مجتمعات مختلفة، يرون تجارب ناجحة في الإدارة والتعليم والعمل، ويملكون قدرة على نقل هذه الخبرات إلى الداخل إذا وجدوا الفرصة والمسار المناسب لذلك، مشاركتهم في الانتخابات، سواء بالترشح أو التصويت، ليست مجرد واجب وطني، بل فرصة لإغناء الحياة العامة برؤى جديدة وفكر منفتح على العالم.
ورغم كل هذا، بدأ تصويتهم لانتخابات مجلس النواب منذ سويعات، وما زالت أمامنا عقبات تعرقل المشاركة الكاملة، من الضروري تبسيط الإجراءات القنصلية وتسهيل التسجيل والتصويت، مع توفير منصات إلكترونية آمنة وفعالة، تتيح لكل مصري في الخارج أن يمارس حقه بسهولة وكرامة، فالمرشح أو الصوت الذي يأتي من الخارج يمكن أن يغير نتائج، ويؤثر في تشكيل البرلمان، ويترك بصمته على السياسات التي تمس حياة الجميع في الداخل والخارج.
المصري بالخارج هو جسر حقيقي بين مصر والعالم، مشاركته لا تعزز الديمقراطية فقط، بل تفتح الباب أمام إدخال مفاهيم جديدة في الإدارة والتخطيط والعمل العام، صوته الذي يأتي من دبي أو برلين أو لندن أو نيويورك، يصل إلى صناديق القاهرة وهو يحمل وعيًا وطنيًا نقيًا وخبرة حياتية كبيرة تستحق أن تُستمع إليها، فما بالك وهو أحد نواب الشعب.
هو ليس ناخبًا بعيدًا ولا مرشحًا عابرًا، بل شريك في صناعة المستقبل، كل لقاء مع مصري بالخارج يؤكد أنك أمام طاقة وطنية كبيرة يمكن أن تساهم في تطوير السياسة والاقتصاد والمجتمع، حين يتحول هذا الصوت البعيد إلى فعل، يصبح قوة حقيقية، تسهم في بناء مصر الحديثة بثقة وعزم. فالمشاركة ليست مجرد تصويت، بل رسالة تقول إن المصري، أينما كان، يظل حاضرًا في قلب وطنه، كما ظل الوطن حاضرا فى قلبه، يسعى ليكون جزءًا من خطواته نحو الغد الأفضل، ويبذل كل جهده لدعمه بكافة السبل.









