تناولنا فى المقالين السابقين أن احتضان مصر مؤتمر السلام بحضور زعماء العالم مثل نقطة تحول عظيمة للاقتصاد المصرى، والتى تزامنت مع رفع التصنيف الائتمانى لمصر من قبل وكالة ستاندرد آند بورز، وأن نقطة التحول الأكبر ستكون عبر استضافة مصر الشهر الحالى مؤتمر التعافى المبكر وإعادة الإعمار والتنمية فى قطاع غزة، وأن انعقاد القمة المصرية الأوروبية الأسبوع الماضى قد أثمر على تأكيد الإتحاد الأوروبى، التزامه بدعم جهود مصر لتحقيق الإصلاح والاستقرار الاقتصادى، والموافقة على إنضمام مصر إلى برنامج آفق أوروبا، مما يتيح للباحثين المصريين المشاركة الكاملة فى مشروعات البحث والإبتكارالأوروبية. ودعم إصلاح التعليم الفنى والمهنى (TVET). لذا فإن هذا الاتفاق يمثل ولادة فصل جديد فى علاقة مصر بالعلم والتكنولوجيا والإبتكار، وتحول وضع الدولة المصرية من متلق للمعرفة إلى مشاركٍ فى صناعتها وبقواعد متساوية. فضلاً عما يتيحه هذا الافق من نافذة تمويلية تقدر بنحو 100 مليار يورو، وهو ما يستوجب ضرورة تحديث قدرات الجامعات والمراكز البحثية المصرية كى تتحرك بكفاءة دون عراقيل بيروقراطية. مع ضرورة التصدى لزيادة ظاهرة هجرة العقول التى تتعرض لها دول العالم الثالث ، فالتعرض للشبكات الأوروبية قد يجعل عروض الخارج أكثر إغراء للباحثين الشباب. وهو ما حدث فى إسرائيل نفسها فخلال العام الماضى تمكن 82 ألف إسرائيلى من مغادرة البلاد. وهو ما يجعلنا قانعين بأن التوقيع على الآفق الأوروبى ليس سوى البداية، فنجاح التجربة لن يقاس إلا بقدرة المؤسسات العلمية المصرية على التأقلم سريعاً مع معايير تنافسية عالمية، وإستثمار الفرصة لا كمصدر تمويل فحسب، بل كمدخل لتغيير ثقافة إدارة البحث العلمى نفسه. فمن حيث التنافسية العالمية فإنها تهدف إلى تحديد أسس ومبادئ ومعايير الكفاءة والتميز والتطور الذى وصلت إليه دول العالم فى (4) محاور رئيسية، تضم المجالات السياسية، والاقتصادية، والإجتماعية، والثقافية، إلى جانب (20) محوراً قطاعياً، و(330) مؤشراً فرعياً. والواقع يؤكد تحسن مصر فى هذه المجالات والمحاور والمؤشرات، فنحن نعيش اليوم أكثر الفترات ديناميكية وأشدها منافسة فى تاريخنا الحديث، فدخول مصر بكل قوة عصر الاقتصاد الثقافى، وتنامى ثورة المعلومات والاتصالات والامتداد الدولى للتمويل، جميعها أدى إلى ترابط الأسواق العالمية ودفع أسواقنا الداخلية لاتخاذ خطوات نوعية جريئة وبوتيرة متسارعة لتطوير سياساتها الاقتصادية ورفع قدراتنا التنافسية.
وإذا كنا نعتز اليوم ببوادر قوة اقتصادنا، الذى يدخل آفق جديد يساهم به فى دعم التنمية المستدامة ، وتعزيز مكانة مصر بين الأمم. فإننا سنواصل تصدرنا للمشهد العالمى بقوتنا الناعمة التى تجلت فى افتتاح المتحف المصرى الكبير منذ أيام ليشهد العالم عصر جديد للاقتصاد الثقافى فى مصر، وتحويل مصر لمصدر مستدام للدخل بفضل القدرة على تحويل التراث إلى قوة اقتصادية ناعمة، وبالتالى الاستفادة من ربط الماضى العريق، بالحاضر الطموح، والمستقبل الواعد إن شاء الله، لنستحق بجدارة ما حققناه من إنجازات مشرفة على معظم مؤشرات التنافسية العالمية والتى يتابعها الرئيس السيسى أول بأول. وأما من حيث تغيير ثقافة إدارة البحث العلمى فى مصر، فإن مساهمة الإستراتيجية الوطنية المصرية للتعليم العالى والبحث العلمى، فى إعداد كوادر بشرية عالية المهارة تمتلك المعارف والكفاءات اللازمة لمواكبة المستقبل قد يكون البداية النموذجية، لأنها أولا تعتمد على التركيز على مبادئ الإستراتيجية الوطنية وبخاصة التكامل، والتواصل، والمرجعية الدولية، والتخصصات البينية، والإبتكار، والتى تعمل كوحدة مترابطة تهدف إلى رفع جودة العملية التعليمية الجامعية وإعداد خريج قادر على المنافسة. وثانيا أنها تتكامل مع المبادرة الرئاسية «تحالف وتنمية» ومبادرة «كن مستعدا»، التى يستفيد منها حالياً نحو مليون طالب، وتعمل على تزويدهم بالمهارات اللازمة. لتؤكد القيادة السياسية تركيزها الحالى على الإستثمار فى رأس المال البشرى، واقتصاد المعرفة والتكنولوجيا والثورة الصناعية الرابعة، ومحاربة الفساد المتهم بأنه العدو الأول للتنمية، وهو ما يجعلنا نموذجاً يمكن السير على خطاه من قبل العديد من دول العالم.









