كتب/ جمال فتحي
أكد كتّاب ونقّاد أنّ أعمال الأديب السوداني العالمي الطيب صالح تمثّل علامة فارقة في مسار الرواية العربية، إذ أعادت الأدب إلى جذوره الريفية، وارتقت بالسرد العربي إلى العالمية بأسلوب يجمع بين الواقعية والأسطورة، والبساطة والعمق.
جاء ذلك خلال جلسة بعنوان “الطيب صالح: بصمة سودانية.. وأثر عالمي خالد”، نظّمتها مجموعة كلمات ضمن معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025، للاحتفاء بإطلاق الطبعة المعدلة من أعماله السردية التي تضم رواياته “عرس الزين”، و”موسم الهجرة إلى الشمال”، و”منسي”، و”بندر شاه”. وشارك في الجلسة النقّاد والكتّاب مجذوب عيدروس، ومحمد خلف، وعادل بابكر، وأدارتها الأكاديمية الدكتورة لمياء شمّت، في نقاش تناول أثر الطيب صالح في تطوير بنية الرواية العربية، وتجديد لغتها، وتوسيع فضائها الإنساني والثقافي.
الطيب صالح أعاد الرواية إلى جذورها الريفية
واستهلّ الناقد والصحفي مجذوب عيدروس حديثه بقراءة جديدة لسيرة الطيب صالح وإسهاماته النوعية في تطوير السرد العربي، مشيرًا إلى أنه أعاد الرواية العربية إلى الريف بعد أن كانت أسيرة المدن الكبرى وصورة المثقف الحضري، فقدم نموذجًا مغايرًا للريف العربي والإفريقي. وأوضح أن “موسم الهجرة إلى الشمال” أعادت الراوي إلى القرية وإلى دفء القبيلة، حيث تحوّل الريف إلى فضاء روحي وثقافي غنيّ بالرموز والأسئلة الوجودية.
وأضاف أن الطيب صالح تأثّر في سنوات دراسته بالأدب العربي والإنجليزي معًا، وكان شغوفًا بالمسرح والسينما، وقد استثمر هذا الوعي الفني في إدخال تقنيات حديثة إلى السرد العربي، مثل الاسترجاع الزمني وتتابع الصور والمونتاج السردي، ما جعل رواياته تتحرك بين الواقعي والأسطوري. وأشار إلى أن هذه الرواية دفعت بالأدب العربي إلى العالمية، حيث كتب عنها عشرات النقاد، وعلى رأسهم إدوارد سعيد الذي رأى فيها تجسيدًا عميقًا لرؤية ما بعد الاستعمار.
إعادة قراءة الطيب صالح ضرورة نقدية جديدة
من جانبه، اعتبر الكاتب والناقد والمترجم محمد خلف أن صدور الطبعة الجديدة من أعمال الطيب صالح يشكّل فرصة للاحتفاء وإعادة التفكير في إرثه الروائي. وأشار إلى أن الجامعات الأوروبية، ومن بينها جامعة أكسفورد، بدأت مؤخرًا في دراسة أثر كتاباته على القارئ الغربي، بعد أن كانت الدراسات النقدية تركز على “موسم الهجرة إلى الشمال” وحدها، باعتبارها نصًا محوريًا تناول علاقة الشمال بالجنوب حول العالم، وما انطوت عليه من صراع حضاري وثقافي وإنساني.
وأكد خلف أن القرن الحادي والعشرين أطلق موجة جديدة من القراءات التي تسعى إلى تناول مجمل المتن السردي للطيب صالح، إذ يرى النقاد أن أعماله تشكّل نسيجًا متكاملاً يبدأ من “دومة ود حامد” حيث تتشكّل البذور الأولى لشخصياته وعوالمه، مرورًا بـ”عرس الزين” التي عمّقت صورة المجتمع المحلي في مقابل الفرد، وصولاً إلى أعماله الكبرى التي شكلت ما يشبه الكون الروائي الواحد.
المحبة جوهر العالم السردي للطيب صالح
أما الكاتب والمترجم عادل بابكر، فسلّط الضوء على الطابع الإنساني والروحي في كتابات الطيب صالح، مشيرًا إلى أن “موسم الهجرة إلى الشمال” التي صُنّفت ضمن أفضل مئة عمل أدبي عالمي وأفضل رواية عربية في القرن العشرين، لم تكن وحدها ذروة إنجازه، إذ كان صالح يرى أن رواية “بندر شاه” هي أقرب أعماله إلى قلبه.
وتوقف بابكر عند تجربة الكاتب في الثمانينات حين عاد إلى الجمهور من خلال مقالاته في مجلة “المجلة” تحت عنوان “نحو أفق بعيد”، التي كشفت عن فكره المتنوّع، كما أشار إلى كتابه “منسي” الذي خلط فيه بين السيرة والرواية في عمل أربك النقاد وأدهش القرّاء، لأنه جمع بين الصدق الإنساني والخيال الفني.
وأوضح أن الطيب صالح كان بطبعه صوفيًا يميل إلى المحبة والتسامح، وهي الخيوط التي تنسج جميع أعماله. فالعالم عنده يُبنى بالمحبّة، والرواية تصبح وسيلة لتجسيد الإيمان بأن الإنسانية هي المعنى الأعلى للأدب. وختم بالقول إن أعماله تظل مرآة نقيّة للروح السودانية المنفتحة على العالم، وصوتًا أدبيًا خالدًا يتجاوز الحدود والأزمنة.








