مصر دخلت مرحلة جديدة فى عالم المتاحف.. مرحلة تم تدشينها بافتتاح المتحف الكبير فى سفح أهرامات الجيزة.. ولا أظن أن الأمر قد انتهى مع الاحتفال العالمى.. فهذه كانت ضربة البداية لسلسلة من الاحتفالات يجب أن تمتد وتمتد لترسيخ ثقافة وأدب المتاحف فى أرجاء مصر كلها أولا ثم فى العالم أجمع.. وهى قضية تحتاج إلى انتفاضة جادة وقوية من الجهات ذات الصلة بكل ما يتصل بالثقافة والتنوير الحقيقى.. ابتداء من المنزل والأسرة ثم المدرسة والجامعة والنوادى الرياضية والاجتماعية والأحزاب السياسية..
إشـــاعة ثقافة وأدب المتاحف رســالة تعليميــة وتربوية ووطنيــة فى المقــام الأول ولا يجــب الاســتهانة بها أو التهوين منها خاصة ونحن نتحدث عن بناء الوعى وإعادة بناء الشخصية الحضارية والاركان التى يجب أن تستند إليها..
وهى قضية القضايا فى هذه الأيام التى بلغ فيها العبث بالعقول خاصة الشباب وغيرهم أيضا مبلغاً خطيراً وضعفت فيه التربية ووسائلها التقليدية بشكل كبير بل وانهارت خطوط الدفاع الأمامية للقيم والأخلاق مع الثورة العارمة والمدمرة لوسائل التواصل الاجتماعى.. وتجاوزت الأمور على هذا الصعيد كل حدود المعقول والمقبول.. مما يستوجب معه النظر فى أمور كثيرة على وجه السرعة وبمنتهى الجدية دون الدخول فى جدل عقيم لا يغنى ولا يسمن من جوع..
قد يظن البعض أن الأمر أكثر صعوبة فيما يتعلق بالمتاحف أو الثقافة عموما ولكن لا يجب أن نستسلم لليأس أو للاحباط وننطلق بجدية نحو البناء الحقيقى فى معركة بناء الوعى للأجيال..
ليس هناك صعوبة فى تغيير الاتجاهات نحو ثقافة وأدب المتاحف.. خاصة إذا كانت هناك خطة ومنهج.. لا أعرف لماذا تلح على ذهنى صور رحلات المدارس إلى حديقة الحيوان الشهيرة وكان التلاميذ والطلاب يجدون فيها متعة ما بعدها ويتم تكرارها سنويا إن لم يكن أكثر من مرة فى العام.. ترى لو تم تحويل الدفة إلى المتاحف مع وجود دعم حقيقى من وزارات الثقافة والسياحة والآثار والتعليم والمحليات أيضا لتشجيع وفود الطلاب والشباب عموما على ارتياد المتاحف والتعلم واكتساب مهارات معرفية وفنية واخلاقية وغير ذلك.. المؤكد أنه يمكن أن يحدث ذلك طالما توفرت الإرادة والرغبة فى الوصول إلى الهدف.. انطلاقا من قاعدة أن المتاحف ليست للأجانب فقط.. بل للمواطن أولا.
> سؤال مهم طرحه البعض بجدية هل المتحف الكبير يغنى عن بقية المتاحف نظرا لما يحويه من عدد ضخم من الآثار يتجاوز المائة ألف اثر؟!
>> الإجابة ببساطة: لا يكفى ولا يغنى فالحضارة المصرية على مر العصور غنية بتراثها وثرواتها ولا يكفيها ألف متحف ومتحف لرسم صورة حية وواقعية عن حقيقة ما فعل الإنسان المصرى بعبقريته فى مختلف مجالات الحياة العلمية والثقافية والاقتصادية والدينية أيضا وسجلها بكل حرفية لتحفظ دقائق حياته بكل السبل.. لنقل إن هذا متحف الشمال.. فالجنوب أو مصر العليا أكثر ثراء والأرض لاتزال بكرا لم تبح بعد بكل أسرارها فضلا عما هو موجود ومعروف من تراث خالد بمعابده الشامخة وحكايات طيبة ومعاركها من أجل الخلود فى الأقصر وأسوان وادفو ودندرة وغيرها من علامات الحضارة المصرية القديمة والحديثة..
> سؤال آخر: هل الاحتفال بالافتتاح الكبير الذى تم بحضور قادة ورؤساء دول العالم يكفى وانتهى الأمر؟!
>> الجواب لا.. الحدث كبير وعظيم ويستحق أن تتوالى الاحتفالات به لإعطاء قوة دفع كبيرة لاستمرارية الحدث وتهيئة العقول وإثارة الأفكار الخاصة بالعناية بالفكر والثقافة وتقدير واحترام الإرث الثقافى باعتباره واحدا من أهم المشاعل المضيئة للحركة الفكرية والثقافية فى كل مكان..
احتفالات يشارك فيها الجميع ومن مختلف الفئات العمرية والمشاريع الثقافية والاجتماعية.
لماذا لا تشارك الجامعات وطلابها وتقيم احتفالات وفعاليات خاصة.. ايضا الهيئات العاملة فى مجال السياحة والآثار.. المشتغلين بالاثار والعاملون عليها..
النقابات العمالية والجمعيات وغيرها لتتسع الرقعة وتغطى أرجاء الوطن.. ليساهم الجميع فى خلق حالة الاهتمام ودعم التوجهات نحو خلق بيئة ثقافية وفنية جديدة تستلهم روح الحضارة العظيمة. وفنونها وعلومها وكل ما يساعد على الارتقاء بالوجدان والحس الوطنى والحضارى لدى أبناء الوطن..
والله المستعان..









