فى مفاجأة يعتبرها المراقبون بداية لمسار سياسى مختلف فى الولايات المتحدة الأمريكية، فاز زهران ممدانى فى انتخابات بلدية نيويورك، ليصبح أول مسلم يتولى منصب عمدة المدينة، ممدانى يعد العمدة الأصغر سنًا منذ أكثر من قرن. هذا الانتصار لم يكن مجرد محطة انتخابية، بل لحظة فاصلة فى التحول السياسى والاجتماعى داخل واحدة من أكثر المدن تنوعًا وتأثيرًا فى الولايات المتحدة مما سبب صدمة كبيرة للرئيس الأمريكى ترامب والحزب الجمهورى. وقال ممدانى فى خطاب النصر: نيويورك ستكون النور فى هذا الوقت من الظلام السياسي. وأضاف «أنا شاب ومسلم واشتراكى ديمقراطى وأرفض أن أعتذر عن كل هذا».
وتقدم ممدانى على حاكم الولاية السابق أندرو كومو، والجمهورى كورتيس سليوا، ليصبح أول رئيس بلدية مسلم لأكبر مدينة فى الولايات المتحدة عندما يتسلم منصبه رسمياً فى الأول من يناير القادم. وقالت لجنة الانتخابات فى مدينة نيويورك، إن هذه هى المرة الأولى التى يتجاوز فيها عدد المشاركين فى التصويت حاجز مليونى ناخب منذ عام 1969.
وقال فى كلمته أمام انصاره بعد الفوز» منحتمونى تفويضاً للتغيير»، مضيفاً أنه «تفويض لنمط جديد من السياسة، تفويض لمدينة يمكنها أن تتحمل تكاليف المعيشة، ولإدارة يمكنها تحقيق ذلك».ووصف فوزه فى الانتخابات بأنه «انتصار رغم كل الصعاب، المستقبل بين أيدينا».وتابع قائلاً: «أصدقائي، أسقطنا سلالة سياسية»، فى إشارة إلى خصمه أندرو كومو.
ويعتبر ممدانى 34 عاماًـ نموذجاً غير تقليدى للسياسى الذى يثير قلق وول ستريت والبيت الأبيض، لأنه ابن مهاجرين من أصل أوغندى – هندي، هادئ الطبع، متحدث متزن، وأقرب إلى الباحث الأكاديمى منه إلى رجل السلطة، غير أن أفكاره مثل تجميد الإيجارات، والنقل العام المجاني، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 30دولارًا، وإنشاء بنوك طعام بلدية، اعتبرت تحديًا صريحًا لبنية الاقتصاد النيوليبرالي، الذى يحكم نيويورك منذ عقود. وبينما يرى أنصاره فى برنامجه نهوضا متأخرا لعدالة اجتماعية مفقودة، يعتبره خصومه مشروعا خطيرا لتحويل مركز المال الأمريكى إلى مختبر اشتراكى جامح.
تركزت حملته للفوز بالمنصب حول فكرة واحدة، وهى أن نيويورك، رغم ثروتها الهائلة، لم تعد صالحة للعيش بالنسبة لمن يصنعون ثروتها. ويدعوإلى فرض ضرائب أعلى على الأثرياء لتمويل الإسكان الاجتماعى ورعاية الأطفال والمتاجر البلدية، فى وقت تتراجع فيه المساعدات الفيدرالية ويزداد العبء على الطبقات العاملة. بالنسبة لكثيرين، تبدو رؤيته مثالية وربما حالمة، لكنها بالنسبة لآخرين، تعبير عن لحظة واقعية من الإرهاق الاقتصادى الجمعى الذى تعيشه المدينة.
لم يخل صعود ممدانى من الصدامات، حتى داخل الحزب الديمقراطى نفسه. فزعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ، تشاك شومر، امتنع عن تأييده. أما داخل الأوساط اليهودية فى نيويورك، فانقسمت الآراء حوله بشدة. إذ أثارت مواقفه المنتقدة لإسرائيل واستخدامه كلمة «إبادة جماعية» لوصف ما كان يجرى فى غزة، عاصفة من الاعتراض، قبل أن يؤكد لاحقا أنه يعترف بحق إسرائيل فى الوجود ويرفض معاداة السامية. ومع ذلك، وجد ممدانى دعما من مثقفين يساريين، مثل بيرنى ساندرز، رأوا فى صراحته تجديداً مهماً للدماء الشابة فى الحزب الديمقراطي.
وهنًّأ الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، الحزب الديمقراطي، بالفوز فى انتخابات الثلاثاء، بعد أن فازت أيضاً الديمقراطية ميكى شيريل بمنصب حاكمة نيوجيرسي، والديمقراطية أبيجيل سبانبرجر بمنصب حاكمة فرجينيا، وعدد آخر من المرشحين فى الانتخابات المحلية.كما أرسل الرئيس الأسبق بيل كلينتون، تهانيه لممداني، متمنياً له النجاح بمهمته فى مدينة نيويورك. ورغم رفضه دعم ممدانى فى سباق الانتخابات، إلا أن زعيم الأقلية الديمقراطية فى مجلس الشيوخ الأمريكى عن ولاية نيويورك، تشاك شومر، وصف فوز ممدانى بأنه «مستحق وتاريخي».
ويرى المراقبون أن فوز الديمقراطيين بعدد من المناصب المهمة فى انتخابات الولايات يعد استفتاء على الولاية الثانية للرئيس ترامب. وقالت شبكة» ان بى سى نيوز»» أصبحت سبانبرجر، العميلة السابقة فى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية- 46 عاماـ أول امرأة تتولى منصب حاكم ولاية فيرجينيا الواقعة على الساحل الشرقي، خلفا للجمهورى جلين يونجكي،والتى تصف نفسها بأنها حصن ضد سياسة ترامب الساعية لتقليص عدد الموظفين الفيدراليين، وتعهدت بأن تكون «حاكمة تدافع» عن آلاف العمال الفيدراليين الذين فقدوا وظائفهم عقب قرارات وزارة الكفاءة الحكومية التى كان يرأسها إيلون ماسك فى عهد ترامب».
وفى ولاية نيوجيرسي، حققت الطيارة السابقة فى البحرية الأمريكية والمرشحة الديموقراطية ميكى شيريل فوزا مريحا على منافسها الجمهورى جاك سياتاريلي، بعد منافسة انتخابية محتدمة بينهما. وقدمت هذه السباقات الثلاثة للحزب الديمقراطى فرصة اختبار مختلف أساليب الحملات الانتخابية قبل عام من انتخابات التجديد النصفى لعام 2026، عندما ستكون السيطرة على الكونجرس على المحك. فمنذ فوز ترامب العام الماضي، وجد الديمقراطيون أنفسهم خارج السلطة فى واشنطن ويكافحون لإيجاد أفضل طريق للخروج من المأزق السياسي.
وركز المرشحون الثلاثة على القضايا الاقتصادية، لا سيما القدرة على تحمل التكاليف. لكن سبانبرجر وشيريل تنتميان إلى الجناح المعتدل فى الحزب، فى حين أدار ممدانى حملته الانتخابية باعتباره تقدميا وصوتا من جيل جديد.
وكتب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب،على منصته «تروث سوشيال» أن الانتكاسات الانتخابية التى منى بها حزبه فى العديد من الانتخابات المحلية، كانت بسبب الإغلاق الحكومى الذى أصبح الأطول فى التاريخ. وقال»لم يكن ترامب على ورقة الاقتراع، والإغلاق الحكومى هما السببان وراء خسارة الجمهوريين الانتخابات الليلة.









