من حق »الجيزة« مدينة ومحافظة، أن تزهو بنفسها، وتتفاخر على مثيلاتها من أشهر مدن العالم وولاياته ومقاطعاته، بعد أن أضيف إلى أهراماتها الثلاثة، المتحف المصرى الكبير، درة متاحف العالم، وتاج الحضارة المصرية والإنسانية.
لقد عُرفت الجيزة على مستوى العالم، منذ نشأتها، بالأهرامات و«أبو الهول« وارتبط اسمها بها فى وسائل الدعاية الخارجية لجذب السائحين المهتمين بالآثار المصرية إلى مصر، فكان يقال دائما: أهرامات الجيزة.
ومن خلال زيارة الأهرامات، تعرف ملايين السائحين فى العالم، على بعض ما حول الأهرامات من مواقع ذات صلة، فتردد فى العالم اسم »سقارة« و«نزلة السمان« و«كرداسة« وغيرها.
لكن الجيزة – على مستوى الداخل – وفى وعى وذاكرة المواطن والتاريخ المصرى لم تتوقف عند هذا الحد فقط.
لقد أضاف القرن العشرين فى بداياته إلى الجيزة صرحا علميا أكاديميا كان الأول من نوعه فى مصر، وهو جامعة القاهرة التى استعارت لنفسها اسم العاصمة المصرية.
ثم أصبحت الجيزة بعد ذلك مقراً لعدد من أهم مراكز البحث العلمى فى مجالات مختلفة، فاستضافت المركز القومى للبحوث بالدقي، ومركز البحوث الزراعية بميدان الجيزة، والمركز القومى للبحوث الاجتماعية بإمبابة.
وعلى ذكر إمبابة التى تعد امتدادا لمدينة الجيزة، فقد أصبحت تضم ما يشبه مجمعاً طبياً، علاجيا وبحثيا على أعلى مستوى تتجاوز مكوناته فى محيط جغرافى واحد يطل على النيل، ويضم مستشفى الأمراض الصدرية ومستشفى الحميات والمستشفى المركزى ومعهد السمع والكلام، ومعهد تيودور بلهارس وغيرها، وتقدم خدماتها لملايين المصريين والوافدين.
وخلال السنوات العشر الأخيرة، حظيت الجيزة بما لم تحظ بمثله محافظة أخرى فى مصر، خاصة فى مجال النقل والمواصلات وبالتحديد مترو الأنفاق والسكة الحديد، فبالإضافة إلى الخط الثانى لمترو الأنفاق الذى كان بها، ويربط محافظات »القاهرة الكبري« الثلاث، منطلقا من المنيب بجنوب المدينة، ماراً بوسط القاهرة، وصولا إلى شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، امتد المترو ليصل إلى إمبابة، فضلا عن المشروع الذى يجرى تنفيذه الآن لامتداد المترو من الأهرامات عبر شارع الهرم حتى محطة الجيزة ثم إلى منيل الروضة.
أما فى مجال السكة الحديد، فقد تحقق على أرض الجيزة حلم مصرى كبير، وهو إنشاء محطة سكة حديد على مستوى عالمى فى ضاحية بشتيل بالجيزة، تنتهى عندها قطارات الصعيد بدلا من وصولها إلى محطة مصر بميدان رمسيس بالقاهرة، وتعد هذه المحطة الأحدث فى العالم، ولم تحظ – للأسف – بما تستحقه من اهتمام إعلامى حتى الآن رغم أنها تمثل بالإضافة لدورها الوظيفي، مزارا سياحيا مهما.
ولقد تركت ثورة 22 يوليو 2591 وما صاحبها من مد قومى عروبى بصماتها التاريخية على شوارع الجيزة وساحاتها ومرافقها، ربما بصورة لم تظهر مثلها فى محافظات أخري.
ستجد مثلا كوبرى »الجلاء الذى يربط الجيزة بالقاهرة ويخلد اسمه ذكرى جلاء الاحتلال الانجليزى عن مصر باتفاقية يونيو 4591 إلى جانب كوبرى اكتوبر ومدينة 6 أكتوبر تخليدا لذكرى نصر أكتوبر 7391.
وستجد أسماء دول عربية عديدة وعواصمها على أهم وأطول شوارع الجيزة وميادينها.. يتقدمها شارع جامعة الدول العربية – ميدان لبنان – شارع السودان – شارع فيصل – شارع دمشق.. وغيرها كثير.
ولذلك لا تندهش إذا عرفت أن إحصائيات العرب القادمين إلى مصر، سواء للسياحة أو الدراسة أو الإقامة الدائمة تشير إلى أن النسبة الأكبر منهم تختار الجيزة وضواحيها للإقامة بها.
وحتى بدون هذه الإحصائيات، فإن من يتجول فى أى حى من أحياء مدينة الجيزة وملحقاتها خاصة فى الفترة الأخيرة التى تدفقت أعداد هائلة من الإخوة السودانيين والسوريين وغيرهم هروبا من عدم استقرار بلادهم سيجد هذه الحقيقة على الطبيعة وسيلتقى بهؤلاء فى كل مكان كما أنشأ الكثيرون منهم محلات وكافيهات ومطاعم وبازارات يقدمون فيها أكلات شعوبهم ومشروباتها ومنتجاتها.
إننى أسوق ذلك لأقول، إن المتحف المصرى الكبير، قد أضاف إلى الجيزة، مدينة ومحافظة، قيمة وسمعة حضارية عالمية باعتبارها رمزا لامتداد حضارة الأجداد على أيدى الأحفاد الذين هم نحن.
ولذلك فإن الجيزة، بعد إنشاء وافتتاح وتشغيل المتحف، يجب أن تكون غير الجيزة قبل هذه الإضافة.
المتحف يعرض حضارتنا القديمة، ونحن يجب أن نعرض خلاصة جهودنا وعملنا فى بناء مصر الجديدة.
إن مشروع مد مترو الأنفاق عبر شارع الهرم مثلا يجب أن ينتهى بأقصى سرعة إذا كان انجازه فى وقت أقل من المحدد لا يؤثر على كفاءته، حتى يستعيد شارع الهرم رونقه وبهاءه باعتباره مدخلا طبيعيا مهما من المداخل التى تؤدى إلى ساحة الأهرامات والمتحف.
والأحياء المحيطة بمنطقة الأهرامات والمتحف يجب أن تحظى بأقصى قدر من الاهتمام فى رصف شوارعها ونظافتها وكفاءة مرافقها، والقضاء على عشوائية مواصلاتها وحركة النقل بها وفك تشابكاتها وتحديث وحداتها.
ويجب أن يتضافر جهد القطاع الخاص وجمعيات المجتمع المدنى القائمة والتى يجب استحداثها فى هذا الجهد المطلوب.
ولا أريد الاستطراد فى هذه النقطة بالذات لأن قائمة ما هو مطلوب حافلة بالمفردات والتخطيط لذلك يجب أن يسبق التنفيذ حتى نقدم مصر العظيمة كما نحب أن نراها قبل أن ندعو غيرها لرؤيتها.
إننا نتوسم كمجتمع أن يدر علينا هذا المتحف الذى يضم تراث الأجداد مليارات الدولارات سنويا وبصورة مطردة ومتزايدة ولن يتحقق ذلك إلا بمثل هذا الجهد.
ولا أكتب ذلك من فراغ فأنا أحد أبناء الجيزة وعشاقها.. فى أقصى شمالها توجد عائلتى وأجدادى وفى أقصى جنوبها كان مسقط رأسي، وفى قلبها قضيت، ومازلت أكثر من ثلاثة أرباع عمري، تخرجت خلالها فى جامعتها – القاهرة – وأسعدنى الحظ حين توليت رئاسة مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير التى تصدر هذه الجريدة أن جاء الاحتفال بمئوية هذه الجامعة العريقة، ونجحنا بفضل الله وتوفيقه فى الحصول للمؤسسة على حق رعاية الاحتفال بهذه المئوية وإخراجه فى أفضل صورة.









