ساعات قليلة تفصلنا عن انتخابات مجلس النواب 2025، وهو ما يطرح سؤالًا مهمًا كيف يرى المواطن تلك الانتخابات؟
هذا السؤال كان يمكن أن نحصل على إجابة واضحة له لو أن عندنا مراكز محترفة لاستطلاعات الرأى أجرت استطلاعًا مباشرًا يقيس آراء الناس ورؤيتهم وتطلعاتهم وماذا ينتظرون من ذلك البرلمان قبل انطلاق ماراثون مجلس النواب؟!
المواطن ببساطة يرى انتخابات مجلس النواب بعينٍ مزدوجة؛ عين الأمل وعين الحذر.
الأمل فى أن تكون هذه الانتخابات بدايةً لمرحلة جديدة يُستعاد فيها صوت الناس ووزنهم فى المعادلة السياسية، وأن يخرج من صناديق الاقتراع برلمانٌ حقيقيٌّ يعبر عنهم لا عن مصالح ضيقة أو تحالفات آنية؛ فالمواطن الذى خبر التجارب السابقة لم يعد يقنع بالشعارات ولا بالوعود، بل يريد نائباً يعرف طريقه إلى هموم الناس، لا طريقه إلى مصالحه الخاصة.
وفى الوقت ذاته، ينظر المواطن بحذرٍ عميق إلى المشهد الانتخابي، يسأل نفسه:
هل ستكون المنافسة نزيهة بالفعل..هل سيختار المرشحون برامج تخدم الواقع لا لافتات تزين الشوارع؟
هل سيكون البرلمان القادم مجرد غرفة صدى لقرارات جاهزة، أم سيكون سلطة رقابة وتشريع بحق؟
الناس لم تعد تقنع بالشعارات الفضفاضة، ولا بالوجوه التى لا تراهم إلا وقت التصويت. المواطن يريد نائباً يسمع له، يراه فى الشارع والمدرسة والمستشفي، يطرح قضاياه تحت القبة لا فى المناسبات. يريد برلماناً يحمل نبضه لا بطاقات الدعاية الانتخابية.
ورغم هذا الحذر، يبقى الأمل قائماً بأن تعكس الانتخابات وعياً متنامياً لدى الناس، وأن يدرك الناخب أن صوته ليس منحةً لأحد، بل مسؤولية عن مستقبل وطن بأسره. فصوت المواطن، إن استُخدم بوعي، هو أقوى من المال والنفوذ، وهو القادر على تصحيح المسار وبناء برلمان جدير بالثقة والاحترام.
مهمة البرلمان الجديد أن يستعيد ثقة الناس، وأن يكون على مستوى جهد ورؤية الرئيس وتطلعاته لوطن يشار إليه بالبنان، وهو ما يستلزم أن يقرأ مرشحو البرلمان تاريخ البرلمانات السابقة حتى لا تتكرر مهازلها ومساوئها..وحبذا لو اجتمعت إرادتهم على التنازل الطوعى عن الحصانة البرلمانية التى يتخذها البعض مغنماً وباب للمكاسب والمزايا!!
المواطن وشواغله ينبغى أن يكونا فى صدارة اهتمامات البرلمان الجديد وأولوياته. فمراقبة أداء الحكومة ومتابعة أعمالها خطوة بخطوة هى السبيل لتقديم أفضل الخدمات، وترجمة رؤية الرئيس وتوجيهاته وملاحظاته إلى واقع ملموس يرضى الناس ويستجيب لتطلعاتهم. إن نهوض مصر واستقرارها مسؤولية مشتركة لا ينهض بها طرف واحد، بل تتقاسمها كل الأيدى والعقول والضمائر.
لا تحتمل منطقتنا – بكل ما تموج به من تحديات – تهاوناً أو تقصيراً. فكيف لأمة مثقلة بالأعباء أن تحقق أهدافها وبين أبنائها هذا العدد الكبير من الأميين؟ وكيف لوطن يريد مكانه بين الأمم أن يبلغ غايته من دون تعليم جيد وبحث علمى متطور وصحة قوية؟
لقد أدرك الرئيس السيسى هذه الحقائق منذ اللحظة الأولي، فقاد ثورة هادئة فى التعليم لينتقل من الحفظ والتلقين إلى التفكير والإبداع، وأطلق مبادرات رئاسية واسعة لاستنقاذ صحة المصريين وتطوير المستشفيات، إيذاناً بعهد جديد عنوانه: التأمين الصحى الشامل لكل مواطن.
وليس من سبيل لترسيخ هذه الجهود إلا بأن يضطلع البرلمان الجديد بدوره فى دعمها وتشريع ما يعين على تعميمها، فصحة الناس وتعليمهم هما حجر الزاوية فى نهضة الوطن.
نرجو أن ينخرط البرلمان والحكومة فى حوار واضح مع الناس، حوار بسيط فى لغته عميق فى مغزاه، يواجههم بالحقائق أولاً بأول، حتى لا يُتركوا نهباً للشائعات والمغالطات، فبناء الرأى العام لا يقوم إلا على الصراحة والشفافية. صارحوهم كما يفعل الرئيس فى لقاءاته وخطبه، فقد عوّض حضوره الفاعل غياب النخب والأحزاب والإعلام عن معركة الوعي.
اخرجوا إلى الناس، وترجموا رسائل الرئيس إلى واقع ملموس يذيب الحواجز بين المواطن ومسئوليه، واقع يصنعه الحب والتفانى وإنكار الذات والعدل فى اتخاذ القرار ووضع الرجل المناسب فى مكانه..بهذا وحده يمكن أن يتحقق التوافق الوطنى لعبور هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر.
الأمل معقود على أن يأتى البرلمان الجديد معبّراً بصدق عن إرادة الشعب، حائزاً ثقته ورضاه، وأن يترجم ذلك إلى رقابة جادة وتشريع فاعل يخفف عن الناس متاعبهم. فالمواطن هو المراقب الأول لأداء البرلمان والحكومة معاً، ورضاه المعيار الحقيقى للنجاح.
نريده برلماناً يحترم سيادة القانون، ويعلى مبدأ الفصل بين السلطات، ويكفل التنافس الشريف بين الأحزاب وتكافؤ الفرص بين الناس، برلماناً يؤمن بالعلم والنقد الهادف، ويقف على مسافة واحدة من الجميع، يجعل الضعيف قوياً حتى يأخذ حقه، والقوى ضعيفاً حتى يُستخلص منه الحق.
برلماناً يستلهم رؤية الرئيس فى الرقمنة وميكنة الإجراءات، فيختصر المسافات ويكبح البيروقراطية ويقطع دابر الفساد، ويحتضن الكفاءات والخبرات، ويؤمن بأن البشر هم ثروة هذا الوطن وعدته وعتاده فى السراء والضراء.
نريده برلماناً يعرف أن العدالة لا تتحقق بإعادة توزيع الموارد فحسب، بل بابتكار صيغ جديدة لتوليد الثروة وفرص العمل، وأن التعليم المنتج والبحث العلمى الجاد والصحة العفية هى مفاتيح الخروج من دوائر الفقر والعشوائية والجهل.









