شهدت العلاقات المصرية-القيرغيزية نقلة نوعية وتاريخية باستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، لرئيس جمهورية قيرغيزستان صادير جاباروف في القاهرة، في أول زيارة رسمية لرئيس قيرغيزي إلى مصر منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية.
تعكس الزيارة، التي تُعد نقطة تحول مفصلية، الحرص المتبادل على تعزيز أطر التعاون المشترك بين القاهرة وواحدة من أهم دول آسيا الوسطى، بما يخدم المصالح التنموية والجيوسياسية للبلدين.
لقاء القمة: تعزيز الروابط الثنائية
أجريت المباحثات بين الرئيس السيسي ونظيره جاباروف في قصر الاتحادية، وشملت استعراضاً معمقاً لسبل دفع العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، وتناولت التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وقد أشاد الرئيس القيرغيزي بخطوات التنمية والإصلاح الاقتصادي في مصر، مؤكداً أن زيارته “خطوة تاريخية مهمة” تمثل بداية لتعاون مثمر بين قيرغيزستان والقارة الأفريقية. كما عبر عن إعجابه الشديد بـ”رؤية مصر 2030″ وما حققته من إنجازات.
وتوجت المباحثات بحضور الرئيسين لفعاليات المائدة المستديرة الاقتصادية المصرية-القيرغيزية، التي استهدفت فتح آفاق جديدة للتعاون التجاري والاستثماري. وفي خطوة هامة لترسيخ الوجود الدبلوماسي، أشاد الرئيس السيسي بقرار قيرغيزستان افتتاح سفارة لها في القاهرة، مما يؤكد جدية التوجه نحو شراكة استراتيجية.
اتفاقيات واسعة النطاق لتعميق التعاون
شهد اللقاء الرئاسي التوقيع على حزمة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تغطي مجالات حيوية، مما يؤكد الانتقال بالعلاقات من الإطار السياسي إلى الأطر العملية التنفيذية.
وتشير هذه الاتفاقيات إلى رؤية مشتركة لتأسيس شراكة قوية ومستدامة، تعتمد على التنوع والشمولية، وتستغل الإمكانات الاقتصادية غير المستغلة بين البلدين.
أهمية العلاقات بين مصر ودول آسيا الوسطى
تكتسب العلاقات بين مصر ودول آسيا الوسطى (كازاخستان، أوزبكستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان) أهمية استراتيجية متزايدة لكلا الطرفين، وذلك بالنظر إلى جملة من العوامل الجغرافية والاقتصادية والثقافية، وتسعى مصر، في إطار “رؤية 2030″، إلى تنويع شركائها التجاريين والاستثماريين وتُعد دول آسيا الوسطى، بمواردها الطبيعية الهائلة (النفط، الغاز، المعادن) ونموها الاقتصادي المتسارع، سوقاً واعداً للصادرات المصرية ومنطقة جذب للاستثمارات المتبادلة.
وتمثل مصر بوابة أفريقيا والشرق الأوسط على العالم، كما أن قناة السويس هي ممر التجارة العالمي الأهم.
يمكن لدول آسيا الوسطى، التي تُعتبر مناطق عبور بين آسيا وأوروبا، الاستفادة من الموقع المصري لتيسير وصول منتجاتها إلى الأسواق الأفريقية والأوروبية، خاصة في ضوء مشروع خط السكك الحديدية الذي يربط الصين بقيرغيزستان وأوزبكستان.
وتهتم بعض دول آسيا الوسطى بمواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة و تمتلك مصر خبرة كبيرة في هذا المجال، ويمكن أن تستفيد منها هذه الدول لتعزيز الاستقرار الإقليمي والأمن المشترك.
حيث تتشابك الروابط بين مصر ودول آسيا الوسطى عبر طريق الحرير التاريخي، وتشترك في تراث ثقافي وديني عميق، حيث يمثل الأزهر الشريف منارة للإسلام المعتدل بالنسبة لهذه الشعوب.
الأهمية لقيرغيزستان ودول آسيا الوسطى
الانفتاح على الأسواق الدولية حيث توفر مصر لدول آسيا الوسطى، وهي دول غير ساحلية، منفذاً بحرياً استراتيجياً إلى أسواق القارة الأفريقية وأوروبا عبر المتوسط، بالإضافة إلى الاستفادة من الممرات التجارية عبر قناة السويس.
وتستفيد دول آسيا الوسطى من الخبرة المصرية في مجالات حيوية مثل إدارة الموارد المائية، والطاقة، والبنية التحتية، بالإضافة إلى الخبرة في التحول الرقمي التي أشار إليها الرئيس القيرغيزي.
وتسعى لتنويع شركائها الدوليين والإقليميين بعيداً عن القوى التقليدية، وتجد في مصر ثقلاً إقليمياً وقوة تؤمن بمبادئ الاستقلالية الدولية والسلام والتنمية.
كما يشكل التعاون التعليمي والثقافي، الذي جسدته اتفاقية التعليم العالي، فرصة لتبادل المعرفة وتقريب وجهات النظر والاستفادة من النظم التعليمية العريقة في مصر.
نظرة مستقبلية: بناء جسور مستدامة
تُمثل زيارة الرئيس جاباروف للقاهرة انطلاقة واثقة نحو تعميق التعاون جنوب-جنوب وبناء جسور شراكة مستدامة.
يؤكد هذا الزخم الدبلوماسي والتوقيع على اتفاقيات شاملة في قطاعات متعددة على وجود إرادة سياسية حقيقية لدى قيادتي البلدين لرفع مستوى العلاقات الثنائية إلى آفاق أرحب، بما يعزز المصالح المشتركة ويدعم الاستقرار والتنمية في المنطقة العربية وآسيا الوسطى.
كما إن تفعيل اللجنة الحكومية المشتركة وزيادة الروابط الاقتصادية والثقافية سيحول هذه الزيارة التاريخية إلى منصة قوية للعمل المشترك، معززاً مكانة مصر كـنقطة ارتكاز في السياسة الخارجية لدول آسيا الوسطى.









