قرية صغيرة على بعد نحو 8 كيلومترات من مدينة بسيون، وقرابة 20 كيلو متراً من طنطا، هى كتامة الغابة التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية، والتى تحولت خلال العقود الأربعة الماضية من قرية زراعية هادئة إلى قلعة صناعية حقيقية لصناعة الأثاث تنافس مدينة دمياط أشهر مراكز الأثاث فى مصر.
القرية كانت تسمى «منية الكتاميين» نسبة إلى قبيلة الكتاميين التى استوطنت المنطقة قديماً، ثم أُضيف إليها لاحقاً اسم «الغابة» لتمييزها بعد ضمّ أراضى قرية مجاورة كانت تعرف باسم «الغابة» فأصبحت تعرف رسميا باسم كتامة الغابة، ويقدر عدد سكانها بنحو 40 ألف نسمة، و تضم أكثر من 700 ورشة ومصنع تعمل فى مجالات متعددة مثل النجارة، الدهان، التنجيد، الأويما (النحت على الخشب)، ولصق القشرة، والخراطة، والزجاج، إضافة إلى أكثر من 300 معرض موبيليا وقرابة 30شادر خشب لتوريد الأخشاب المستوردة من دول مثل السويد والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإنجلترا عبر ميناء الإسكندرية.
صناعة الأثاث هى العمود الفقرى للاقتصاد فى كتامة الغابة إذ يعمل بها أكثر من نصف سكان القرية بشكل مباشر أو غير مباشر، ويعد معدل البطالة فى كتامة الغابة من أدنى المعدلات فى محافظة الغربية، بفضل اتساع نشاط صناعة الأثاث وتشغيلها لشرائح واسعة من السكان، خاصة فئة الشباب التى تمثل النسبة الأكبر من العاملين، حيث يتراوح متوسط أعمار العاملين بين 20 و45 عاما، وهى الفئة الأكثر نشاطاً وإنتاجاً فى المجتمع.

«من الزراعة الى الصناعة»
محمد السعدنى 65 عاما أقدم الحرفيين فى القرية يقول: حتى مطلع الثمانينيات كانت كتامة الغابة قرية زراعية بامتياز، يعتمد معظم سكانها على زراعة المحاصيل التقليدية كالقمح والقطن والذرة، وكانت الحقول تمتد على مساحة تتجاوز 3 آلاف فدان من الأراضى الخصبة، ومع تراجع العائد الزراعى وارتفاع تكاليف الإنتاج فى تلك الفترة، بدأ بعض شباب القرية فى البحث عن مصدر دخل بديل أكثر استقراراً وربحية.
فكانت البداية من خلال عدد محدود من الحرفيين الذين تعلموا فنون النجارة والدهان فى مدينة طنطا، ثم عادوا إلى قريتهم حاملين معهم أدوات بسيطة ومهارة كبيرة، سرعان ما تحولت هذه التجارب الفردية إلى ورش صغيرة داخل المنازل، لتنتشر بعدها المهنة فى أرجاء القرية بوتيرة سريعة.
يضيف السعدى أنه عام 1986 لم يكن فى كتامة سوى 8 ورش صغيرة يعمل بها 24 عاملاً فقط، بينما شهدت التسعينيات طفرة فى أعداد الورش نتيجة تزايد الطلب على الأثاث المحلي، ليصل عددها إلى 32 ورشة، ثم إلى أكثر من 300 ورشة بحلول عام 2006 ومع مطلع العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين، تخطت القرية حاجز 700 ورشة ومصنع، لتصبح واحدة من أكبر تجمعات صناعة الأثاث فى الريف المصري.
والخشب ورائحته اصبحا جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، كنا زمان بنشتغل بالمنشار اليدوي، و الآن عندنا مكن حديث، لكن الصنعة مازالت فى الإيد مش فى المكن.
اوضح ضياء محمود -صاحب ورشة دهان- ان الورش تبدأ العمل عادة فى الساعة السابعة صباحا، ويستمر النشاط حتى المساء، حيث تتوزع المهام بين الصنايعية حسب التخصص -وان كل شغلانة ليها ناسها- عندنا ورش النجارة اللى بتقطع وتشكل، وورش الأويما اللى بتحفر التفاصيل الدقيقة، وورش الدهان اللى بتدى المنتج شكله النهائى « كلنا بنكمل بعض»، والمنتج بيمشى من ورشة لورشة لحد ما يطلع قطعة فنية كاملة.
اما محمود قدرى المتخصص فى حفر الأويما فقال ان اصحاب المصانع الكبرى فى دمياط يعتمدون علينا فى الأويما.. يأتوا للحصول على الشغل من هنا جاهز ، لان عندنا عمالة متمرسة بتشتغل بإيدها، وهذا سر الجمال فى الموبيليا.
يشير محمد طه صاحب أحد المصانع الكبرى فى القرية إلى ان الصناعة هنا ما ليست مجرد ورش صغيرة زى زمان، الآن لدينا مصانع متكاملة تنتج الموبيليا بجودة عالية، الإنتاج اليومى يصل لألاف الجنيهات والسنوى يقدر بالملايين، وعدد المنتجات المعروضة فى كتامة تجاوز 300 ألف منتج مختلف بين غرف نوم وصالونات وسفر وأطفال، منتجاتنا ليست فقط للسوق المحلي، لكن بنصدر لدول عربية مثل السعودية والإمارات والكويت والأردن وليبيا.
و أن أعمار العاملين فى هذه المهنة يتراوح بين 20 و45 عامًا، معظمهم من أبناء القرية الذين تعلموا الصنعة على يد آبائهم وأقاربهم، حتى أصبحت المهنة تورّث جيلاً بعد جيل، وتقدر نسبة من يعملون فعليا بصناعة الأثاث بأكثر من نصف عدد سكان القرية، موزعين بين نجارين وأسطوات دهان ومفصلجية وتنجيد وتجارة أخشاب.
واكد على عطية صاحب معرض أثاث ان كتامة اصبحت خلية نحل كل ورشة لها دور، ولا يوجد بيت فى القرية لا يوجد به شغل الخشب، وننافس دمياط فى الجودة والسعر، ويأتى لنا زبائن من الصعيد والدلتا والقاهرة.
«تحديات المهنة»
رغم النجاح الكبير الذى حققته كتامة الغابة فى أن تصبح قلعة صناعية تنافس دمياط فى جودة الأثاث وسرعة الإنتاج، فإن الطريق لم يكن خاليًا من العقبات.
وكما يقول مدحت فوزى صاحب ورشة نجارة فهناك مشكلة فى أسعار الخشب الذى ارتفع بصورة كبيرة، والمستورد أصبح يتحكم فى السوق، والكل يعلم ان خشب الزان والسويد ياتى من الخارج، ومع ارتفاع سعر الدولار أصبحت التكلفة عالية ، واغلب أصحاب الورش يواجهون صعوبة فى الحصول على الخامات بأسعار مناسبة، فى حين يعتمد أغلبهم على موردين من الإسكندرية والقاهرة، مما يرفع تكلفة النقل ويؤثر على التسعير النهائي.
واوضح مصطفى حمدي، أحد الأسطوات الشباب ان التحدى الأكبر كما يراه الصنايعية، فهو غياب الترخيص الرسمى للورش الصغيرة ، فأكتر من نصف الورش شغالة بدون تراخيص، ويجب تسهيل الإجراءات وتكلفة الترخيص حتى يستطيعوا الترخيص، وحتى يستطيع أصحاب الورش المشاركة رسمياً فى المعارض الكبيرة.
واضاف عم حسن دهان ان الشغل ده تعب، بس رزق. إحنا عايزين بس نشتغل فى أمان، ونتعامل مع الدولة كصناع رسميين مش كأننا بنشتغل فى الخفاء.
«حلم المنطقة الصناعية»
خلف هذا النجاح الكبير يعيش أبناء كتامة حلمًا مؤجلاً منذ أكثر من 15 عامًا، يتمثل فى مشروع المنطقة الصناعية المتخصصة لصناعة الأثاث، الذى كان من المفترض أن يُحدث نقلة نوعية فى حياة آلاف الحرفيين.
قال محمد عبد المنعم أحد أصحاب الورش بالقرية: المشروع كان حلمنا منذ عام 2009، هو عندما خصصت الدولة 11 فدانا لانشاء مدينة صناعية متكاملة للأثاث تضم 1600 ورشة و900 معرض، بس للأسف توقفت بعد ثورة يناير 2011 بسبب الظروف السياسية والاقتصادية، لتظل مجرد أرض فضاء حتى اليوم ، واستمرت الورش تعمل الورش فى شوارع وأزقة القرية وبين البيوت السكنية، مما تسبب فى ازدحام، ضوضاء، وتلوث بيئى نتيجة استخدام الورنيش والدهانات داخل المنازل.
ويضيف المحاسب رمضان المنسى أن تنفيذ المنطقة الصناعية سيحقق مكاسب عديدة منها تنظيم الورش والمعارض فى بيئة مناسبة بعيدًا عن الكتلة السكنية ، رفع جودة الإنتاج بفضل المساحات الأوسع وتوافر الكهرباء والمرافق الصناعية ، تعزيز فرص التصدير للأسواق الخارجية وتوسيع حجم الإنتاج الذى يُقدر حاليًا بالملايين سنويًا ، توفير المزيد من فرص العمل التى ستكون رسمية للشباب مع تأمين صحى واجتماعي.









