معضلة القانون الجديد سوف تستمر كمشكلة أساسية تواجه الحكومة الإسرائيلية..
قد تضطرها إلى إجراء انتخابات مبكرة
بقلم : عاطف سيد الأهل
تم إنشاء الجيش الإسرائيلى فى 26 مايو 1948 أى بعد 12 يوماً من إعلان إقامة دولة إسرائيل تحت مسمى قوات الدفاع الإسرائيلية، فى حين أنشئت قيادة الأركان الإسرائيلية قبل قيام الدولة فى أول يونيو 1947 وتولى المنصب ياكوف دوري.
والخدمة فى الجيش الإسرائيلى إلزامية بموجب القانون الصادر عام 1950 للذكور والإناث عند بلوغ سن 18 عاما ويخدم الذكور 3 سنوات والإناث سنتين، ويستثنى من الخدمة الإلزامية العرب (ولكن باب التطوع مفتوح لهم) وطلاب المدارس الدينية، بينما لا يشمل الإعفاء الطائفة الدرزية حاملى الجنسية الإسرائيلية الذين صدر لهم قانون التجنيد الإجبارى عام 1956.. أما بالنسبة لجنود الاحتياط فهم يخدمون لمدة شهر كل عام حتى سن 45، ويتم استدعاؤهم فى حالات الحرب والطواريء. كما يخدم أيضا فى الجيش الإسرائيلى مرتزقة يصل عددهم إلى نحو 10 آلاف.
كانت الحركة الارثوذكسية الدينية المتشددة (أجودات إسرائيل) فى البداية معارضة للحركة الصهيونية وقاطعتها واتهمتها بالالحاد وتدمير الدين اليهودى إلا أن ديفيد بن جوريون تجاوب مع متطلباتهم فى خطاب مراسمى عام 1947 تعهد فيه بمراعاة الهالاخاه (الشريعة اليهودية) وأن تتمتع الحاخامية الرئيسية بكافة السلطات فيما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية، وعدم تجنيد الفتيات، وحرمة يوم السبت، والأكل الحلال، وعمليات التهويد، وغيرها، وأصبح هذا التوجه مدخلا لفهم العلاقة بين الدين والدولة آنذاك، ورغم ذلك ظلت قضية تجنيد طلاب المدارس الدينية من الموضوعات الشائكة فى المجتمع الإسرائيلي.
ظهرت أزمة تجنيد طلاب المدارس الدينية (يوشيفوت) منذ السنوات الأولى لقيام الدولة حيث حرصت القيادات الإسرائيلية فى بدايات إنشاء الدولة على الموافقة على إعفاء الحريديم من التجنيد لجذب أعضاء التكتلات الدينية للهجرة إلى إسرائيل وضمان اندماجهم فى النظام السياسى والاشتراك فى إعلان قيام دولة إسرائيل، الأمر الذى تحقق بالفعل بمشاركة زعيم حزب أجودات اسرائيل – الحزب الدينى اليهودى الأكبر فى أوروبا الشرقية والذى تشكل فى بولندا عام 1912 – فى التوقيع على إعلان قيام الدولة، ومشاركة هذا الحزب فى الحكومات الائتلافية، والحصول على الامتيازات التى توفرها له من تمويل ومناصب فى لجان الكنيست.
جرت فى السنوات التالية عدة محاولات لتجنيد الحريديم لحاجة الدولة اليهم، بدءا من محاولة بنحاس لافون وزير الدفاع عام 1954 تجنيدهم بعد إنهاء دراستهم الدينية إلا أن هذه المحاولة قوبلت بالرفض من جانب الحاخامات، وتجدد الوضع عام 1967 والأعوام التالية، حيث تأسست العديد من اللجان لدراسة أما قبول تجنيد أعداد منهم بشكل تدريجى أو اعفاءهم لمدد محددة ثم إشراكهم لفترة أقل فى الجيش، إلا أن هذه اللجان لم تصل إلى حلول ناجعة نتيجة إصرار الحاخامات والأحزاب الدينية على الرفض القاطع لتجنيد الحريديم.
أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية عدة قرارا ت تطالب بإلغاء إعفاء الحريديم من التجنيد واعتبار قرار وزير الدفاع اعفاءهم غير قانوني، ومعاقبة من يتخلف منهم بغرامات مالية وعقوبات جنائية، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المختلفة لم تنجح فى تطبيق هذه القوانين.
مع مجيء حكومة نتنياهو الحالية، تعهد بنيامين نتنياهو بتقديم قانون تجنيد الحريديم خلال عامين، إلا أن أحداث طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر 2023 أجبرت المحكمة العليا الإسرائيلية مجدداً الطلب من الحكومة بتوضيح أسباب عدم إصدار قانون تجنيد الحريديم فى ضوء حاجة البلاد لهم فى الحرب، كما طالبت أيضا بفرض عقوبة إيقاف تمويل المدارس الدينية التى يرفض طلابها التجنيد فى الجيش.
بدأ الجيش الإسرائيلى فى إرسال طلبات الاستدعاء للطلاب المتدينين إلا أن معطيات لجنة الخارجية والأمن فى الكنيست أظهرت أن استجابة الحريديم لطلبات التجنيد كانت محدودة جداً ولا تتعدى العشرات منهم، وتدخلت المستشارة القضائية للحكومة فى الموضوع مطالبة بتجنيد الحريديم أو حرمانهم من المزايا الاقتصادية التى يحصلون عليها، وأصدر رئيس الأركان أيال زامير أمراً بالقبض على من يتهرب منهم من الخدمة.
أدت هذه التحركات إلى وقوع مظاهرات من جانب طلاب المدارس الدينية ضد الحكومة، وصدور تهديد من جانب الحاخام الإسرائيلى الأكبر (وهو أعلى سلطة دينية فى إسرائيل) يتسحاق يوسف بمغادرة إسرائيل هو والحريديم إلى الولايات المتحدة، منوها أنه سبق أن غادر 9 آلاف حريدى بالفعل البلاد، وأن دولة لا تحترم دارسى التوراة لا تستحق العيش فيها.
تحول قضية تجنيد الحريديم إلى صراع سياسى
– أبلغت الأحزاب الحريدية فى الائتلاف الحاكم (شاس ويهودية التوراة) نتنياهو أن نوابهم فى الكنيست سوف يرفضون المشاركة فى التصويت على أى قوانين تطرحها الحكومة، وذلك على خلفية عدم التقدم فى سن قانونية تعفى الحريديم من التجنيد.
– انسحاب أعضاء حزبى شاس ويهودية التوراة من المناصب الحكومية التى يشغلونها، بناء على توصية مجلس حكماء التوراة، ولكن دون الانسحاب من الائتلاف حتى لا تنهار الحكومة.
– تحرك وزير القضاء الإسرائيلى ياريف ليفين لتقديم مشروع قرار لإقالة المستشارة القانونية للحكومة الداعمة لتجنيد الحريديم.
– قيام بنيامين نتنياهو بعزل رئيس لجنة الخارجية والأمن بالكنيست يولى ادلشتين الداعى إلى تطبيق قانون تجنيد يتضمن عقوبات شخصية وعقوبات مؤسساتية، وتطبيق آليات رقابة وإنفاذ فعالة تلبية لاحتياجات الجيش وحفاظا على مستقبل إسرائيل، وذلك نتيجة تعارض مواقفه مع متطلبات الأحزاب الحريدية، ولضمان استمرار حكومته.
– سعى بنيامين نتنياهو إلى كسب الوقت أيضا للوصول إلى حل يحافظ على استقرار ائتلافه الحاكم ويبقى على عدم تجنيد الحريديم بأى شكل، بتكليف بوعاز بيسموت الرئيس الجديد للجنة الأمن والدفاع بالكنيست بإعداد مشروع قانون تجنيد الحريديم، وذلك خلال الدورة الشتوية للكنيست – التى بدأت فى 21 أكتوبر 2025 وتنتهى فى 31 مارس 2026 – للخروج من مشكلة قانون تجنيد الحريديم محل الخلاف، إلا أن بيسموت لم ينته حتى الآن من إعداد مشروع القانون، والموضوع قد يستغرق وقتاً حيث إن كل قانون فى إسرائيل يتطلب 3 مراحل للتنفيذ بدءا بإعداد وقراءة تمهيدية تليها دراسة فى اللجنة المختصة فى الكنيست، ثم إعادة عرضه على الكنيست مرة أخرى لاقراره.
مشروع قانون تجنيد الحريديم المقترح
القانون الجديد المقترح من وجهة نظر الأحزاب الدينية وحكماء التوراة يهدف إلى فرض عملية تجنيد رمزى على المتدينين طلبة المدارس الدينية، وإعفاء منهجى للعديد منهم، وتخفيض حصص التجنيد إلى الحد الأدني، وأن يتم ذلك بقرار من وزير الدفاع، كما يقترح القانون أيضا منع فرض عقوبات قانونية على المتهربين الحريديم من التجنيد.
تبرر الأحزاب الدينية فى الائتلاف الحكومى إصدار مثل هذا القانون لعدة أسباب:
أن طلاب المدارس الدينية بمثابة جيش روحانى لا يقل أهمية عن الجيش النظامي.
وأن واجبهم الصلاة ودراسة التوراة، وأنه لولا صلواتهم ما قامت دولة إسرائيل حيث أنهم منذ القدم حافظوا على التوراة والتراث الثقافى اليهودى والذى استمر حتى الآن.
وأنهم متفرغون لخدمة الرب، كما أن نمط حياة هؤلاء الحريديم يتعارض مع الأعراف العسكرية من حيث الاختلاط فى الجيش، ونوعية الأكل الكوشير (الحلال).
كانت هناك تجارب لإدخال عدد محدود من طلاب المدارس الدينية تدريجياً فى الجيش الإسرائيلي، وتم تشكيل وحدة عسكرية خاصة للحريديم الذين لم يتم قبولهم فى أى وحدة قتالية أخرى فى الجيش وكان اسمها هانحال هاحريدي، تغير اسمها لاحقا إلى نتساح يهودا (يهودا الحي) وكانت تعمل فى منطقة غور الأردن ثم انتقلت إلى منطقة جنين بالضفة الغربية، إلا أنه كان لهم تاريخ من العنف فى المناطق التى خدموا فيها، مما استدعى فرض عقوبات عليهم من الولايات المتحدة فترة رئاسة بايدن، فتم نقلهم إلى شمال البلاد.
يتجدد الخلاف حول تجنيد الحريديم مع مجيء كل حكومة إسرائيلية جديدة، خاصة وأنه لا يمكن تشكيل حكومة دون مشاركة الأحزاب الحريدية نظرا لعدم إمكانية أى حزب إسرائيلى بمفرده تشكيل حكومة ولم يحدث فى تاريخ إسرائيل أن تم تشكيل حكومة إلا بنظام الائتلاف. ولكن أحداث 7 أكتوبر 2023 والحرب فى غزة فرضت واقعاً جديداً تطلب التوجه إلى المطالبة بتجنيدهم نظراً لحاجة الجيش الإسرائيلى إلى نحو 12 ألف مجند جديد، وتذمر جنود الاحتياط من إعفاء الحريديم وعدم المساواة فى الخدمة العسكرية، وحصولهم على مخصصات مالية عالية فضلاً عن أنهم لا يعملون فى سوق العمل خاصة أن نحو 60 ألفاً منهم فى سن التجنيد، وأن استطلاعات الرأى توضح أن 70 ٪ من المستطلعين يرفضون إعفاءهم من التجنيد والمساواة فى الامتيازات.
سوف تستمر معضلة إصدار قانون جديد يعفى الحريديم من التجنيد كمشكلة أساسية تواجه حكومة نتنياهو الحالية، قد تضطرها إلى إجراء انتخابات مبكرة قبل موعدها المقرر فى أكتوبر 2026.
