ليس هناك كاتب أو مثقف أو مشغول بالكتابة وللقراءة لعمل أو هواية لاسيما إن كان يعيش فى القاهرة لم يزر سور الأزبكية الذى يعد كنزا للكتب والعناوين القديمة والجديدة بل يعد «قبلة» لا ينقطع عنها المثقفون طلاب البعثات والباحثين عن نوادر الكتب سواء فى الأدب أو التاريخ أو اللغات.. غير أن حال السور وطريقة «فرش» الكتب فى الطريق وفى «أكوام» قبل تطويره كان يجعل من عملية البحث والشراء «تعذيباً» للبائع والمشترى والمارة كذلك.. أما الآن وبعد أن تدخلت الدولة وانتهت من مشروع تطوير «السور» ضمن مشروع أكبر لتطوير المنطقة بأكملها فقد صار الوضع أكثر جمالًا وتنظيمًا بل ومشجعا على الذهاب للمكتبات التى توزعت على ممرات وشوارع حملت أسماء كتاب مصر العظام مثل: طه حسين، يحيى حقي، نجيب محفوظ، عباس العقاد، فضلًا عن تخصيص مساحة لعقد الندوات وأكشاك لتقديم خدمات الطعام والشراب وذلك كله دون أن يدفع أى تاجر كتب قرشًا واحدًا، اللهم فقط اشتراك الصيانة والخدمات بعد الاستلام
وما أكده لنا التجار أن كل من كان له «فرشة»، حصل على مكتبة داخل التنظيم الجديد.. معتبرين أن ما حدث نقلة كبيرة ساعدت كثيرا على تشجيع هواة القراءة لزيارة المكان فضلا عما أضافته من لمسة على الميدان الذى عاد أجمل مما كان.. وفى السطور التالية نقرأ تعليقات عدد منهم على الوضع الجديد.
فى البداية يعلق على الشاعر أحد أقدم بائعى الكتب وأكبرهم سنا قائلا: الفرق كبير بين وضع السور الآن ووضعه سابقا حيث كانت تقسو علينا الحرارة وتفاجئنا الأمطار، أما الآن فالخامات المستخدمة فى البناء قوية وتراعى هذه الأمور فضلا عن الشكل الجمالي، بل أضافت الدولة خدمات لم تكن متوفرة فى السور القديم ومنها أماكن خاصة للحمامات والصلاة فضلا عن أكشاك للخدمات التى نحتاجها على مدار اليوم ويحتاجها الجمهور مثل الأطعمة والمشروبات وغيرها من الخدمات التى خصص لها عدة أكشاك فى ممر واحد منظم وهى على وشك البدء فى العمل.
وكذلك وفرت الدولة الاستراحات، والمقاعد للجمهور ولم يكن متوفر ذلك بل وهناك ساحة واسعة خصصت لإقامة الأنشطة الأدبية والندوات واللقاءات الثقافية.
وعن نفسى أبيع: كتب التراث والكتب الدينية والأدبية وكذلك كتب الأدب والفنون و التاريخ وكل أنواع الكتب تقريبا.
أباً عن جد
أما محيى الإسكندرانى فقد ورث المهنة عن الأب والجد وأغلب رجال عائلته عملوا فى مهنة بيع الكتب كما أخبرنا، ورغم أنه خريج زراعة لكن عشقه لهذه المهنة جذبه لها، وسبب عشقه لها أنه يراها مهنة مليئة بالتجديد حيث نلتقى كل يوم بقارئ مختلف ومستوى مختلف من كل الطبقات والأفكار.. يقول الإسكندراني: حتى الثقافة نفسها تغيرت كثيرا عن الماضى فقد كانت بسيطة وقريبة للعقل أما الآن فلاشك أن الأفكار صارت أعمق وتعددت المصطلحات والتخصصات وصارت الأمور أكثر تشعبا، وارتفع سقف المعرفة.
وعن تغييرات المكان وتطوير الدولة أشاد يحيى بما حدث مشيرا إلى المساحة التى أنتجها التطوير صارت تسمح لأصحاب الأكشاك بالجلوس وحتى الزبائن والقراء.
ويتاجر الاسكندرانى بكل أنواع الكتب ويعرف بخبرته أن لكل تخصص قارئه الذى يبحث عنه مؤكدا أن الأجيال الجديدة لا شك مختلفون فى بحثهم واهتماماتهم عن الأجيال التى تربت على يحى حقي، وطه حسين، وغيرهما من كبار الكتاب، وعن أزمة دور النشر وتجار الكتب الذين يتاجرون فى الكتب» الكوبي/ المزورة» والتى تهدر حقوق الناشرين والمؤلفين أكد يحيى أنه لا يعمل فى هذا النوع من الكتب بل وأشار إلى أن هناك أفكاراً نفذتها دور نشر عالمية خففت كثيرا من هذه الأزمة وهى أن دور النشر تطبع نسخا غالية الثمن» فاخرة» بينما تخصص طبعة خاصة» شعبية» بسعر مناسب أو مدعوم يسمح للطلبة وأصحاب الدخول المحدودة بشراء الكتاب الأصلى دون اللجوء إلى النسخ «الكوبي» مؤكدا أن هذا حل من الحلول لو اتجهت دور النشر الكبيرة له موضحا أن أصحابها فى جميع الأحوال لن يعانوا من الخسارة.
كما طالب الاسكندرانى أن تزال الحواجز لينفتح السور على المشهد فى الميدان والمسرح القومى ليعود المشهد مفتوحا بين المسرح وحديقة الأزبكية والكتب كما كان قديما.
أكثر تنظيماً
ومن جانبه يقول عم كامل: أعمل فى بيع الكتب القديمة و الوثائق والكتب والمجلات من ربع قرن ، مضيفا أعشق هذه المهنة لأن زبائنى كلهم مثقفون ومحترمون ومن شباب رائع ومنهم حتى غير مصريين من جنسيات كثيرة خاصة طلاب البعثات.
وتعليقا على التطوير يقول: لقد ساعد التطوير على أن يبدو المكان أكثر تنظيما وجمالا ونظافة، وقد أكد عم كامل أن الدولة تحملت كافة تكاليف التجديد موضحا: لم تحملنا شيئا منه إلا فقط خدمات الصيانة والأمن وما شابه، وعن أكثر ما يهتم به عم كامل أوضح أنه يهتم بالمجلات والجرائد القديمة ويحتفظ بأعداد كبيرة منها مرتبة ومفهرسة لاسيما الأهرام والأخبار والجمهورية.
منتهى التعاون
أما أشرف عبد الفتاح صاحب مكتبة فنون وهو خريج تربية فنية لم يرث مثل غيره المهنة عن أب أو جد بل اختارها لنفسه عن حب وشغف بالقراءة وبالكتاب.
وعن التطوير والمساحات المخصصة لكل تاجر أكد أشرف أن مسئولى المشروع كانوا فى منتهى التعاون والتفهم وأنهم استمعوا لنا جميعا وتفهموا شواغلنا حول المساحات والتقسيم واستوعبوا الجميع فخرج الجميع راضيا، وكل من كان له مكان قبل التجديد حصل على مساحة فى التقسيم الجديد.
وأضاف: لقد ساعد هذا التطوير والشكل الجمالى على زيادة النشاط لأن المتابعين يشاهدون الوضع الجديد فى صور وفيديوهات على السوشيال ميديا فيسارعون إلى هنا للمشاهدة فى الواقع والاستمتاع بالوضع الجديد الأكثر تنظيما وجمالا، ومن ناحية الكتب الأكثر رواجا أشار أشرف إلى أن كل قارئ له اهتمامه فليس هناك قاعدة فى ذلك.. لافتا أنه رغم مرور الزمن مازالت الأسماء العظيمة الكبيرة مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومصطفى محمود، يوسف السباعي، أنيس منصور وغيرهم مطلوبة أعمالهم للآن ويسأل عنهم الأجيال الجديدة، وعن صعود نجم الرواية أكد اشرف أن الرواية فعلا لها سطوة الآن ومطلوبة لافتا أن الشعر شبه « راحت عليه» وأنه لم يعد يسأل أحد عن كتب الشعر اللهم إلا من يحضر رسالة علمية أو ما شابه.
سوق العمل
من جانبه يضيف محمد عمر: أعمل فى كتب اللغات بشكل عام سواء الأدب أو العلوم ، لافتا أن معظم الطلبة والأجيال الصاعدة مهتمة كثيرا باللغات من أجل فرص العمل، وأضاف أحيانا أهتم نسبيا بالرواية لأنها مطلوبة لكن هناك الكثير من نوعيات الكتب لم أعد أهتم بها، وهذا يرجع إلى أوضاع سوق العمل التى جعلت الشباب يميل لنوعية معينة من الكتب وبخصوص «مسألة تزييف الكتب» أشار عمر إلى أنها مشكلة كبيرة تؤثر جدا فى سوق البيع وتزيد أعباء الناشر والبائع، لافتا أن القارئ معذور كيف نقنعه بشراء كتاب بـ 200 و300 بينما يعرض عليه نفس الكتاب بـ30 و40 وهذه مشكلة لابد لها من حل يريح الجميع.









