يصادف اليوم السبت موعد نشر المقال الرابع حول الإستراتيجية الوطنية للسياحة، افتتاح المتحف المصرى الكبير وهو ركيزة للقوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية، ويعد هذا المتحف مشروعًا قوميًا يتجاوز بكثير كونه مجرد مبنى ضخم لعرض الآثار. فبموقعه الإستراتيجى الذى يطل مباشرة على أهرامات الجيزة، وبحجمه الهائل الذى يجعله أكبر متحف فى العالم مخصص لحضارة واحدة، يصبح المتحف أداة إستراتيجية متعددة الأبعاد، تمثل ركيزة أساسية لقوة مصر الناعمة على الساحة الدولية، ومحورًا إستراتيجيًا فى رؤية الدولة للتنمية الشاملة.
وتكمن الأهمية الإستراتيجية الأعمق للمتحف فى دوره كـ»سفير دائم» لمصر لدى العالم، يرسخ مكانتها كمركز حضارى وإنسانى رائد.
المتحف هو إعلان عالمى يجدد التأكيد على أن مصر هى مهد الحضارة وأن شعلتها لم تنطفئ. فبعرض أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، بما فى ذلك المجموعة الكاملة للملك الذهبى توت عنخ آمون لأول مرة، يقدم المتحف قصة متكاملة للحضارة المصرية بلغة بصرية وإبداعية يفهمها العالم أجمع. هذا التقديم المعاصر للتاريخ يعزز هيبة الدولة ومكانتها.
استقطاب حفل الافتتاح لشخصيات دولية رفيعة المستوى من رؤساء وملوك وممثلى منظمات دولية يعكس الدور الدبلوماسى للمتحف. إنه يوفر منصة للحوار الثقافى والتعاون الدولى فى مجال صون التراث، ويحول الثقافة إلى أداة للتقارب والسلام بين الشعوب.
المتحف المصرى الكبير هو علامة تجارية لمصر الحديثة التى تجمع بين عراقة الماضى وروح التنمية المعاصرة. هذا الإنجاز المعمارى والتقني، الذى حصل على شهادات دولية كأول متحف أخضر فى إفريقيا والشرق الأوسط، يعكس قدرة الدولة على تنفيذ مشاريع عملاقة بمعايير عالمية، مما يعزز ثقة المجتمع الدولى فى قدرات مصر. ويغير المتحف بشكل إستراتيجى من موقع مصر على الخريطة السياحية العالمية، ويمنحها ميزة تنافسية لا تملكها أى دولة أخري.
المتحف ليس مجرد موقع للزيارة، بل وجهة سياحية متكاملة تهدف إلى إطالة فترة إقامة السائح فى القاهرة وما حولها. يتيح ذلك للسائح فرصة استكشاف مناطق أخرى مجاورة كالأهرامات، والمتحف القومى للحضارة، مما يخلق مسارًا سياحيًا متكاملاً يرفع من متوسط إنفاق السائح وعائدات القطاع.
بفضل قاعات المؤتمرات والأنشطة الثقافية ومتحف الأطفال والمراكز التعليمية والسينما، يدخل المتحف مصر فى منافسة قوية فى مجال سياحة المؤتمرات والأحداث الدولية، مما يفتح أسواقاً سياحية جديدة ومستدامة. يستهدف المتحف شريحة السياحة الثقافية والتاريخية، التى تمثل شريحة ذات إنفاق مرتفع. هذا التركيز الإستراتيجى على «سائح الجودة» يضمن عوائد اقتصادية أكثر استدامة للاقتصاد المصري. وتكمن أهمية إستراتيجية أخرى للمتحف فى دوره كمركز علمى ريادى يخدم الحاضر والمستقبل.
ويضم المتحف أكبر مركز للترميم فى الشرق الأوسط، مجهز بأحدث التقنيات. هذا المركز لا يقتصر دوره على صيانة وعرض كنوز المتحف فحسب، بل هو مؤسسة تعليمية وبحثية رائدة تهدف إلى بناء كوادر مصرية متخصصة فى علم الآثار والترميم، مما يعزز من مكانة مصر كمرجع إقليمى وعالمى فى هذا المجال.
ويركز المتحف على التوثيق الرقمى وتسجيل القطع الأثرية باستخدام أحدث التقنيات، مما يجعله نموذجًا عالميًا فى إدارة وحفظ التراث فى العصر الرقمي، ويدعم اقتصاد المعرفة فى مجال المتاحف. ويمثل المتحف أداة إستراتيجية داخلية لترسيخ الهوية الوطنية بين الأجيال الجديدة. من خلال العرض التفاعلى والمحتوى التعليمى الموجه للشباب، يصبح المتحف فضاءً لتعزيز الفخر بالهوية والانتماء وتجديد الوعى بأهمية الحضارة المصرية.
إن المتحف المصرى الكبير هو استثمار إستراتيجى بعيد المدى يربط تاريخ مصر العظيم بمستقبلها الواعد. إنه ليس نهاية مشروع، بل نقطة انطلاق لمرحلة جديدة تعتمد فيها مصر على تراثها الثقافى كرافد تنموى شامل وقوة ناعمة فعالة. وبهذا الصرح، تؤكد مصر للعالم أنها ماضية فى طريق النهضة، ببناء المستقبل على أساس من تاريخها الخالد.
وللحديث بقية









