نظرة على المتحف المصرى الكبير، الذى يتم افتتاحه اليوم، نجد أنه يمثل تحفة معمارية وهندسية تدمج عبقرية التصميم مع أحدث التقنيات العالمية. لم يبن هذا الصرح ليكون مجرد مستودع للآثار، بل ليكون أيقونة معمارية ذكية ومستدامة تعكس قدرة مصر على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتضع معياراً جديداً فى مجال العرض والصون المتحفي.
ويُعد التصميم المعمارى للمتحف، الذى فاز فى مسابقة دولية لشركة «هينجان بينج» «HeneghanPeng» الأيرلندية، شهادة على التفاعل المدروس بين الفن الحديث والتاريخ القديم.
وقد صُممت واجهة المتحف على شكل مثلثات هندسية ضخمة تتفرع إلى مثلثات أصغر، مستوحاة من نظرية التقسيم اللانهائى لشكل المثلث، وهو ما يمثل إطاراً رمزياً وتكريماً لشكل الأهرامات المجاورة. يضمن هذا التصميم التكاملى أن يكون المبنى جزءاً لا يتجزأ من المشهد الأثرى المحيط.
ويمثل الدرج العظيم قلب المتحف، وهو عمل فنى ومعمارى بحد ذاته. يصعد الزائرون عبره فى رحلة زمنية مرئية، حيث تعرض على جانبيه تماثيل ضخمة لملوك وملكات مصر القديمة، ليختتم مساره بإطلالة بانورامية خلابة على الأهرامات الثلاثة من خلال الواجهة الزجاجية الشفافة. ويمتد المتحف على مساحة 500 ألف متر مربع، منها حوالى 45 ألف متر مربع مخصصة لقاعات العرض المتحفي. ويتضمن الهيكل مبانى متعددة الوظائف تشمل: قاعات العرض الدائم والمؤقت، ومتحف الطفل ومكتبة متخصصة فى علم المصريات، وقاعة مؤتمرات ضخمة وسينما ثلاثية الأبعاد.
ويعد المتحف المصرى الكبير أول متحف أخضر فى أفريقيا والشرق الأوسط، بعد حصوله على شهادة EDGE Advanced للمبانى الخضراء. وهذا التميز نابع من
ترشيد استهلاك الطاقة، حيث يتم خفض كبير فى استهلاك الطاقة مقارنة بالمبانى التقليدية.
وكذلك الاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية وأنظمة إضاءة وتهوية متقدمة وصديقة للبيئة.
ويستخدم المتحف أحدث التقنيات لتقديم تجربة متحفية تفاعلية وعلمية غير مسبوقة، ولضمان الحفاظ على كنوز الحضارة المصرية للأجيال القادمة.
وتعرض مجموعة الملك الذهبى الكاملة أكثر من 5300 قطعة للمرة الأولي، وتوظف تكنولوجيا متقدمة فى الإضاءة وأنظمة التحكم البيئى الدقيق لضمان سلامتها. ويدمج المتحف تقنيات الواقع الافتراضى المختلط والجولات الافتراضية لعرض القصص التاريخية وتفاصيل القطع الأثرية، مما يخلق رابطاً وجدانياً ومعرفياً جديداً مع الزوار، ويوفر تجربة غامرة ومحاكاة لرحلة الملك عبر التاريخ. وتم تصميم المتحف ليكون متاحا للجميع، حيث تتضمن المعروضات أساليب عرض خاصة لذوى الهمم، مثل نماذج مستنسخة يمكن لمسها، وشروحات بطريقة برايل، مما يجعله نموذجاً للمتاحف الشاملة. ويعد مركز الترميم الملحق بالمتحف الأكبر والأكثر تقدماً فى الشرق الأوسط، وهو يمثل قلباً علمياً للمشروع. ويضم المركز 19 معملاً متخصصاً ومجهزاً بأحدث الأجهزة العالمية لترميم مختلف أنواع المواد الأثرية، سواء كانت عضوية، وخشبية ومعادن، ومنسوجات، وأحجار ثقيلة. وتعمل كوادر مصرية عالية التدريب بالتعاون مع خبراء دوليين خاصة اليابانيين فى مجال الترميم.
وتشتمل المعامل على أنظمة متطورة للتحكم فى درجات الحرارة والرطوبة وأنظمة شفط الأبخرة الضارة، بما يتناسب مع احتياجات كل مادة أثرية، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على القطع النادرة.
ويطبق المتحف أنظمة متكاملة للتوثيق الرقمى وتسجيل القطع الأثرية، بالإضافة إلى أعلى معايير الأمن والتأمين العالمى للمقتنيات، لضمان دراستها وحفظها بشكل آمن ومستدام.
المتحف المصرى الكبير هو نتاج رؤية هندسية ومعمارية وتقنية ثورية، وضعته فى مصاف المتاحف الذكية والمستدامة عالمياً. إن دمج التصميم الذى يحتفى بالأهرامات، مع التكنولوجيا التى تحكى قصة الماضى بلغة المستقبل، يجعله ليس فقط إنجازاً حضارياً، بل رمزاً لقدرة مصر على تنفيذ مشاريع القرن بأعلى المعايير العالمية.









