على مدى الساعات الماضية كان مشهد احتفالات المصريين أمام المتحف الكبير معبرًا عن فرحتهم بإنجاز جديد ينال إهتمام العالم المصريون بعفوية تامة ذهبوا بسياراتهم لمنطقة المتحف لإلتقاط الصور والغناء والابتهاج بالمشروع العملاق، يعبرون عن سعادتهم ويوجهون رسالة أخرى للعالم، إن هذا هو نتاج جهدنا، وتلك هي حضارتنا.

لم تختلف احتفالات المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي تحولت غالبية صفحاتهم إلى صورهم بزى المصريين القدماء، في مشهد فضائي يعكس مدى فخر كل مصرى بانتمائه المصري يضاف إلى ذلك مشهد فرحة المصريين بحالة الجمال التي تبدو عليها شوارع العاصمة وكل الطرق المؤدية إلى المتحف.
هذه مشاهد كاشفة لمعدن المصريين الذين مهما كانت الظروف. والتحديات لكنهم يفخرون ببلدهم ويسعدون بكل منجز على أرضها، ويتمنون كل يوم إنجازا أو مشروعا جديدا في دولة أصبحت تحترف صناعة البهجة والفرحة، وقيادة تعرف كيف تعيد للمصريين فخرهم ببلدهم وشعورهم بالعظمة والانتماء وتصنع بداخلهم الأمل في المستقبل الأفضل.

في فترة سابقة كان هذا الأمل شبه غائب، لا أحد يرى المستقبل ومن يفكر فيه يراه غامضا، وربما مخيفا، فالأوضاع الاقتصادية كانت صعبة بل عصيبة والسياسية كانت مرتبكة، والأجواء كانت لا تشجع على التفاؤل، لكن خلال السنوات الاثنتى عشرة الأخيرة ورغم ما واجهنا من صعوبات وتحديات غير مسبوقة، لكن المصريون لم يفقدوا الأمل، دائما مستبشرون ومتفائلون بأن الغد أفضل بل يراهنون عليه بثقة، يرفضون الاستماع إلى دعاة التشاؤم ومروجي الإحباط لأنهم يرون بأنفسهم الأمل، لأن هناك دولة الآن تبنى رغم التحدي، تنجز رغم الصعاب التي تواجهها، قادرة على إجبار العالم على احترامها، نجاحات الدولة خلال السنوات الأخيرة تقول إن مصر كبيرة ليس قولا بل وفعلا، وأنها عصية على الفشل، قد تتعثر وقد تتأخر لكنها سريعا ما تستعيد كل مكانتها وقوتها ومجدها وتبنى نفسها من جديد.
ما بعد 2011 كان الوضع أسوا ما يكون الدولة، لا أمان ولا استقرار ولا مخزون إستراتيجي ولا مشروع يمكن أن يبشر بالخير، تأخرت مصر في كل شيء، سياسيا وثقافيا واقتصاديا، حتى ترتيبها عربيا وإفريقيا تراجعت بشدة لدرجة أنها كادت تهمش أو يصلح قرارها بيد غيرها، تعرضت لهدم متعمد وتخريب مدير لكل قدراتها ومؤسساتها الوطنية، وجاء حكم الجماعة الإرهابية ليكمل الصورة السيئة ومرحلة الانهيار، لكن الشعب الذي لا يقبل هذا الوضع لبلده انتفض، ليجبر هذه الجماعة الخائنة على الرحيل بعزلها وخلعها من الحكم استعاد بلده سريعا، وبثقة كبيرة وخبرة أصحاب الحضارة اختاروا من يستحق الثقة ليتولى المسئولية وليعيد بناء الدولة من جديد، ويكتب مرة أخرى قصة عودة مصر شعبها ومكانتها وريادتها.
11 عاما من العمل الجاد والتعب والجهد مواجهات لا تنتهى للتحديات الصخمة، وتصدى للأزمات ومحاولات تغلب على الصعاب، من حصار اقتصادي وإرهاب ممول دوليا ومخططات فتنة وتخريب داخلي، ورغم ذلك لم يتخل عن البناء، لم يترك ملفا إلا وتم فتحه والعمل عليه، ليس هناك قطاع لم يتم تطويره، كل يوم هناك جديد، خطوات للإصلاح مشروعات للإنتاج. خطط للتطوير، أفكار للبناء، مبادرات لتحسين أحوال المصريين محاولات لاستعادة المجد المصرى.
مشروعات مؤجلة تم إنجازها في وقت قياسي، أفكار كانت معطلة تم تفعيلها، رغبة البناء كانت هي الأساس، لا استسلام لأى معوقات مهما كانت صعبة، ولا تراجع عن فكرة جادة مهما كانت مكلفة، عشرات بل مئات الملفات المهملة تحولت إلى قصص نجاح.
من يقف على عدد هذه المشروعات التي تم إنجازها فسوف يدرك حجم ما تحقق من تغيير جذري في الدولة المواطن نفسه يرى ذلك بوضوح، لأنه يرى بعين عاقلة، ولهذا لا يسمع لمن يتعمدون التشويه ولا يطيقون أن تتقدم مصر خطوة واحدة للأمام.
- المواطن لم ينس كيف كانت بلده وكيف أصبحت الآن.
- كيف كانت العشوائيات تحاصرنا وكيف أصبحت الآن مدنا حضرية.
- كيف كانت الطرق المصرية مدمرة وسيئة وكيف أصبحت الآن لدينا شبكة طرق عصرية وعالمية.
- كيف كانت المستشفيات تفتقد للكثير من أساسيات احتياج العلاج، وكيف أصبحت الآن تقدم مستوى طبيا متطورا يليق بالمصريين.
- كيف كان حلم الوحدة السكنية صعب المنال، وكيف أصبح مشروع الإسكان بمستوياته المختلفة يلبي احتياجات المواطنين بكل طبقاته.
- كيف كانت احتياجاتنا من الغذاء، وكيف أصبحنا الآن نتحدث عن الاكتفاء الذاتي كواقع في العديد من السلع الغذائية لعدة شهور.
- كيف كانت الرقعة الزراعية وكيف أصبحت.
- وقبل كل هذا كيف أصبح جيش مصر رقما مؤثرا فى المعادلة الإقليمية بل والدولية بما امتلكه من قوة ردع حديثة وقادرة.
- وكيف أصبحت الشرطة المصرية قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي بأعلى درجات الاحترافية والجاهزية.
كل هذا بالأرقام المترجمة على أرض الواقع، في دولة تستعيد قوتها وقدراتها، دولة أصبح لديها مشروع وطني حقيقي هدفه امتلاك كل مقومات القوة الشاملة والقدرة التي تضمن لها الاستقرار والرفاهية والتطور.
دولة تستعيد نفوذها ودورها الريادي إقليميا وتأثيرها دوليا، صورة مؤتمر شرم الشيخ ترجمة واقعية لهذا ومعها صورة قمة بروكسل، وبجانب ذلك يأتى النجاح الدبلوماسي المتعدد والمتنوع الجوانب.
مع كل هذا يأتى المتحف الكبير في توقيت مثالي ليكون «أيقونة» مرحلة، رسالة إن كل ما يتحقق من إنجازات ليس من فراغ وإنما نتاج دولة حضارة، الأحفاد يستكملون مسيرة الأجداد، التاريخ يعيد نفسه، ومصر تكتب صفحات جديدة تضاف إلى سجلها الزاخر بالإبداع، مصر لا تدعى تاريخا بل هي التي تكتب التاريخ مصر لا تبحث عن ماض تفتخر به بل هي التي صنعت المجد وما زالت تصنعه، مصر ربما لا تكون غنية بالثروات المادية، ولكنها أغنى دول العالم بحضارات وتاريخها وما صنعه أجدادها، مصر دائما ولادة بالقادة العظام الذين غيروا التاريخ بأفكارهم وإصرارهم وقوتهم، من قلب المتحف الكبير يطل تحتمس الثاني بعبقريته، وتوت عنخ آمون الذي تحول إلى عشق عالمى رغم مرور آلاف السنين، وخوفو مؤسس الهرم الأكبر.
حضارة يقف أمامها العالم منبهرا وملوك عظام سطروا التاريخ كل هؤلاء يجمعهم متحف هو الأكبر من نوعه في العالم شيده قائد من أحفاد هؤلاء العظماء، أمتلك قدرات فريدة وأفكار مبتكرة مستنيرة ورؤية وطنية شاملة فأعاد بناء الدولة التي تأسست منذ البداية على العظمة والطموح المستمر، دولة تشيد ليتعلم العالم.
هذه فلسفة واضحة فى المتحف الكبير، مساحة ضوء ثقافية وأثرية جديدة للدنيا كلها وليس مصر وحدها ، مكان يضم بين جنباته العبقرية التي أبهرت العالم والملوك الذين امتلكوا قلوب العاشقين للتاريخ المصرى.
والرسالة أن هذه هى مصر التي لا تسقط أبدا، أراد الله لها الخلود، فلم يجرؤ أحد على النيل منها، هذه هي مصر الكبيرة، الحاضرة دائما بقوة إرادة أبنائها وصلابة مواقفها ومكانتها.
المتحف الكبير ترجمة لحضارة كبيرة وعظيمة، وتلخيص قصير المسيرة سبعة آلاف عام من البناء لم تتوقف خلالها مصر عن إبهار العالم.
هنا لا بد من التوقف أمام صاحب القرار الذي أحيا مشروعا كاد أن يموت أو على الأقل كان يمكن أن يعطل لعقود أخرى المتحف الكبير وإن كانت بدايته في 2002 لكنه تعثر في خطواته وتحول إلى ملف روتيني في وزارة الآثار إلى أن جاء الرئيس عبد الفتاح السيسى بأحلامه الكبيرة التي لا تتوقف لمصر، اعتبر المتحف مشروعا قوميا ورسالة من الجمهورية الجديدة للعالم، وكعادته اتخذ قرارات حاسمة وخطوات واضحة وسريعة من أجل إنجازه، ليظهر اليوم إلى العالم في مشهد يليق بمصر وحضارتها وتاريخها وثقافتها وتراثها ، ولنقول لكل الدنيا.. مصر تصنع المجد من جديد.








