تناولنا فى المقال السابق أن احتضان مصر مؤتمر السلام بحضور زعماء العالم يمثل نقطة تحول عظيمة للاقتصاد المصرى، وخاصة بعد رفع التصنيف الإئتمانى من قبل وكالة -ستاندرد آند بورز- من B- إلى B كدليل على أن الإصلاحات الهيكلية المصرية تسير فى الإتجاه الصحيح، وأن نقطة التحول الأكبر ستكون عبر استضافة مصر الشهر القادم مؤتمر التعافى المبكر وإعادة الإعمار والتنمية، والذى نتوقع معه أن يتضمن ثلاثة محاور رئيسية، تثبيت الاستقرار، وتوفير الضمانات، وجذب التمويل. وبالتالى فإن نجاح مصر بأن تكون قبلة العالم، قد جاء من خلال استضافتها قمة السلام، والتى انعكست بالإيجاب على مشاركة الرئيس السيسى للقمة الأولى بين مصر والاتحاد الأوروبى، وتأكيده على رؤية مصر الواضحة تجاه بناء علاقات متوازنة مع شركائها، وتأكيده أيضاً على وجود رؤية متكاملة تعكس طموح الدولة المصرية فى بناء تحالفات قائمة على المصالح المشتركة، وتجعل من مصر مركز ثقل سياسى واقتصادى، وهو ما يؤكد أن انعقاد القمة المصرية الأوروبية للمرة الأولى يعكس مدى إلتزام الطرفين بتعزيز العلاقات الاقتصادية والإستثمارية، وهو ما تجلى بتأكيد الاتحاد الأوروبى، التزامه بدعم جهود مصر لتحقيق الاستقرار الاقتصادى من خلال حزمة تمويلية قدرها 7.4 مليار يورو حتى عام 2027 والتزامه بالتحول الأخضر وتعزيز الاقتصاد الدائرى.مع التعاون فى مجالات الذكاء الاصطناعى والأمن السيبرانى. والأهم هو الموافقة على إنضمام مصر إلى برنامج أفق أوروبا، مما يتيح للباحثين المصريين المشاركة الكاملة فى مشروعات البحث والابتكار الأوروبية.ودعم إصلاح التعليم الفنى والمهنى (TVET).ونظراً لأن البرنامج الأوروبى «أفق أوروبا» هو أكثر برامج البحث والابتكار طموحا فى العالم فإنه من المتوقع أن يحفز القدرة التنافسية للاقتصاد المصرى، نظراً لأن من بين أهدافه تعزيز الأسس العلمية والتكنولوجية للاتحاد الأوروبى. كذلك تحفيز القدرات التنافسية والمساعدة فى الاستجابة للقضايا العالمية، بما فى ذلك أهداف التنمية المستدامة.
لذلك فإننا نرى أن هذا الإتفاق يمثل ولادة فصل جديد فى علاقة مصر بالعلم والتكنولوجيا والابتكار، والأهم هو تحول وضع الدولة المصرية فى منظومة البحث العلمى من متلق للمعرفة إلى مشاركٍ فى صناعتها وبقواعد متساوية. وبالتالى فإننا نرى أن إتفاق الأفق الأوروبى يعد تحولاً نوعياً فى قدرات مصر التنافسية، إذ إنه يفتح نافذة تمويلية تقدر بنحو 100 مليار يورو حتى نهاية البرنامج، مما يسمح للجامعات والشركات المصرية، بما فى ذلك الناشئة منها، بالتقدم لتمويل مباشر دون وسيط، وبالمعايير نفسها المطبقة على دول الاتحاد الأوروبى، كما أن هذا الارتباط يمنح مصر بوابة وصول كاملة إلى الركائز الثلاث التى بنى عليها البرنامج، بدءاً من برامج بناء القدرات العلمية والبعثات والتدريب والدكتوراة الصناعية، مروراً بمنصة مواجهة التحديات الصناعية والتكنولوجية، وصولاً إلى منظومة الابتكار التى توفر دعماً للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة.وعلى الجانب الآخر فإن الانخراط فى برامج الاتحاد الأوروبى يتطلب مستوى رفيعاً من إعداد المقترحات، والإلتزام بمعايير للمنهجية البحثية، لذا فإن المخاطر تكمن فى أن بعض المشاريع قد تنجرف لخدمة أجندات أوروبية بعيدة عن أولويات التنمية المصرية، فضلاً عن صعوبة التعامل مع الإجراءات الإدارية والمالية المعقدة التى يشتهر بها الاتحاد الأوروبى، وهو ما يستوجب تحديثا فى قدرات الجامعات والمراكز البحثية المصرية كى تتحرك بكفاءة دون عراقيل
وهو ما يجعلنا قانعين بأن التوقيع على الافق الأوروبى ليس سوى البداية، فنجاح التجربة لن يقاس إلا بقدرة المؤسسات العلمية المصرية على التأقلم سريعاً مع معايير تنافسية عالمية، واستثمار الفرصة لا كمصدر تمويل فحسب، بل كمدخل لتغيير ثقافة إدارة البحث العلمى نفسه. وللحديث بقية إن شاء الله.









