الاهتمام بالعائلة، والبحث عنها، ومحاولة التآلف معها واسترجاع الماضي، فكرة مهمة تشغل المجتمعات فى العالم كما تشغل مجتمعنا وهو ما رأيناه فى افلام عديدة قدمها مهرجان الجونة فى دورته الأخيرة، ومن بينها فيلم المخرج الأمريكى جيم جارموش (أب أم أخت أخ) الذى يحكى عن أهمية كل شخصية من الأربعة بالنسبة للعائلة،اى عائلة، من خلال ثلاث قصص مختلفة لثلاث عائلات فى بلاد مختلفة، ولكل قصة فيها بطل من العائلة، بطل القصة الاولى هو الاب، الذى نراه عجوزا يبدو فى حالة صعبة من الفقر والوحدة لنكتشف بعدها انه اب لشاب وفتاة يعيشان بعيدا وحين جاءا لزيارته اخيرا نكتشف ضعف مشاعرهما تجاهه وكأنهما فى زيارة عادية ، وحين يرحلان ندرك انه ليس فقيرا ماديا ولكنه يحتال لرؤيتهما بهذه الحجة التى وجدها مؤثرة حتى لا يتوقفا عن زيارته، اما القصة الثانية فهى قصة ام تعيش فى بيت كبير فخم وتتواصل مع طبيبة نفسية لتحكى لها آلامها، وحين تحضر ابنتيها لزيارتها نكتشف ان حالتهما المادية صعبة، وان الام تعاملهما باستعلاء يخلو من المحبة برغم ثرائها وفقرهما،بل انها تنهر الابنة الكبرى حين أمسكت بأبريق الشاى الفخم لتصب الشاى لنفسها ولتبدو العلاقة بلا محبة وانما بعد اسرى سعت اليه الام (بدون ان نعرف تفاصيل أكثر) وكأنها ليست اما، ولستا ابنتاها .اما القصة الثالثة لهذا الفيلم الذى قام بأداء أدواره عدد من اهم نجوم ونجمات الشاشة الأمريكية وعلى رأسهم كيت بلانشيت وشارلوت رامبرينج وآدم درايڤر، تأتى القصة الثالثة لتعيد الامل فى استمرار الاسرة حين يتذكر الأخ الشاب وأخته التوأم وهما فى فرنسا،ذكرياتهما مع الاب والام الراحلان اثناء تفكيرهما فى رحلة العودة الى بلدهما الام امريكا،ويفكران ماذا يفعلان فى الشقة والمقتنيات وهما يتذكران حياتهما الماضية، ليأخذهما الموقف الى ما تركه الأبوان من رسائل وصور واشياء شخصية عزيزة، ويقرران معا عدم التفريط فيها، فهى الإرث الحقيقى المعبر عن الايام الطويلة والذكريات الرائعة مع الاسرة.
من أجل آدم
فى نفس الاتجاه يصل بنا فيلم (الحج)للمخرجة الإسبانية كارلا سيمون الى قضية الاسرة من خلال (مارينا) الفتاة التى فقدت والديها بسبب الإيدز وهى طفلة، فعاشت مع أقاربها يتيمة حتي بلغت سن الرشد وقررت البحث عن عائلة ابيها فى برشلونة وتقفى أثره سعيا لاعتراف أجدادها بها، ومعرفة كل ما تجهله عن أبويها،ولكنها حين تصل الى البيت الموعود وكلها آمل فى معرفة اسرتها تواجه صعوبات كبيرة بين الشكوك فى صدقها الى التجاهل والترحيب الفاتر بها وهو ما يضيف اليها الكثير من التوتر ويضعها فى مواقف صعبة، ومن جانب مختلف، يطرح علينا الفيلم البلچيكى (من اجل آدم) اخراج لورا واندل صورة اخرى للأسرة من زاوية صعبة هى غياب الاب وقيام الام وحدها برعاية طفلها الصغير (آدم) بسنواته الأربعة و الذى يصاب بمرض غير مفهوم يحتم ذهابه للعلاج فى مستشفي، وحيث تكتشف (لوسي) كبيرة الممرضات أن الام هى سبب إصابته بسبب سوء التغذية، وان أبعادها أثناء علاجه ضروري،لكن الام ترفض وتصمم على البقاء مع الابن ويتحول الموقف الى صراع بينهما ومع ذلك ترفض لوسى إبلاغ الإدارة عنها حتى لا تحرم الام من ابنها تماما إذا صدر حكم قضائى بأيداع آدم الصغير بيت للرعاية بعيدا عن امه لنجد انفسنا كمشاهدين امام قضية مركبة بين حب أم مؤذى لابنهافى مواجهة قوانين المستشفى وتشدد مديريها ومحاولات الممرضة لحماية الطفل بلا خسارة لاى طرف، فيلم مهم وتصوير كاشف لكل التفاصيل والاحداث وأداء كبير من الممثلة (ليا دوركير)فى دور الممرضة والذى حصلت على جائزة افضل ممثلة عنه فى مسابقة الفيلم الروائى الطويل.
ولنا فى الخيال حب
هل ينسى الأباء والابناء الخلافات القديمة حين تسوء الظروف؟
يضعنا فيلم (كولونيا) للمخرج محمد صيام الذى كتبه ايضا بالاشتراك مع محمد عامر فى قضية الذاكرة والزمن طوال الفيلم الذي شارك فى مسابقة الفيلم الروائى الطويل،والذى حاول بطلاه الاب (الممثل كامل الباشا) والابن فاروق (الممثل احمد مالك) حاولا الاجابة عليه بعد ان عاد الاب من المستشفى بعد شهور قضاها فى غيبوبة، وحيث تركه الابن الاكبر على (الممثل عابد العناني) عائدا إلى أسرته وطالبا من شقيقه الأصغر ان يقوم برعايته، ليتحول البيت الصغير الى ساحة صراع بينهما مستندا الى ماض لا يحبه الابن لقسوة ابيه، وسلوك له يرفضه الاب، ويصبح الحى الهادئ مساحة لتهدئة الصراع حين يصحب الابن ابيه خارج المنزل وبالتدريج تتراجع قوة اتهامات الذاكرة امام تفاهمات جديدة تهدئ الصراع القديم بينهما وليتحول الغضب الكبير الى ادراك لدى الاب والابن معا بضياع الكثير منهما، وان الموت على المحك، ،فاز الفيلم بجائزة أفضل ممثل التى ذهبت لاحمد مالك، وهو الممثل المصرى الاول الذى يحصل عليها فى المهرجان على مدى ثمانية دورات .اما فيلم (ولنا فى الخيال حب) -المصرى أيضا -فهو يؤكد اهمية الاسرة، ويملأ حياة أبطاله شجونا على غيابها من خلال كتابة واخراج المخرجة سارة رزيق فى اول افلامها الطويلة والذى تجلى فيه اهتمامها بالسينما والموسيقى معا من خلال استعراضات معبرة عن الأوقات الجميلة لابطالها الشباب (ميان السيد، وعمر رزيق)، وعن تصالح بطل الفيلم (احمد السعدني) فى دور الاستاذ الجامعى الذى عاد من عمله خارج مصر ليصبح نموذجا للأستاذ الجامعى الحاسم والانطوائى مع طلبته، وحين تذهب اليه احدى طالباته طالبة مساعدته يبدأ فى التفاعل مع الحياة من جديد بعد ان قرر خصامها مع موت زوجته وحبيبته، وهو ما يدخله في دوائر جديدة مع الشباب الذين يعيشون حياة مليئة بالتحديات والفرح، وبالتدريج يكتشف انهم – أى تلامذته الطلبة والطالبات -هم من أضاؤوا وحدته، .فيقرر ان يدعمهم،وان يصبح استاذاً وصديقا.









