أبدأ بتصريح وزير الخارجية الصينى بأن عالم متعدد الأقطاب قادم لا محالة، وأن مجريات التاريخ لا يمكن لأحد إيقافها.
إن عالما متعدد الأقطاب يكون بلا أدنى شك أكثر أمنا وعدالة لتعدد القوى وتوازنها، وإن من يقرأ تاريخ البشرية يدرك معنى قيام الدول وسقوطها، وعوامل قيامها وأسباب سقوطها: من عاد وثمود، إلى الفرس والروم، إلى سيطرة الاستعمار الإنجليزى والفرنسى على كثير من دول العالم، إلى العصر الأمريكى الروسى، مرورا بتفرد الولايات المتحدة الأميركية بزعامة العالم، وصولا إلى لحظتنا الراهنة ببزوغ شمس جديدة لعالم متعدد الأقطاب تلوح فى الأفق، مع تأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تكون يوما ما من هذه الأقطاب، وليس شرطا أن يكون ذلك عبر سنوات محدودة فإن للتاريخ دورته التى لابد أن تدور وحتما ستدور.
لقد مضت عاد ومضت معها ثمود، وسقطت دولة الفرس ومعها دولة الروم، وانتهى عصر الإمبراطورية الإنجليزية ومعها عصر الإمبراطورية الفرنسية، وانكسر الاتحاد السوفييتى وتفتت ولم يعد هذا الاتحاد قائما، وسنن التاريخ تقول إن الولايات المتحدة الأمريكية فى طريقها إلى ذهاب هيمنتها على العالم وربما خروجها عبر عقود عن مقدمة الركب أوقيادته أو حتى الأقطاب الأكثر تأثيرا فيه.
وهنا نذكر ببعض سنن الله الكونية فى إهلاك من طغى وبغى وظن أن امتلك القوة التى لاتقهر، حيث يقول الحق سبحانه: «فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ»، ويقول سبحانه: «إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّي إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».
غير أن الأهم والذى يجب الوقوف عنده من دروس التاريخ أمران:
الأول أن هذه الفترات التاريخية تكون من أصعب الفترات فى تاريخ البشرية ما بين تمسك القوى الكبرى القائمة بهيمنتها وطموح القوى البازغة أو الناشئة إلى شق طريقها لقيادة العالم، وغالبا ما تتضمن تلك المراحل التاريخية حروبا طاحنة مهلكة، فهل يعمل عقلاء العالم على تفاديها، ويقبلون بالتعددية وسنن الله الكونية، أما يلجأ البعض إلى سياسة الكون المحروق؟؟
الأمر الآخر هو مدى تموضعنا فى المكان الصحيح من هذا التحول وتلك التكتلات الدولية، ومدى وحدة صف أمتنا العربية والإسلامية، فبوحدة صفنا يمكن أن نحجز لأنفسنا مكانا حصينا فى عالم الغد، أما مع الفرقة والشتات فلا يمكن أن نجد لنا مكانا فى صناعة القرار أو حتى حفظ مصالحنا الحيوية.
ووحدة الصف هى التى أرشدنا إليها ربنا عز وجل، حيث يقول سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَي شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»، ويقول سبحانه: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ».
 
		 
		
 
  
 







