نبدأ بالسؤال عن ماهية تحديات الصورة الذهنية لـ «نصر أكتوبر» و»هزيمة كيبور» وما هى تلك التحديات؟ فلم يزل وقع افتتاحية صحيفة «تايم أوف اسرائيل» يوم السادس من أكتوبر لعام 2025 وتساؤلاتها:»حول ما سبب احتفال المصريين بنصر أكتوبر على الرغم من أن غالبية الشعب المصرى لم يعاصر نصر أكتوبر» واستطردت الصحيفة: «أنه من المحتم أن ينسى المصريون هذا النصر، وإن ذكراه ـ حتما ـ إلى زوال».. وشخصيا أرى أن العدو قد كشف عن نواياه العدائية تجاه الشخصية المصرية وثوابتها، وقد صرح مباشرة ـ دون تلميح ـ بأن هدفه القادم هو العمل على محو «نصر أكتوبر» من الذاكرة الوطنية للمصريين، ويُعد فى الأعمال التكتيكية ذلك «هدفاً مباشراً» وبالضرورة أن يكون تكتيكيا «الهدف التالي» هو «هدم النموذج» أى فقدان القيمة الحقيقية لأبطال اكتوبر فى إدراك ووجدان الأجيال القادمة، ما يعنى تكذيب حقيقة «النصر» وتشويه التاريخ الوطنى للمصريين، حتى يقع القادم من الأجيال فريسة الشك والاضطراب بين ما هو حقيقي وقد بات فى طى النسيان، وبين ما هو كذب إذ أصبح يتردد فى الأنحاء، وكلا الأمرين تحت فعل ماكينات الإعلام العابرة للقارات والقادرة ـ بإمكانيات متطورة ماديا وتقنيا ـ على تشويه الصورة الذهنية الحقيقية وإبدالها بأخرى كاذبة!.
ونعود للصورة الذهنية عن «نصر أكتوبر» و»هزيمة كيبور» التى من المحتم أنها تتعرض للتغير ـ الذى هو من طبائع الأشياء ـ فهى لا تتصف بالثبات، كما أنها أيضا عابرة للأزمنة والأمكنة، فضلا عن أن تعاطى المتلقي ـ جمهور الأجيال القادمة ـ لها يختلف طبقا لاختلاف الظرف التاريخى وما يتأثر به من نتاج ثورة المعلومات ليس التى تحدث عنها «ألفين توفلر» عالم المستقبليات وصاحب كتاب «صدمة المستقبل» الأكثر مبيعا فى العالم فى ستينيات القرن السابق، والذى كان مفتونا بالأثر الفاعل للموجة الخامسة من ثورة المعلومات والمتمثلة فى استخدامات «الحاسب الآلي» فى مجالات الحياة، وصولا لتفاعلات «الشبكة العنكبوتية»، بل تلك التي نعاصر موجاتها السادسة من الهواتف الذكية والشبكات الاجتماعية فى الواقع الافتراضي، إلى الموجة السابعة والمتمثلة فى قدرات وامكانات «الذكاء الاصطناعي» والتى من نتائجها «الذكاء الاصطناعي» الذى كاد يعصف بكل الثوابت، ليست الفكرية والمنطقية وفقط وإنما أيضا القيمية والأخلاقية، من خلال تطبيقات رقمية تسمح بحرفية مطلقة بتغير حقيقة الصور والأصوات وبالتالى الأحداث، ومن ثم «التاريخ» و»الحاضر» فما يمنع أن يخرج علينا العدو بهجمة «رقمية» تطيح بثوابت الذاكرة الوطنية، ومنها «نصر أكتوبر» ألم يحدث من قريب ـ خلال السنوات القليلة السابقة ـ أن هاجمت منصات الإعلام الرقمى والتقليدى المشروعات الوطنية العملاقة للتنمية المستدامة، وأحدثت نوعا من السفسطة الجوفاء، والهرطقة الخرقاء فى مدركات ووجدان عدد لا يستهان به من الشباب وفئات أقل حظا من الاهتمام الثقافى بها (!) وتساءلت مواقع التكذيب والضلال عن مبررات تجديد وإنشاء شبكات الطرق والمحاور الرئيسية، وإقامة المدن الذكية من الجيلين الثالث والرابع بالمحافظات والتى تعتمد ليس فقط على التوسع العمرانى، وكل تلك المشروعات واجهت تحديات من جانب الأذرع الإعلامية الرقمية والتقليدية، ومن عملاء العدو «ابناء أبى رغال» فى تكذيب حقيقة هذه المنجزات الوطنية، وبث اشاعات بعدم الجدوى منها ـ وطبقا لصحيفة تايم أوف اسرائيل ـ فإن مقتضى الحال يستوجب منا نحن ـ جيل الوسط ـ أن نغير آليات الحفاظ على الصورة الذهنية «لنصر أكتوبر» و»هزيمة كيبور» فى عقل ووجدان وبالتالى سلوكيات الشباب والأجيال القادمة، وبما يحقق أمرين، الأول: هو صيانة الذاكرة الوطنية بما يتناسب مع آليات تعاطى النشء لوسائل الإعلام الرقمي فى الواقع الافتراضي، والكلاسيكي فى الحاضر المُعاش، وثانيا: من خلال التصدى للهجمات المعادية من العدو الصهيونى والذى بدت نواياه العدائية تجاه الذاكرة الوطنية، بهدف محو ذكرى النصر أولا، وإبدالها بالهزيمة ثانيا.









