كتب : عصام التيجى
< من بين ركام الزمان ينهض الماضي العتيق ليحيا من جديد، وعند أقدام الأهرامات تشرق شمس المتحف المصري الكبير بأشعتها الذهبية كقصيدة أبدية، أبياتها من حجر، وحروفها من نور.
< في هذا المتحف لا تقتصر الحكاية على جدران شامخة أو قاعات مترامية الأطراف، بل تمتد لتجسد روح أمة ضاربة في أعماق التاريخ، أمة صنعت للحضارة قاموسها الأول، وكتبت على جدران الزمن ملاحمها الخالدة، وفي أروقته المختلفة تتجسد الحكايات لتروي ألف قصة وأسطورة: ملامح الملوك ومصائر الشعوب .. أناشيد النيل ورحلة المصري منذ فجر التاريخ.
على أعتاب هضبة الجيزة، في حضن الأهرامات الخالدة، يقف هذا الصرح الأثري الفريد شامخًا، وكأنه امتداد طبيعي للحضارة المصرية القديمة، فجاء تصميمه المعماري المهيب ليجسد لحظة تلاقي الماضي مع الحاضر، يفتح أبوابه أمام المستقبل، حارسًا للذاكرة وراويًا لقصص الخلود والبقاء .
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مخزن للآثار أو قاعات للعرض، بل هو أيقونة إنسانية، جسر بين العصور، ومشهد يختصر رحلة الإنسان في بحثه عن الخلود .
هنا، تعلو أصوات الحجارة بعظمة صنّاع الحضارة، وتنطق التماثيل بأسرار البعث والحياة، ويتجسد أمامك سؤال التاريخ : *كيف استطاع شعب أن يترك للعالم ما لا يزول؟
“مصر تفتح للعالم نافذة على حضارتها الخالدة مطلع نوفمبر المقبل»
ومع اقتراب لحظة الافتتاح التاريخي مطلع نوفمبر المقبل، تتجه أنظار العالم بأسره إلى عاصمة الحضارة والخلود، حيث يترقب الملايين حدثًا يوصف بأنه الأضخم في تاريخ المتاحف العالمية، فالمتحف المصري الكبير لا يفتح أبوابه لمصر وحدها، بل لكل شعوب الأرض، ليكون منصة ثقافية عالمية، ووجهة سياحية لا مثيل لها، وكتابًا مفتوحًا يروي فصول الحضارة المصرية في أبهى صورها .
إنه ليس مجرد افتتاح لمتحف، بل ميلاد لعصر جديد من الحوار بين الحضارات، وإعلان بأن مصر لا تزال كما كانت دائمًا : *»قلب التاريخ وذاكرة الإنسانية الحية”
وعلى مساحة نصف مليون متر مربع يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية نادرة من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر اليوناني الروماني، لكن قلبه النابض يبقى في القاعة المخصصة للملك الذهبي الصغير «توت عنخ آمون» حيث تعرض لأول مرة مجموعته الكاملة التي تتجاوز خمسة آلاف قطعة، لتأخذ الزائر في رحلة سحرية إلى قلب التاريخ الفرعوني .
وعند المدخل الرئيسي، يقف تمثال الملك رمسيس الثاني شامخًا في استقبال الزائرين، كرمز وحارس لهذه الحضارة، تتردد أصداء كلماته في وجدان الزائر :
“أنا رمسيس الثاني»، الابن البار لمصر، الأقوى بين ملوكها، الأغنى بخيراتها، والأذكى في صروحها.
هذه أرضي وأرض أجدادي، من تسوّل له نفسه التعدي عليها يسحقه سيفي، ويطويه مجدي، وسيظل أحفادي حراسًا لها من بعدي .
“تجربة تفاعلية غير مسبوقة”
لم يكتف المتحف بعرض الكنوز المصرية، بل اعتمد أحدث وسائل العرض المتحفي والتقنيات الرقمية ثلاثية الأبعاد، ليمنح الزائر تجربة تفاعلية غير مسبوقة، فالزائر يستطيع أن يشاهد تفاصيل دقيقة من حياة المصري القديم، ويخوض مغامرة بصرية تحاكي الماضي وتستحضر الأسطورة .
إن افتتاح المتحف المصري الكبير لن يكون مجرد احتفالية مصرية عابرة، بل حدث عالمي فارق يعيد رسم خريطة السياحة الثقافية، ويوجّه أنظار العالم إلى مقصد سياحي متكامل، بما يضمه من ساحات شاسعة، وقاعات مؤتمرات، ومراكز متخصصة للأبحاث، إلى جانب مناطق للترفيه والخدمات التي تلبي تطلعات الزائرين من مختلف الجنسيات .
وتحمل رمزية افتتاح المتحف في هذا التوقيت رسالة عميقة من قاهرة المعز إلى شعوب الأرض : أن مصر لا تستعيد ماضيها فحسب، بل تجدد عهدها مع الحاضر وتفتح أبواب المستقبل، مؤكدة أن حضارتها لا تشيخ بل قادرة على النهوض في كل زمان، لتضيء دروب الإنسانية، وتضع نفسها من جديد في صدارة المشهد الثقافي العالمي، وتمنح الأجيال القادمة نافذة مفتوحة على عبقرية أجدادها .
إنه ليس مجرد متحف، بل بوابة سحرية تعبر منها الأجيال إلى ضمير الحضارة، ليصبح التاريخ مرآة يرى فيها العالم وجه مصر المشرق، كانه وعدٌ بالخلود لا يزول .









