بقلم : عاطف سيد الأهل
طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية فى 19 ديسمبر 2024 رأيا استشاريا حول الالتزامات التى تقع على اسرائيل بصفتها كيان احتلال فيما يتعلق بوجود الأمم المتحدة ووكالاتها فى تسهيل عملية ادخال المساعدات وخاصة وكالة تشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين ( اونروا).
أصدرت المحكمة رأيها فى 21 أكتوبر 2025 الذى يتلخص فى أن المحكمة لها اختصاص النظر فى هذه المسألة ، وأن اسرائيل ارتكبت جريمة الابادة الجماعية ، كما أنها منعت المنظمات الاغاثية من ممارسة عملها وفرضت قيودا على دخول المساعدات وتوزيعها ، وانها لم تحترم القانون الدولى واتفاقية جنيف لعام 1949 ، وانها ملزمة بالموافقة على تسهيل برامج الاغاثة التى تقدمها الأمم المتحدة ووكالاتها بما فى ذلك اونروا، وأن سكان غزة لم يحصلوا على الامدادات الكافية وأن على اسرائيل أن تضمن تلبية احتياجاتهم الأساسية.
اعرب السكرتير العام للامم المتحدة عن اهمية الرأى الاستشارى منوها الى انه قرار مهم وحاسم لتمكين الامم المتحدة من الوصول الى المستوى المطلوب من المساعدة فى ظل الوضع المأسوى فى قطاع غزة.
لم تسلم وكالة الاونروا من حملات المسئولين والاكاديميين الاسرائيليين منذ عام 1949 الداعين الى حلها واستبدالها بمنظمة اخرى لاخراج مهام الاونروا عن سياقها التاريخى تحت مسميات مختلفة من: (حان الوقت لتفكيك الوكالة- تقرير فى معهد الاستراتيجية الصهيونية) و(اغلاق اونروا وانقاذ الدولة- محاضرة فى جامعة ارئييل) و (ازالة مؤسسات اونروا من القدس الشرقية لانها منظمة سياسية – رئيس بلدية القدس) ومطالبة نتنياهو فى يونيو 2019 بتفكيك الوكالة وانهاء دورها، وحملة تسيبى ليفنى على الوكالة عام 2014 ،فضلا عن سابق تصريحات افيجدور ليبرمان ، ونفتالى بينت وغيرهم، والتصريح الشهير لمندوب اسرائيل لدى اللأمم المتحدة دانى دانون فى 31 أكتوبر 2019 ان اسرائيل ستستخدم كل الوسائل الممكنة حتى يتم انهاء عمل اونروا ، واتهمها بتسويق الرواية الفلسطينية.
بعد 7 أكتوبر 2023 اتهمت اسرائيل الوكالة بتورط موظفيها فى الارتباط بحركة حماس والجهاد الاسلامى ومشاركة بعضهم فى عملية طوفان الأقصى .
ما هى وكالة اونروا ، ولماذا تطاردها اسرائيل؟
انشئت وكالة اونروا بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 302 لعام 1949 ، وبدأت ممارسة عملها عام 1950 , ويتم التجديد لها كل 3 سنوات ، وتبلغ ميزانيتها السنوية 1,2 مليار دولار ويعمل بها نحو 30 ألف موظف يقدمون خدمات لنحو 6 ملايين لاجيء فلسطينى يعيشون فى قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان والأردن وسوريا، وتتركز خدماتها فى استقبال وتخزين ونقل وتوزيع المساعدات الانسانية، ورصد الاحتياجات ، وادارة مدارس ومراكز تدريب مهنى ومستشفيات، ومراكز ايواء وصيانة انظمة الصرف الصحى وغيرها.
يتضمن قرار انشاء الوكالة فى الديباجة ، والمادة الخامسة ، والمادة العشرين اشارات الى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر فى 11 ديسمبر 1948 والمتعلق بحق عودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين واستعادة ممتلكاتهم .
واللاجئون حسب اونروا هم الاشخاص الذين كانوا يقيمون بشكل طبيعى فى فلسطين خلال الفترة من يونيو 1946 وحتى مايو 1948 وفقدوا مصدر رزقهم ومنازلهم بسبب حرب 1948، كما ينطبق هذا أيضا على ابنائهم واحفادهم والمنحدرين من اصلابهم الذين يسجلون ايضا فى اونروا كلاجئين، ولايتم استثناء من حصل منهم على جنسيات أخري.
يمثل قرار انشاء وكالة اونروا وماتضمنه من الاشارة لقرار حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين المعضلة الأساسية التى تواجه اسرائيل ، وبالتالى تسعى اسرائيل الى ايقاف أنشطة هذه الوكالة وتفكيكها واستبدالها بمنظمة أخرى تتعامل مع موضوع اللاجئين من منظور اّخر أو ادماجها مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، ويعود السبب الى الآتي:
< إن انهاء تواجد وكالة اونروا يعنى انهاء صفة اللاجيء الفلسطينى والقضاء على حق العودة والتعويض ، حيث إن هناك ارتباطاً عضوياً ما بين الوكالة واللاجئين الفلسطينيين.
< خصوصية تعريف اللاجيء الفلسطينى فى وكالة اونروا ، واختلاف التعريف عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين حيث ان الاخيرة تسقط صفة اللاجيء عمن يحصل على جنسية اجنية.
< ان لدى وكالة اونروا بيانات كاملة لأسماء اللاجئين الفلسطينيين وابنائهم واحفادهم الذين تعرضوا للتهجير من ارض فلسطين نتيجة النكبة ، وكذا اماكن سكناهم التى طردوا منها ، وهو مايمثل ازمة بالنسبة لاسرائيل لاتستطيع معها تجاهل أو انهاء ملف اللاجئين.
انتهزت اسرائيل أحداث السابع من أكتوبر 2023 الفرصة للقضاء على دور الوكالة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة ، واتهمت موظفين فيها بالمشاركة فى مجزرة 7 أكتوبر، وطالبت بوقف تمويلها ، وبناء عليه اتخذت عدة دول اوروبية والولايات المتحدة قرارا بايقاف تمويل الاونروا .
شكلت الأمم المتحدة لجنة مراجعة مستقلة للنظر فى الادعاءات الاسرائيلية ، وبدأت اللجنة اعمالها فى 13فبراير 2024 ولمدة 9 أسابيع شملت زيارات ميدانية ولقاءات مع ما يزيد على 200 شخص ومراجعات مختلفة ، وانتهى تقريرها الذى قدمته الى السكرتير العام للأمم المتحدة فى ابريل 2024 بأن اسرائيل لم تثبت أى من ادعاءاتها حول تورط موظفى الوكالة فى الارتباط بحماس او المشاركة فى 7 أكتوبر،خاصة وان اونروا تقدم بانتظام اسماء موظفيها الى اسرائيل حتى تتمكن من فحصهم امنيا .
اصدر الكنيست الاسرائيلى قرارا فى 29 مايو 2024 باعتبار وكالة اونروا منظمة ارهابية ينطبق عليها قانون محاربة الارهاب الاسرائيلى ، وبالتالى رفعت الحصانة عنها وقدمت قضية ضدها أمام المحاكم الأمريكية، كما صدّق الكنيست فى 28 أكتوبر 2024 على قانون يمنع الوكالة من العمل فى اسرائيل وسحب كافة تسهيلاتها واغلاق كافة مكاتبها ووقف التعامل معها او اجراء اى اتصال رسمى بها، وقد دخل هذا القانون حيز التنفيذ فى 30 يناير 2025.
ووصفت اسرائيل مدير عام الوكالة فيليب لازارينى بأنه أحد الأشرار وكاذب ومتعاطف مع الإرهابيين.
صدر بيان من مجلس الأمن فى أكتوبر 2024 ردا على القانون الاسرائيلى يحذر بشدة من أى محاولات لتفكيك عمليات اونروا او تقليلها ، وانه لاتوجد منظمة يمكن ان تحل محلها.
رفضت اسرائيل الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية ، واكدت على لسان وزارة خارجيتها انها تلتزم التزاما كاملا بواجباتها بموجب القانون الدولى ، وانها لن تتعاون مع منظمة مرتبطة بأنشطة ارهابية ، واكدت مجددا ان موظفى الوكالة شاركوا بشكل مباشر فى مجزرة 7أكتوبر، وان الوكالة مخترقة من جانب حماس .
كما علق دانى دانون – مندوب اسرائيل لدى الأمم المتحدة – أن القرار مخز ، مضيفا أنهم يلومون اسرائيل على عدم تعاونها مع هيئات الأمم المتحدة وعليهم أن يلوموا أنفسهم.
فى حين علق مسئول امريكى ان هناك ثمة مخاوف جدية حول حياد اونروا بما يشمل انباء عن ان حماس استخدمت منشاّتها ، وان موظفيها شاركوا فى هجوم أكتوبر، وان لدى اسرائيل اسبابا كافية للتشكيك فى نزاهة اونروا وبالنظر الى ذلك فان اسرائيل غير ملزمة بالسماح للاونروا بتقديم المساعدات الانسانية مجددا ، وانها ليست الخيار الوحيد لتقديم المساعدات فى قطاع غزة.
سبق ان حجب الرئيس ترامب فى 2018 التمويل الذى تقدمه الولايات المتحدة للاونروا البالغ 360 مليون دولار واستمر الحجب حتى الوقت الحالي.
مبادرة الالتزامات المشتركة لدعم اونروا فى مواجهة التحديات السياسية والمالية والتأكيد على دورها الحيوى فى خدمة اللاجئين الفلسطينيين:
أعلنت 118 دولة فى 12 يوليو 2025 عن انضمامها للمبادرة التى اطلقتها الأردن والكويت وسلوفينيا – وهى المبادرة التى كانت قد بدأت ب 16 دولة – للتأكيد على ان الاونروا هى بمثابة شريان الحياة للاجئين الفلسطينيين ، وانه لاتوجد وكالة أخرى فى الأمم المتحدة قادرة على القيام بنفس المهام من توفير سبل المعيشة والتعليم والصحة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة ، وذلك كرسالة دعم للاونروا ومساندة فضلا عن طلب معالجة مسألة تمويلها لتقوم بالدور المنوط بها.
خلاصة القول انه ليس من صلاحية اسرائيل انهاء تفويض الاونروا او تعديل دورها بقرار من الكنيست الاسرائيلى حيث ان التفويض صادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة منذ صدور قرار انشاء الوكالة ويتم تجديده كل 3 سنوات وبالتالى فتعديل التفويض يتطلب الرجوع الى الجمعية العامة للامم المتحدة ، وهذا لن يتم من جانب اسرائيل التى تدرك جيدا انها لن تستطيع ذلك فى ضوء المساندة الدولية الواسعة للاونروا ولمهامها الانسانية، وبالرغم من ذلك ستسعى اسرائيل الى ممارسة سياسة تجاهل دور الاونروا وتحجيم دورها فى اطار سياستها العامة لانهاء قضايا الحل النهائى – القدس واللاجئين والمستوطنات واقامة دولة فلسطينية – لصالحها.









