وأفلام الخمسينيات.. ونكران الجميل.. و«خدنى لحنانك»
وعلى طريق القاهرة ــ السويس كان الرجل كبير السن يقود سيارته فى أقصى يمين الشارع بهدوء وفى إطار السرعة المقررة حين أتت سيارة مسرعة من الخلف بأضواء مبهرة مستمرة تطالبه بأن يترك مساره ويفسح الطريق للسيارة القادمة.. والرجل لم يعرف ماذا يفعل وإلى أين يتجه فهو فى المسار المحدد ولا يوجد مسار آخر أقل سرعة يلجأ إليه.. وأضواء السيارة من خلفه جعلته عاجزًا عن الرؤية.. والرجل أصابه الهلع والتوتر ولم يعد قادرًا على اتخاذ القرار المناسب.. وفوجىء بالسيارة القادمة من الخلف وقائدها قد أصبح بجواره يوجه إليه سيلاً من البذاءات ويتهمه بأنه لا يقود سيارته فى المسار الصحيح..!
والرجل كبير السن الذى كان يضرب كفًا بكف يتساءل.. وأين هو المسار الصحيح وقد كان فى عين الطريق وترك الحارة المرورية فى اليسار للسيارات ذات السرعة الأعلى..!! الرجل ببساطة يقول إن الناس لا تعرف قواعد الطريق ولا تعاليم المرور.. والبعض يقود السيارات بدون أدنى تعليم أو إدراك بهذه القواعد..! الرجل يقول ببساطة إن هناك من حصل على رخص القيادة دون اختبارات ودون إلمام بأبسط قواعد المرور..!
وما حدث مع الرجل كبير السن يحكى قصة المرور فى شوارعنا.. يفسر سر الحوادث اليومية القاتلة التى تبكى معها كل يوم ومع ذلك لا نتعظ ولا نحاول تلافى أسبابها.. فنحن نقتل أنفسنا بأنفسنا فى سباق مرورى بالغ القسوة والعنف فى شوارعنا.. نحــن فى حــالة من الجنـون لا مثيــل لها.. لا رحمـة.. لا ذوق.. لا أخلاق.. والجميع فى صراع ما بعده صراع.. والفوضى أصبحت عارمة.. سائقو الميكروباصات اختاروا مواقف لسياراتهم فى عرض الطريق وفى مطالع الكبارى.. وسائقو التكاتك أصبحوا صراصيرًا زاحفة فى كل مكان.. وسائقو التريللات والنقل لهم قوانينهم الخاصة فى إغلاق الطريق والسير بجوار بعضهم البعض.. وسائقو الملاكى تحولوا إلى ضحايا وشركاء فى الجريمة فى الوقت نفسه بالسير عكس الاتجاه وبالسرعة القاتلة.. وفى التحدث فى «الموبايل» أثناء القيادة وفى الاستعلاء على الآخرين فى محاولاتهم افساح الطريق لهم.. وأتى سائقو الدراجات النارية.. «عمال الدليفرى» ليزيدوا المأساة اكتمالاً بحركاتهم البهلوانية بين السيارات فى مولد يومى فى الشارع يفوق فى إثارته ما حـدث فى مولد السيد البدوى أو سيدنا الحسين.. مولد آخر فى الشارع به كل أنواع الجنون والتجاوزات.. والدمار على الأسفلت لا يتوقف.. والضحايا يتساقطون..!
> > >
وما كل هذا الجمال.. ما كل هذه الشياكة فى أفلام الخمسينيات هل كانت مصر بكل هذه الروعة.. شياكة وجمال مصر وفنانيها فى هذه الفترة كانت تفوق الخيال.. الرجالة رجالة.. والستات هوانم.. والحوار بالغ الرقى.. يا إكسلانس.. وحضرتك وتؤمر يا افندم.. الناس كانوا كبارًا فى كل شىء.. فى السلوك وفى المظهر.. وفى العادات والتقاليد..!
وما الذى حدث لنا.. أى زلزال قضى على هذا السلوك الإنسانى رفيع المستوى.. أى لعنة حلت علينا حتى نسينا وتناسينا أننا القيمة والحضارة والرقى..! نحن فى حاجة لإعادة اكتشاف أنفسنا بأنفسنا.. «احنا مش احنا»..!!
> > >
وأتحدث عن أسوأ ما فى بعض البشر أتحدث عن نكران الجميل.. أتحدث عن الذين يحاولون صناعة حاضر جديد لهم بهدم كل من كان سببًا فى نجاحهم وتقدمهم فى رحلة الحياة.. أتحدث عن الذين ينكرون كل شىء وكأنهم قد ولدوا كبارًا.. اتحدث عن الذين يحرصون على ازاحة الكبار من أماكنهم حتى يكون فى ذلك تخلصًا من الماضى الذى يذكرهم إنهم كانوا يومًا ما صغارًا.. اتحدث عن ضعاف النفوس الذين لا هم لهم إلا التخلص من كل من يتفوق عليهم علمًا وخبرة لأنهم يشعرون أمامهم بأنهم أقزام.. اتحدث عن ضعاف النفوس يشعرون أمامهم بأنهم أقزامًا.. اتحدث عن الضعف الإنسانى الذى يتحول إلى حقد وشر وضياع لكل الأخلاقيات والمبادىء.. وصغار سيظلون صغارًا..!
> > >
وأحداهن ظهرت فى أحد البرامج التليفزيونية تفخر وتتحدث وتسهب فى شرح أسباب جمالها وتدعو النساء إلى أن يفعلن مثلها.. وكيف يصبحن بنفس الجمال! وأقول لكم الحق.. حديثها كان مقنعًا رغم أن الناس قبل ذلك كانوا يعتقدون أنها رجل عامل ست..!
> > >
وجلس صديقى يشكو ويئن ويروى قصصًا عن غدر الإنسان وجرائمه ورد عليه آخر قائلاً: لقد مات هابيل المخلص بدون أطفال.. فكلنا أولاد قابيل القاتل فماذا تتوقع من البشر أولاد قابيل؟! والرد كان مقنعًا.. ومقعنًا جدًا..!
> > >
وتعالوا نبتسم ونعيش مع طرائف السوشيال ميديا والرجل الذى سأل زوجته.. أوصفى لى ثقتك فيا.. قالت له ثقتى فيك مثل الحليب فوق النار.. أجلس اراقبه طول الوقت وبس ألف ضهرى عنه يفور..!!
> > >
وقال آخر.. الحمد لله فقد تحسنت حالتى كنت الأول بكلم نفسى.. دلوقتى برد عليها..!
> > >
وإمام جامع كان يطيل فى خطبة الجمعة.. الناس اشتكوا وتم تغييره.. الإمام الجديد صعد إلى المنبر وقال: أقم الصلاة.. الناس انبسطوا قوى وقالوا له: أنت إمام رائع.. قال لهم: انتوا لسه شفتوا حاجة.. الجمعة الجاية اجازة..!
> > >
وخلونا مع أم كلثوم.. ورجعونى عينيك لأيامى اللى راحوا.. علمونى أندم على الماضى وجراحه.. اللى شوفته قبل ما نشوفك عينيا.. عمر ضايع يحسبوه ازاى عليا هات عينيك تسرح فى دنيتهم عينيا.. هات ايديك ترتاح للمستهم ايديا.. يا حبيبى تعالى.. يا حبيبى تعالى وكفاية يا حبيبى كفاية اللى فاتنا هو فاتنا يا الروح شوية.. أنت عمرى اللى ابتدى بنورك صباحه.. انت انت عمرى يا اغلى من أيامى يا أحلى من أحلامى خدنى لحنانك خدنى عن الوجود ابعدنى بعيد بعيد أنا وانت بعيد بعيد وحدينا.
> > >
وأخيرًا:
> لا تغرك الضحكة.. ترى الوجع فى الروح..!
> وأن شئت الطمأنينة فامنح الناس صدقك واحفظ لنفسك عزلة هانئة وامضى بلا أسف.
> والشىء المؤكد دائمًا أننا سننهض مهما بلغ بنا الذبول.
