لم تكن محاولات الكيان الصهيونى للمراوغة بعد اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة مفاجئة لى، ولم أستبعد لجوء نتنياهو وحكومته لاختلاق الحجج الواهية ووضع العراقيل أمام الاتفاق كى لا يتم بشكل كامل، خاصة بعد أن حصل على الرهائن الذين لم يستطع استردادهم بعد حرب استمرت عامين كاملين، استخدم فيها كل الأسلحة وشن عمليات بشعة وارتكب جيشه جرائم وحشية، وفشلت كل أجهزته الاستخبارية والمعلوماتية فى معرفة مكانهم، مما جعله فى النهاية يرضخ ويقبل بوقف الحرب.
يؤكد التاريخ، قديمه وحديثه، أن الصهاينة لا عهد لهم ولا ميثاق، ولا التزام، وبالفعل كان الأمر كذلك، وظهرت محاولات الدولة العبرية قبل مفاوضات المرحلة الثانية التى لم تبدأ، بأسباب مختلقة واستباق للأحداث، ومنها أزمة الجثامين، مما يجعل الطريق وعرا، ولم تلتزم بشكل كامل بدخول المساعدات وتعمل على تأخيرها.
لكن الأطراف المعنية وخاصة الموقعة على اتفاق وقف الحرب، لا تدخر جهدا لتخطى أى عقبات وإزالة أى عراقيل مهما كانت، ولم تتوقف اللقاءات والمناقشات والتفاوض والبحث والجولات المكوكية بين العواصم لضمان عدم العودة إلى الحرب فى غزة مجدداً، وتعمل الفرق المعنية على مدار الساعة؛ حتى لا يكون هناك فاصل زمنى بين المرحلتين.
وتعمل مصر على نشر قوات دولية بموافقة مجلس الأمن مع الشركاء والأطراف؛ وتجاوز الأمور المعقدة، فى الوقت الذى يصمم فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على إنجاز مراحل الاتفاق، ويمضى فى تنفيذ وعده بإنهاء الحرب، واستكمال المراحل، وقد ساهم موقفه بشكل كبير، ومارس ضغوطا على كل الأطراف خاصة الجانب الإسرائيلى، وبعد أن وجد نتنياهو نفسه أمام مشهد سياسى مختلف تتشابك معطياته لتجعل من الصعب عليه المراوغة والتحايل، بعد الغطاء الذى وفرته الدول العربية والإسلامية، واستجابة حماس مع الخطة.
وفى إسرائيل، يرى محللون أن الرئيس الأميركى أنقذ إسرائيل من نتنياهو، ومن انتحار سياسى، بعدما ضاق ذرعا بالمماطلات والتسويف، وقرر فرض الاتفاق وتبادل الأسرى، و«أملى» على نتنياهو وقف العمليات العسكرية مما حد من قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلى على المناورة، وبعد أن أصبحت إسرائيل تواجه عزلة على الساحة الدولية، وتزايد الحراك الدولى المناهض لها، ومعارضة المؤسسات الأمنية الإسرائيلية «المنهكة» والجيش لمواصلة الحرب فى غزة، فلم يعد هناك مجال لإفساد المفاوضات وإفشالها، بعدما كانوا فى كل مرة يتم فيها إحراز أى تقدم يعيدونها إلى نقطة الصفر.
لكن المراوغة فى الدولة العبرية «احتراف» وديدن لا يستطيعون التخلى عنه، ولا تقف عند نتنياهو ولا الحكومة المتطرفة، بل كل الصهاينة يميلون إلى امتصاص الدماء حتى وإن ارتدوا أقنعة الحملان، فكلها أدوار يتم ترتيبها، ونرى الكنيست يصادق على مشروعى قانونين لفرض «السيادة الإسرائيلية» على الضفة الغربية المحتلة، والمستوطنات الاستعمارية، بينما قال مكتب نتنياهو، إن تصويت الكنيست كان «استفزازا سياسيا متعمدا» من المعارضة، بهدف إثارة الانقسام.
وقد أدانت مصر و14 دولة عربية وإسلامية بأشدّ العبارات، هذه الخطوة واعتبرتها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى وقرارات مجلس الأمن، الذى يُدين جميع إجراءات تغيير التركيبة الديموغرافية والوضع القانونى للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 ووصف البرلمان العربى مصادقة الكنيست بأنه جريمة تشريعية خطيرة، وخطوة عدوانية تمثل تصعيدًا خطيرًا وانتهاكًا صارخًا لقرارات الشرعية الدولية ومحاولة سافرة لضم الأراضى الفلسطينية بالقوة، ونسفًا متعمدًا لكل فرص السلام، وحل الدولتين، وإمعانًا فى سياسة الاستيطان والتهجير القسرى والتطهير العرقى التى يمارسها الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى.
ومن جانبه، أكد ترامب أن ضم الضفة الغربية لن يتم على خلفية الالتزامات المقدمة للدول العربية فى هذا الشأن، وأن أى خطوة نحو الضم ستؤدى إلى فقدان إسرائيل للدعم الأمريكى بالكامل، وقال نائب الرئيس الأمريكى جى دى فانس إن التصويت غريب وتمرين سياسى غبى وقد شعرت بالإهانة منه.
على أى حال، التعامل مع الصهاينة يحتاج إلى صبر ونفس طويل، لإبطال حججهم التى يتفننون دائما فى اختلاقها وتفويت الفرص عليهم، فهم محترفو «مراوغة».









