“قلبي هيموت من الفرحة”… جملة كثيراً ما نقولها تعبيراً عن شدة فرحتنا بحدث أو بمناسبة أو شيء معين دون إدراك حقيقي لمعنى الجملة أو أن الفرحة قاتلة. فالانفعالات الشديدة مع الإجهاد الزائد وقلة النوم قد تؤدي لتوقف عضلة القلب والموت المفاجئ. وخير مثال على ذلك وفاة أحد المشجعين لفريق كرة قدم عند الفوز، ووفاة عريس الشرقية بعد انتهاء مراسم الزواج، ومؤخراً وفاة عريس أسوان أثناء الزفة في ليلة العمر.
الانفعال الشديد
الدكتور محمد سليم، استشاري أمراض القلب والقسطرة القلبية بمعهد القلب القومي، يوضح أن الانفعال الشديد، سواء بالفرح أو الحزن الشديد أو حتى الصدمات العاطفية، يعطي استثارة أو تنبيهاً لإفراز مواد كيميائية بالجسم مثل الكاتيكولامينات، الأدرينالين والنورأدرينالين. وفي المعظم، الجسم الطبيعي يتقبلها بصورة عادية، في صورة زيادة في اضطرابات القلب أو ارتفاع في ضغط الدم. ولكن إذا صاحب هذا عوامل أخرى، تكون هذه المواد الكيميائية في منتهى الخطورة على القلب، مثل شخص لا يعلم أنه مصاب بالسكري، أو ارتفاع ضغط الدم، أو تاريخ مرضي عائلي للإصابة بالشرايين التاجية، أو ارتفاع الكوليسترول أو أسباب وراثية. فهذه المواد الكيميائية في الحالات السابقة تنبه عضلة القلب وتُحدث تسارعاً في ضربات القلب، ويمكن أن تُحدث اضطراباً في كهرباء القلب، يؤدي لتوقف عضلة القلب (“الارتعاش البطيني”)، أو تقلص في الشرايين التاجية ويؤدي لجلطة أو ذبحة صدرية.
عوامل الخطورة
لذا يرى د. سليم أنه على أي شخص لديه تاريخ وراثي أو عامل من عوامل الخطورة للإصابة بأمراض القلب والشرايين التاجية السالف ذكرها، عليه بالآتي:
- إجراء فحوصات طبية دورية للاطمئنان على عضلة وشرايين القلب.
- الحرص على أن تكون العوامل المسببة لحدوث السكتات والجلطات القلبية في أدنى صورة ممكنة.
- ضبط معدلات السكر التراكمي بألا تزيد عن “6 ـ 6,5″، وضغط الدم “130/ 80″، والكوليسترول الضار LDL لا يتعدى “55ـ 70”. أي احفظ رقمك الخاص وأن تكون في رقم آمن.
أمراض كامنة

من جانبه، الدكتور أحمد عبد العزيز، أستاذ جراحة القلب بكلية الطب جامعة عين شمس، يقول إن الانفعالات تؤثر على القلب سواء كانت نفسية أو عضلية، وليس كلها قد تؤدي للوفاة. أي أن الانفعالات ليست في حد ذاتها سبباً للوفاة، بل في الكثير من الأحيان قد يكون هناك أمراض كامنة ولا يعلم الشخص أنه مصاب بها. فالأمراض التي تسبب الوفاة المفاجئة، مثل ضيق الشريان الأورطي، حيث إن 50% منهم يموتون فجأة، وضيق الشريان التاجي، حيث تظهر عليهم أعراض الذبحة الصدرية مع الانفعالات، أو تحدث لهم جلطة أثناء الانفعال أو مجهود زائد وتتوقف عضلة القلب. إذن فالانفعالات تتسبب في ظهور الأعراض لدرجة تصل لتوقف عضلة القلب.
ويرى عبد العزيز أن الفرحة الشديدة يصاحبها مجهود بدني ونفسي، وفي كثير من الأحيان يكون هناك مجهود من قبلها بعدة أيام يؤدي لانفعالات، وقد تجتمع كل هذه الأسباب وتؤدي لظهور أعراض، مثل جلطة في القلب، لوجود ضيق في صمام الأورطي ولا يعلم. فكثيراً ما نرى مثل هذه الحالات، ومثل هذه الحالات لهم تاريخ وراثي، كأن أحد الوالدين أو كلاهما مصاب بارتفاع في الكوليسترول أو ارتفاع ضغط الدم أو السكر، فهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب أو أن أحد أفراد عائلته توفي فجأة.
إرشادات وقائية
وينصح أستاذ جراحة القلب هؤلاء الأشخاص حتى لا يتعرضوا للموت المفاجئ بالآتي:
- الخضوع للكشف والمتابعة والفحص الدوري بأشعة الإيكو.
- علينا بالاعتدال في كل الانفعالات، فلا نفرح بشدة ولا نحزن بشدة.
- عند الشعور بوخز في الصدر، ألم وحرقان عندما يُبْذَل مجهود حتى وإن كان بسيطاً، مثل صعود السلم ولو لدور واحد، وكذلك عند تناول الطعام وتشعر بألم في الصدر والكتف الشمال ورقبتك والفك، فهذه أعراض ذبحة صدرية خفيفة وليست برداً، وعليه بالكشف والمتابعة حتى لا تكون ذبحة صدرية شديدة وممكن تؤدي للوفاة لا قدر الله.
- المدخنون، مرضى السكر، مرضى الضغط، السمنة، عدم ممارسة الرياضة، هؤلاء الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والوفاة.
سبب خفي
ويشير إلى أن الوفاة المفاجئة يمكن أن تحدث لأي شخص، لكن في الغالب هناك سبب خفي يسبب الوفاة المفاجئة. ومع تقدم العلم وتطوير عيادات القلب والكشف الدوري والمتابعة وعيادات التأمين الصحي الشامل نُقَلِّل من حدوث الموت المفاجئ بقدرة الله عز وجل.
الانفعال والأزمات القلبية

الدكتور وليد هندي، استشاري الطب النفسي، بدأ حديثه قائلاً: “أنا أول ما سمعت الخبر الحلو ده كنت هموت من الفرحة”، جملة كثيراً ما نسمعها ونرددها دون إدراك فعلي أن الإنسان قد يموت من الفرحة. فالأخبار الحلوة والسعيدة مثلها مثل الحزن والقلب المنكسر، فالاثنان وجهان لعملة واحدة؛ انفعالات نفسية من الممكن أن تؤدي لأزمات قلبية حادة وقد يصل الأمر للموت. وإحصائياً، من كل 20 حالة فرح يصاحبها حالة متلازمة القلب السعيد، وقد تودي بصاحبها بحياته. فالفرح الزائد يؤدي للموت المفاجئ. وهناك حالات شُهِدَت في العالم وفي مصر: وفاة مشجع أثناء مباراة كرة قدم لفوز فريقه، ووفاة أب وهو يرقص أثناء فرح ابنته، وفي عام 2021 بنت توفيت من الفرحة، ورجل في إيران حُكِم عليه بالإعدام وبعد شهرين تم إلغاء حكم الإعدام فتُوفي من الفرحة، وأخيراً عريس أسوان وقبله عريس الشرقية.
افرح بهدوء
وفسر هندي ذلك بأنه في حالة الفرحة أو تلقي خبر سعيد يتدفق الدم بسرعة شديدة جداً مما يؤثر على قدرة عضلة القلب على القيام بكفاءة وانتظام، كما أن في الفرح يكون رقص وبذل مجهود كبير، ولا سيما مع عدم النوم وبذل جهد ذهني وعضلي قبلها بيوم أو يومين، ويصاب بمتلازمة الإجهاد. فالإجهاد الناتج عن الفرحة الشديدة، أي انفعالات، تؤثر على كفاءة عضلة القلب. والغريب أن متلازمة القلب المنكسر يصاب بها السيدات أكثر من الرجال، ومتلازمة القلب السعيد يصاب بها الرجال أكثر من النساء، وكذلك كبار السن وأصحاب الشخصية الاندفاعية، وأصحاب المزاج المتقلب أيضاً. كما أن زيادة إفراز هرمون الأدرينالين نتيجة الفرحة والإثارة. لذا علينا بعدم الفرح بشدة أو بالمبالغة في الفرحة حتى لا نُصاب بمتلازمة القلب السعيد. علينا بالفرحة باعتدال، ولو بابتسامة أو ضحكة علشان تطلع الصورة حلوة.









