ارتبط الوقت بمقولات مأثورة وحكم شعبية قديمة لعل أشهرها (الوقت من ذهب إن لم تدركه ذهب) (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك) كلها تؤكد على قيمة الوقت وأهمية استثماره فيما ينفع وفى آخر خميس فى أبريل تتقدم الساعة (التوقيت الصيفي) بينما فى الخميس الأخير من أكتوبر تتأخر ساعة كاملة (التوقيت الشتوي).
وعندما يحدث التغيير، يحتار الشباب لا سيما الذين ترتبط أعمالهم بالنوبات الصباحية أو السهرات المسائية ويتجدد السؤال: لماذا نغير التوقيت؟ وماذا لو استغنينا عن هذا التقليد؟
الدوائر الرسمية تؤكد أن تغيير التوقيت يرشد استهلاك الكهرباء ويحسن كفاءة الطاقة بينما الأوساط الشبابية تشكو من الأرق أو انزعاج الساعة البيولوجية وبالتالى إرباك الحياة اليومية بسبب تغيير مواعيد النوم والعمل.
دعونا نطرح السؤال من جديد: هل التوقيت الصيفى ضرورة اقتصادية أم معاناة اجتماعية؟ وبين مؤشرات الاستهلاك وأصوات الناس فى الشارع، يظل السؤال مفتوحًا: من يربح ومن يخسر فى لعبة الساعات؟
«يلا ياشباب» نزلت إلى الشارع وطرحت السؤال على الشباب والخبراء عن «ساعة تروح» و «ساعة تيجي»!
يوم طبيعى
تقول مهجة فتحى «مدرسة»: التوقيت الشتوى الأبسط والأريح للناس لأن اليوم يكون طبيعيا بلا لخبطة.. نستيقظ فى نشاط بعد نوم هادئ دون سهر بينما التغيير يؤثر على الحالة الجسدية وأيضا المزاجية خاصة فى الأيام الأولى من تطبيق التوقيت.
وتتحيز دعاء صابر «باحثة القانون» للتوقيت الصيفى لأنه يمنح الشباب ساعة إضافية تجعل النهار أطول وبالتالى القدرة على إنجاز المشاوير أكثر والعودة للمنزل فى ضوء النهار وهذا أيضا يقلل من استهلاك الكهرباء واليوم الأطول يعطى إحساسا بالحيوية والنشاط
و يعارض مختار توفيق « محاسب بأحد البنوك» «تغيير التوقيت مطالبا بالثبات على التوقيت الشتوى تفاديا للخبطة فهو الأكثر راحة للجسم وللعقل ويرتبط بروتين يومى ثابت أم التعديل أكثر من مرة قيؤدى إلى التوتر وزيادة الضغوط النفسية.
حيرة وتعب
ويقول ممتاز جابر «مهندس» بشركة الكهرباء: التوقيت الصيفى نظام سييء وجربنا الاستغناء عنه لسنوات ولم يشك أحد أما بعد عودته فمازالت الحيرة مستمرة والتذكير من الجهات المختلفة (قدم ساعتك) أو (أخر ساعتك) فماذا عن الساعة البيولوجية التى لا تتحمل كل هذه التعديلات؟
ويشكو رمضان أبو هارون مدير أحد المطاعم من تغيير التوقيت فى الشتاء والصيف كونه يؤدى لإرهاق عمال المطاعم ويظن البعض أن أحوال العمل تنتعش مع تغيير التوقيت لكن الواقع أن الخلل يحدث لأيام قبل أن يعود الوضع الى حاله.
ويميل مصطفى محمد «محاسب» للتوقيت الصيفى إذ يمنح الطالب ساعة إضافية للمذاكرة أو النوم وكذلك العامل أو الموظف ساعة يقضيها بين أسرته أو مع أصدقائه.. ويطالب بدراسة شاملة للسلبيات والإيجابيات ليس فقط اقتصاديا ولكن نفسيا وصحيا بحيث يكون القرار الأفضل مقنعاً للجميع.
خطر النوبات القلبية
يؤكد د. وسيم عطية أستاذ ورئيس قسم جراحة القلب والصدر بكلية طب الأزهر أن بعض الدراسات لاحظت زيادة معدلات النوبات القلبية والسكتات الدماغية فى الأسابيع الأولى بعد تغيير التوقيت، خاصة فى الربيع، بسبب اضطراب الساعة البيولوجية، الذى يؤثر على الإيقاع الطبيعي، مما يضع ضغطًا على الجسم يمكن أن يؤثر على القلب والأوعية الدموية.
ويستدرك: بالمقابل هناك نتائج متناقضة لدراسات أخرى وجدت أن تأثير التغيير على صحة القلب ضئيل أو غير جوهري، ولم ترصد فروقا واضحة بين عدد النوبات القلبية فى الأسابيع المحيطة بالتغيير والأسابيع السابقة واللاحقة.
ويضيف: اضطراب الساعة البيولوجية يؤدى إلى اضطراب النوم، مما يؤثر سلبًا على المزاج
مشيرا إلى ان قصر ساعات النهار بالشتاء (التوقيت الشتوي) يمكن أن يسبب أو يزيد من حدة الاكتئاب، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب العاطفة الموسمي.
كما اكد ان قلة التعرض لضوء النهار فى الشتاء قد يزيد المشاعر السلبية مثل الإحباط والتوتر والإرهاق وقلة النشاط وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية بسبب اضطراب روتين النوم واليقظة.
ترشيد الطاقة
ومن الناحية العلمية يشرح د. سلامة بهجات استاذ الجغرافيا ونظم المعلومات أن الهدف من تغيير الساعة للتوقيت الصيفى توفير الكهرباء وصاحب هذه الفكرة الأمريكى بنجامين فرانكلين وطُبقت فى الحرب العالمية الأولى ويتم تطبيق التعديل فى دول الاتحاد الأوروبى وأمريكا الشمالية وبلاد الشام والمغرب.
ويواصل : أول من طبقها هى ألمانيا فى عام 1916، وقلدتها دول أخرى ويمكننا القول إن أقل من 40٪ من دول العالم الدول تغير التوقيت الشتوى إلى الصيفى وفى وقت سابق كان يستخدمه ما يزيد عن 140 دولة.
وتبدأ حكاية مصر مع التوقيت الصيفى التى بدأت فى الحرب العالمية الثانية لكنه توقف لاحقًا ليعود بشكل منتظم فى سبعينيات القرن الماضي، ثم توقف العمل به بعد ثورة 25 يناير 2011، حتى عاد فى 2014 لتوفير استهلاك الطاقة خلال فترات الصيف الطويلة، وتم إيقافه مؤقتاً خلال رمضان الذى جاء صيفًا، وفى عام 2023، قرر مجلس الوزراء إعادة تطبيق التوقيت الصيفى فى ظل الظروف الاقتصادية العالمية ومساعى ترشيد الطاقة.
مشاكل نفسية
بينما تؤكد د. ايمان طه استاذ علم النفس أن تغيير التوقيت قد يتسبب بمشاكل نفسية عديدة بسبب اضطراب الساعة البيولوجية وعدم الحصول على الوقت الكافى من النوم، وأيضا فقدان الشهية لأن الجسم يحتاج فترة ليتأقلم مع المتغيرات الزمنية.
ويوضح الدكتور محمود رضا أستاذ إدارة الأعمال بجامعة الفيوم سابقا ان الجدل حول تغيير التوقيت يتجدد سنويا بسبب التساؤلات حول جدواه الاقتصادية ويعددها قائلا :يساهم فى توفير مصادر الطاقة المختلفة مثل الكهرباء والبنزين والسولار والغاز.
ويستشهد بالدراسات التى قدمتها الحكومة تفيد أن نظام التوقيت الصيفى يساهم فى تقليص استهلاك الكهرباء، حيث إن توفير 1 ٪ من استهلاك الكهرباء يوفر للدولة نحو 150 مليون دولار سنويا، وهو ما يعد دافعا كافيا لإعادة تطبيقه.
أضاف: طول ساعات النهار مقارنة بالليل يتسبب فى تقليل استهلاك الكهرباء والاستغناء عنها بضوء الشمس، ومن ثم خفض النفقات و مد ساعات العمل فى بعض الصناعات وبالتالى تزيد معه الإنتاجية.
ويلفت د.رضا أن التوقيت الصيفى يتيح للسياح وقتاً أطول للخروج والاستمتاع بضوء النهار، ما يسمح بتوفير العملة.









