منذ عامين والعالم يتابع الحرب على غزة، حربٌ لم تكن مجرد معركة بالسلاح، بل اختبار لإنسانية العالم ومواقفه الحقيقية. سنتان من الدمار والموت والجوع، سقطت فيها الأقنعة، وتكشفت فيها الحقائق التى حاول الكثيرون إخفاءها خلف الشعارات.
>>>
لم تكن غزة وحدها التى تُقصف، بل كانت القيم هى الأخرى تُدك بالصواريخ. العالم الذى ملأ الدنيا ضجيجًا بحقوق الإنسان، صمت أمام مشاهد الإبادة والتجويع. والمنظمات التى اعتدنا أن تصرخ من أجل العدالة، اختارت أن تغمض عينيها عن الظلم السافر. كانت المشاهد قاسية، ولكن ما هو أقسى منها كان هذا الصمت المريب.
>>>
وسط هذا الخراب، كانت هناك دولة تقف بثبات، لا تساوم ولا تتردد، دولةٌ حملت موقفها كرايةٍ فى وجه العاصفة، ورفضت أن تبيع التاريخ أو تتنازل عن الثوابت. تلك الدولة هى مصر. نعم، مصر التى واجهت وحدها الإعصار حين انكفأ الآخرون، ووقفت أمام محاولات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية من جذورها.
>>>
لقد اتضح أن ما جرى فى غزة لم يكن مجرد حرب عسكرية، بل مؤامرة مكتملة الأركان لإسقاط آخر معانى القضية الفلسطينية. أرادوا أن يقتلعوا الناس من أرضهم ويدفعوهم نحو سيناء، ليتحول الحق إلى ذكري، والوطن إلى خرافة. لكن مصر قالت لا. لا للتهجير، لا لتصفية القضية، لا لتزييف التاريخ.
>>>
حين تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مدينة الفنون بالعاصمة الإدارية الجديدة، كانت كلماته كاشفة بقدر ما كانت حاسمة. تحدث عن الموقف المصرى الصلب من حرب غزة، عن الثبات الذى لم يتبدل رغم كل الضغوط والابتزاز. لم تكن كلمته مجرد تصريح سياسي، بل شهادة للتاريخ على أن مصر لا تُساوم على مبادئها، وأن القضية الفلسطينية ليست ورقة فى يد أحد، بل جزء من الوجدان المصرى والعربي.
>>>
تلك الكلمة كانت بمثابة إعلان موقف أمام العالم كله. رسالة إلى الداخل تؤكد أن القرار المصرى مستقل، ورسالة إلى الخارج تقول بوضوح إن من يرد سلامًا حقيقيًا، فعليه أن يبدأ من العدالة، من وقف نزيف الدم، من احترام إنسانية الفلسطينى قبل أى حسابات سياسية.
>>>
اليوم وبعد عامين من الحرب، تبدو الصورة أوضح من أى وقت مضي. ذابت الثلوج وبانت المروج. انكشفت الوجوه، وتبيّن الصادق من المتاجر، والمخلص من المنافق. رأينا من كان يزايد باسم فلسطين، وهو فى الخفاء يساوم عليها، ومن كان يرفع شعارات المقاومة بينما يفاوض على حسابها.
>>>
وفى المقابل، بقى الموقف المصرى كما هو: نقيًّا، ثابتًا، واضحًا. لم يتلوّن، ولم يتبدّل، ولم يبحث عن مكسب أو شهرة. لقد وقفت مصر على خط النار السياسي، وحافظت على اتزانها وكرامتها، فأعادت تعريف الشرف الدبلوماسى فى زمن اختلطت فيه الموازين.
>>>
واليوم نرى التحول العالمى الكبير تجاه فلسطين. دول كانت صامتة بدأت تتكلم، ومن كان يبرر العدوان صار يطالب بوقفه، ومن تجاهل الأطفال والنساء أصبح يرفع صوت الإدانة. لم يأتِ هذا التغير من فراغ، بل من وضوح الحقيقة التى كشفتها المواقف، ومن إصرار القاهرة على أن تقول كلمة الحق، مهما كانت التكلفة.
>>>
ذابت الثلوج فعلاً، وبانت المروج. ظهر من كان يحرث أرض الكرامة، ومن كان يزرع شوك الخيانة. الأرض لا تكذب، والمواقف لا تُزيَّف. ومصر، التى اختارت طريق الشرف، أثبتت أن الكلمة المخلصة أقوى من ألف صاروخ، وأن الثبات على الحق هو وحده الذى يصنع التاريخ.
>>>
لقد كتب التاريخ سطوره، وسجّل أن مصر لم تخذل فلسطين، ولم تتركها فريسة فى مهب الريح. كتبت موقفها بحروف من نور، لتبقى شاهدة على زمن ذاب فيه الثلج، وظهرت فيه الحقيقة كما هي: مصر، الأم التى تحمي، والأرض التى لا تبيع، والصوت الذى لا يصمت حين يصمت الجميع.









